البطالة والفقر يدفعان عمال صالونات ليبيا للصّمت عن الذل

28 يوليو 2016
حفلات الزواج ترفع من حجم العمل(محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الاضطراب الذي تشهده، إلا أن صالونات التجميل في ليبيا عموماً، وطرابلس خصوصاً، تمتاز بإيراداتها الجيدة، مقارنة مع بعض المهن الأخرى، حيث تتجه نسبة كبيرة من النساء نحو صالونات التزيين، خصوصاً في فصل الصيف، نظراً لكثرة الأعراس. 

غير أن "وضع العاملات في هذه الصالونات هشّ من الناحية المادية، حيث تتقاضى العاملات أجورهن باليومية، وحسب كمية العمل المنجز"،
حسبما تقول العاملة في أحد الصالونات عبير محمد، لـ"العربي الجديد". وتشرح أنها تتولى "تصفيف الشعر ووضع مكياج للوجه، والمبلغ الذي أجنيه ينقسم على ثلاثة، أنا وصاحبة الصالون والمحل الذي أعمل فيه، فتصفيف الشعر يكلف 10 دنانير ليبية (7.2 دولارات)، أي أن حصتي لا تزيد على ثلاثة دنانير وربع الدينار تقريباً (2.35 دولار)".

وتكون مواعيد العمل من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، و"هذا الدوام متعب لي، ولكن ما باليد حيلة، فصاحبة الصالون هي من تتحكّم، وليس أمامنا إلا القبول لأن فرص العمل قليلة وشهادتي ليست جامعية".
وتضيف عبير: "جل اللواتي يعملن في هذه المهنة، أي الغالبية الكبرى من الجنسيات العربية، السورية والمغربية والتونسية، يرضون بهذه المبالغ، ما جعلنا نرضى نحن أيضاً، فليست هناك أي نقابة تأتي لك بحقك عندما تقوم صاحبة العمل باستغلالك".

حال منيرة عبد السلام ليس مختلفاً عن حال عبير، تشرح لـ"العربي الجديد": "لا أحمل شهادة جامعية واضطررت إلى العمل في أحد صالونات التجميل كوني امتلك موهبة وبعض الخبرة في كيفية عمل المكياج، وتدربت داخل أحد الصالونات على يد صاحبة الصالون وأصبحت أعمل فيه".
وتضيف منيرة أنها هربت من البطالة، "كون الحصول على عمل بدون شهادة يعتبر صعباً بعض الشيء وعدم وجود معاهد متخصصة في هذا المجال دفع بعض عاملات هذه المهنة إلى أخذ دورات مرتفعة الكلفة. ولهذا تجد أن صاحبة الصالون تستغل بعض العاملات معها، حيث تعطيهن راتبهن باليومية".

وتوضح أن صاحبة الصالون لا توفّر للعاملات أي تأمين صحي أو ضمان اجتماعي أو أي شكل من أشكال التقديمات، مكتفية باليومية وأحياناً تمنحهن إجازة، لافتة الانتباه إلى أن الصالونات لا يخضعن لأي رقابة.

وتختم منيرة "أنا هنا أعمل لكي تزداد خبرتي في هذا المجال، وقد أصبحت أتقن هذه المهنة بنسبة كبيرة، وأحاول جمع المال لكي أقوم بفتح صالون خاص بي في بيتي، فالمردود المادي يصبح أفضل بكثير. وهذا ما تفعله أغلب العاملات الليبيات اللواتي يمتهنّ هذه الخدمة في بداية مشوارهن".

بدورها، تقول أنيسة، وهي إحدى العاملات في صالون تجميل بالعاصمة طرابلس، إنها تعمل لساعات طويلة في الصالون، بتصفيف الشعر والمكياج تحديداً، وتشعر بأن حقها مهضوم من صاحبة العمل، كون اليومية التي تجنيها ضئيلة جداً، حيث إن سعر التصفيف والمكياج قليل جداً، فيما تجهيز العرائس ذو الكلفة العالية يخضع للإشراف من صاحبة الصالون ذاتها، حيث تتقاضى عليه مبلغاً كبيراً لا تحصل العاملات على شيء منه.

وتوضح أنها لو رفضت المبلغ الزهيد الذي تتقاضاه فإن الكثيرات، خصوصاً من غير الليبيات، يتمنين العمل بالمقابل نفسه، رادّة ذلك إلى عدم وجود نقابة تحمي حقوق العاملات في
الصالونات. وتختم العاملة حديثها بالقول إن "ما نجنيه يكاد لا يكفي لمصروفنا اليومي، فبرغم ارتفاع أسعار المواد الغذائية كافة، فإن صاحبة الصالون لا تلتفت لمثل هذه الأشياء ولا تزيد من سعر اليومية".

سلمى، سورية الجنسية، تعمل في أحد الصالونات في العاصمة. تقول: "أنا متخصصة في التجميل والمكياج ولدي شهادة في هذا المجال، ولكن اليومية التي أتقاضاها ضئيلة مقارنة بعملي الذي أقوم به". فـ"هنا جل الصالونات لا تبحث عمن تحمل شهادات في التخصص وإنما عمن هنّ يتقاضين راتباً أقل".
وتضيف "كنت أتوقع إني سأعمل بمرتب جيد، وعبر عقد بيني وبين صاحبة العمل، ولكن هذا الشيء غير موجود في أغلب الصالونات في مدينة طرابلس. ولهذا قبلت العمل كوني غادرت بلدي وجئت إلى هنا للبحث عن لقمة العيش، ومن هنا تم استغلالي".

وتضيف سلمى: "هنا ليس لدي حقوق أو امتيازات كوني لست ليبية، وحتى الليبيات العاملات اللاتي أعمل معهن ليست لهن حقوق. فنحن نعمل ونتقاضى يوميتنا نهاية كل يوم، التي لا تكفي لسد الكثير من حاجاتنا".
الأمر يختلف عند صالونات الرجال، وهو ما يُعرف في ليبيا بـ"الحلاق"، فأغلب من يعمل في هذا المجال هم من الجنسيات العربية، وإن كانت الجنسية الليبية حاضرة وتعمل في بعض الصالونات.
مروان القبايلي، يعمل في أحد صالونات الرجال، يقول لـ"العربي الجديد": "أنا هنا أعمل لوحدي بالصالون وأعمل بنظام الثلث، أي كل زبون أتقاضى منه مبلغاً يتم توزيعه على ثلاثة، أنا وصاحب الصالون وجزء يذهب إلى رأسمال الصالون، وذلك من أجل توفير مستلزمات الأخير". ويلفت إلى أن المبلغ الذي يجنيه "يعتبر جيداً نوعاً ما ويوفر لي حاجاتي الخاصة".
ويوضح القبايلي أن الصالون لا يوفر له أية امتيازات. فـ"لا تأمين صحياً ولا ضمان اجتماعياً ولا أي شيء من هذا القبيل".

وعن عدد الليبيين الذين يعملون في هذا المجال، يقول: "لا أستطيع تحديد رقم معيّن، ولكن النسبة زادت خلال السنوات الماضية، حيث جلّ العاملين من الجنسية المصرية والتونسية والجزائرية"، مشيراً إلى أن بعض هؤلاء غادر البلاد بفعل الظروف الأمنية، ما دفع الليبيين إلى الاتجاه لهذا السوق وأصبحوا يمتهنون الحلاقة لعدم وجود فرص العمل وهروباً من البطالة.
يقول حسام عبد الجليل، الذي يعمل في أحد صالونات الحلاقة في طرابلس مع زميلين مصريين، إن ما يتقاضاه جيد، ويكفيه لما يزيد على مصروفه اليومي، "كون الأسعار معقولة بالنسبة للزبون ولي أيضاً".
أمّا بخصوص ساعات العمل، فيقول إن الأمر يعود له، كونه غير محدد، مشيراً إلى أنه يأتي من الساعة العاشرة صباحاً حتى السابعة أو الثامنة مساء، تبعاً لزحمة الزبائن. فـ"في أيام العيد نظل لساعات متأخرة من الليل بفعل كثرة الزبائن، وهي أيام عمل تعتبر ممتازة بالنسبة لنا، حيث نتقاضى في اليوم قرابة 250 ديناراً".
من جهته، يقول الليبي رضوان الفلاح: "بقيت في المغرب لسنين ودرست في أحد المعاهد الخاصة في هذا المجال، ورجعت إلى ليبيا وحاولت أن أعمل في هذا المجال لكن الزبائن الليبيين يفضلون العامل المصري أو الجزائري أو التونسي، كونهم يمتلكون خبرة أكثر مني رغم عدم تخصصهم بهذا المجال".

ويضيف رضوان: "بعد الثورة غادر كثير من العمال الأجانب، العرب خصوصاً، نتيجة للأوضاع التي تشهدها البلاد. وهذا ما جعل الليبيين ينخرطون في أسواق عمل عديدة، كصالونات التجميل". ويوضح أنه استأجر صالوناً بـ1500 دينار (1080 دولاراً)، فيما يتبقى له حوالي الـ2000 دينار (1440 دولاراً)، شارحاً أن المبلغ غير كافٍ لكنه مقبول في ظل أوضاع البلاد الراهنة.

وفيما لا توجد أرقام محددة توضح عدد العاملين والعاملات في مجالات التجميل لعدم وجود نقابة أو رابطة تمثلهم، يبقى أن العاملات في هذا المجال يخضعن لتمييز كبير مقارنة مع العاملين في هذا المجال، خصوصاً من قبل صاحبات الصالونات.
المساهمون