البطاطا في الجزائر.. المزارعون يعانون من وفرة الإنتاج

25 فبراير 2016
وفرة الإنتاج تهوي بسعر البطاطا في الجزائر (فيس بوك)
+ الخط -

يعيش الفلاح الجزائري أحمد مغرابي، المقيم في مدينة عين الدفلى غربي العاصمة الجزائرية، حالة من القلق الشديد على محصوله من البطاطا التي بلغ إنتاجه منها هذا العام 350 طنا، بعد أن وجه ثلثي الإنتاج للتخزين في غرف تبريد خاصة بالمنطقة، رافضا بيعها بثمن يقل عن تكلفة إنتاجها، ويربط أحمد في تصريح لـ"العربي الجديد" مستقبل عائلته بإيجاد حل لمعضلة عمّت مدينته بقوله: "ننتظر أن تشتري الدولة محصولنا من البطاطا أو يساعدنا الخواص في تصديره وإنقاذنا من الإفلاس".

دفعت ما اصطلح على وصفها بـ"أزمة وفرة إنتاج البطاطا" فلاحي عين الدفلى التي يعيش نصف سكانها المقدر عددهم بـ 800 ألف نسمة من مداخيل الزراعة إلى عقد اجتماعات دورية من أجل إيجاد حل لمخزونهم من البطاطا التي تحولت وفرتها إلى نقمة على الفلاحين بفعل انخفاض حاد في الأسعار الذي وصل إلى 10 دنانير جزائرية للكيلوغرام الواحد (حوالي 0.085 يورو) في أسواق بيع الخضر بالجملة، وهو سعر يصفه الفلاحون الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد" بـ "الكارثي" وسيتسبب لهم بخسائر فادحة بفعل ارتفاع تكلفة الإنتاج، خصوصا الأسمدة المستعملة للحفاظ على جودة البطاطا بالإضافة إلى غلاء أسعار البذور.

بداية الأسبوع الحالي هدد الفلاحون بغلق الطريق السيار الذي يمر بمدينتهم (طريق يربط شرق الجزائر بغربها) بأطنان البطاطا، وهو ما أدى إلى حالة استنفار كبيرة نتيجة مخاوف السلطات من تجسيد التهديد، إذ تم عقد جلسات حوار بين ممثلي الفلاحين ومديرية الفلاحة المحلية لم تتضح نتائجها بعد.

اقرأ أيضا: ملاعب الجزائر.. منشطات قاتلة تقضي على مستقبل اللاعبين

النقاط السوداء

يُعد تخزين البطاطا من أهم العوائق، التي تواجه فلاحي المنطقة لتطوير إنتاجهم من حقولهم الممتدة على عشرين ألف هكتار، إذ تشير أرقام تقريبية لغرفة فلاحة عين الدفلى بوجود عجز في أماكن التخزين المجهزة يقدر بـ 100 ألف متر مكعب، وزادت متاعب الفلاحين مع الآلية التي أقرتها الحكومة الجزائرية القاضية بتكفل مؤسسة برودا (شركة تسيير المنتوج) باقتناء الفائض من مخزون البطاطا، إذ بقيت مستحقاتهم عالقة لدى المؤسسة العمومية التي تقوم بشراء محصول البطاطا السنوي من الفلاحين بسعر مرجعي ثابت على المستوى الوطني يتم تحديده كل سنة، وتخزينه في غرف التبريد قبل توجيهها إلى الأسواق في أوقات الندرة التي تتزامن مع فصل الخريف للحفاظ على توازن الأسعار في الأسواق.

يقول الفلاحون الذين تواصل معهم معد التحقيق، إنهم تعرضوا لخديعة من المؤسسة التي وضعوا فيها ثقتهم ومنحوها محاصيلهم من البطاطا، إذ تماطل في دفع مستحقاتهم رغم مرور أشهر على المواعيد المحددة، في حين يرد المكلف بالاتصال على مستوى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، جمال برشيش، على سؤال لـ "العربي الجديد"،"إن المشكل داخلي وتم الشروع في حله من خلال التكفل بدفع مستحقات الفلاحين تدريجيا".

يكشف مصدر آخر من داخل مبنى وزارة الفلاحة (رفض التصريح باسمه)، أن المؤسسة الحكومية سجلت خسائر مالية كبيرة تجاوزت 3 مليارات دينار (25.5 مليون يورو)، ما أدى إلى رفع طلب إلى الحكومة الجزائرية لتغطية العجز وتسديد الديون العالقة عليه، وهي القضية التي لم يُفصل فيه خصوصا في ظل وجود شكوك بوجود تلاعبات مالية أدت إلى تلك الخسائر الفادحة، وهو ما أخر مستحقات الفلاحين.

حلول وزارة الفلاحة الجزائرية

يرفض المكلف بالاتصال بوزارة الفلاحة الجزائرية حصر مشكل البطاطا في مدينة عين الدفلى التي تعتبر رائدة محليا في هذا المجال، وتحتل مرتبة متقدمة في العالم، حسب تقرير سابق للمنظمة العالمية للتغذية والزراعة، ويقول: "إن البطاطا الجزائرية تنتج في عدة ولايات منها بومرداس والوادي ومعسكر وعين الدفلى ويتم التعامل مع الفلاحين بنفس الطريقة من خلال دعمهم وإيجاد حلول للفائض".

وكشف المصدر ذاته لـ"العربي الجديد" عن اجتماع ترأسه وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، سيد أحمد فروخي، الخميس الماضي، وحضره فلاحون ومصدرون وصناعيون مهتمون بالمنتوج لتحويله إلى مكملات غذائية.

ويواصل برشيش سرده لمخرجات الاجتماع بقوله:"تم إقرار تسهيلات إدارية للمصدرين وكذلك إحداث رواق أخضر لتصدير البطاطا (مسار وآلية لجني وتصدير المحصول للخارج)، وإصدار توصيات من شأنها إتمام صفقات بيع البطاطا لصالح المشتغلين في مجال الصناعات التحويلية الغذائية".

اقرأ أيضا: ليلة مظلمة في عاصمة النور.. تفاصيل هجمات باريس الدامية

آمال مزارعي البطاطا معلقة

يؤكد الفلاح الجزائري مغرابي الذي تقع مزرعته على مساحة 16 هكتارا، في بلدية عريب التابعة لعين الدفلى، أنه صار على استعداد لبيع محصوله من البطاطا الوفير للدولة (معدل الإنتاج 220 قنطارا للهكتار الواحد، 10 قنطارات تساوي طناً واحداً) رغم المماطلة الكبيرة في دفع مستحقات الفلاحين بعد أن تفادى لنفس السبب، التعامل مع مؤسسة برودا في الموسم الفلاحي الفائت، ووجّه محاصيله إلى عدة أسواق بالولايات المجاورة متكبدا عناء التنقل وبطء عملية البيع، ويبرر تراجعه هذه المرة بـ"غياب حلول أخرى من شأنها إنقاذ محصوله هذه السنة، نتيجة الوفرة الهائلة ودخول ولايات أخرى على خط إنتاج نفس المادة".

في ظل غياب ضمانات واضحة لعدم تكرار سيناريو الموسم الفلاحي الفائت، الذي قدرت فيه وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، حجم الإنتاج الوطني من البطاطا في الجزائر بـ 4.5 ملايين طن حسب أرقام رسمية، يبقى مزارعو البطاطا في عين الدفلى على أعصابهم في ظل وجود ديون عالقة عليهم لدى متعاملي البذور والأسمدة والعمال الذين يُرافقون عملية الزرع وجني المحصول، من بين هؤلاء الفلاح أحمد محمودي، والذي قال لـ"العربي الجديد": "إنه مدين بمبالغ كبيرة وينتظر انفراج المشكل وتحصيل عائدات بيعه البطاطا للوفاء بالتزاماته التي أصبحت تؤرقه".

يتمسك محمودي برفض بيع محصوله بالأسعار الحالية، ويقترح سعر 20 دينارا جزائريا للكيلوغرام الواحد (0,16 يورو) لضمان هامش بسيط من الربح وعدم الوقوع في فخ الخسارة، ويذهب المتحدث بعيدا في تحديثه لعواقب كساد محصوله السنوي بتأكيده على أنه "يفضل رميها على بيعها بالخسارة".

لكن مدير الغرفة الفلاحية لعين الدفلى، الحاج جعلالي، اكتفى بتقديم رقم الإنتاج المحقق بعين الدفلى حيث قدره بأكثر من 30.5 مليون قنطار في حين رفض الخوض في التفاصيل الأخرى مختصرا تصريحه إلى "العربي الجديد"، بعبارة "إن الموسم الفلاحي بالولاية ناجح وكل المشاكل العالقة في طريقها إلى الحل".

اقرأ أيضا: مصر.. أكذوبة الشعب المسالم بطبعه

الجمعيات الفلاحية تسعى للحل

يكشف المكلف في العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية لترقية الريف (تهتم بشؤون الفلاحين وتقديم حلول لمشاكلهم)، الزين زرقي، في تصريح إلى "العربي الجديد"، "إن الجمعية بصدد إعداد برنامج وطني للفلاحين المنتجين لمادة البطاطا في الجزائر لتحديد الفائض من المنتوج، وربط اتصالات مع مصدرين يعملون في مجال الخضر والفواكه لحثهم على تصديرها مقابل مرافقة العملية ودعم جهود الوزارة الوصية".

وبشأن احتجاجات الفلاحين بولاية عين الدفلى يرى زرقي بأن مطالبهم شرعية وأن الدولة عليها التكفل بدفع مستحقاتهم العالقة، وتقديم كل التسهيلات لهم من أجل عقد صفقات تصدير، مع دول خليجية في إطار رسمي ومنظم لمنع تكرار التجربة السابقة التي اضطرت فيها مؤسسة التجميع الحكومية للبيع بالخسارة، مشددا على أن" إدخال العملة الصعبة من البطاطا وباقي المنتجات الفلاحية سيخفف من المتاعب الاقتصادية التي تواجهها الجزائر جراء انخفاض عائدات البترول".

عقبات تواجه المصدرين

يؤكد رجل الأعمال الجزائري، عبد الرحمان بوزيان، أنه قام بتصدير شحنات إلى دول الخليج ومنها دولة قطر انطلاقا من ولاية الوادي الواقعة جنوب الجزائر، إذ تعتبر هي الأخرى رائدة في هذا المجال من الزراعة، غير أنها تمكنت بفضل بعض المصدرين من تجنب المشاكل التي تعترض فلاحي عين الدفلى.

وقال عبد الرحمان الذي يملك شركة للتصدير في مقابلة مع "العربي الجديد"، إن مشكلة ارتفاع تكاليف الشحن الجوي تعرقل تصدير البطاطا نحو الخارج، إلا أنه تحدث بتفاؤل عن مد المصدرين يد العون للفلاحين المنحدرين من عين الدفلى في الأيام القادمة، بقوله: "إن بروز تطمينات من الخطوط الجوية الجزائرية بخفض أسعار الشحن وكذلك تسهيلات وزارة الفلاحة التي تم إقرارها في اجتماع الأسبوع الماضي سيعجل من تطبيق مخطط لعدة مصدرين بتحويل بطاطا عين الدفلى إلى روسيا وبعض دول الخليج".

وبشأن الرقم الذي اقترحه الفلاح محمودي كسعر مرجعي لبيع محصوله من البطاطا، أكد عبد الرحمان أنه مناسب جدا ويترك له هامشا للربح، قائلا إن البطاطا الجزائرية التي غزت أسواق قطر في الأسابيع الماضية، تصل إلى المستهلك النهائي بسعر يتراوح بين 4 إلى 5 ريالات قطرية (دولار أميركي ونصف) للكيلوغرام الواحد، أي عشرة أضعاف سعرها في الجزائر.

دلالات