في صورة منتظمة يتابع العالم اجتماعات تجمّع "البريكس"، التي كان آخرها في الصين على مدار الأيام الثلاثة الماضية، وينظر له مراقبون على أنه صورة من صور المواجهة بين الشمال والجنوب، التي شهدتها الساحة الدولية منذ منتصف القرن العشرين، حين نال العديد من الدول النامية استقلالها، وتخلص معظمها من الاستعمار الغربي.
والحقيقة أن "البريكس" الذي يضم الصين، وروسيا، الهند، البرازيل، وجنوب أفريقيا، هو تجمّع مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، ولا يمثل خصومة أيديولوجية مع الرأسمالية، فدول التجمع صاحبة أكبر استثمارات في أميركا والغرب، كما أنه لا يطرح بديلًا لقواعد الاقتصاد الرأسمالي الذي يسود العالم، من حرية التجارة والاستثمارات الدولية، ووجود دور كبير للجهاز المصرفي والبورصات في النشاط الاقتصادي، أو الاعتماد على سعر الفائدة كآلية للتمويل.
وإن كان هناك خلاف بين توجهات تجمع "البريكس" الاقتصادي نحو قضايا محددة مثل حرية التجارة ومواجهة الحماية، فهي نوع من الاعتراض على الممارسات الأميركية وبعض الدول الغربية، بل تعد توجهات التجمع انحيازاً للرأسمالية التي تعتبر حرية التجارة أحد أعمدتها الرئيسة.
ولكن لم يتبنَّ "البريكس" مثلًا مبدأ التجارة العادلة الذي نادت به الدول النامية في المحافل العالمية في مواجهة التجارة الحرة، لأن التجارة الحرة دائماً ما كانت في صالح أميركا والغرب.
وقد يكون عدم حديث "البريكس" عن التجارة العادلة نتيجة لاشتراكه مع أميركا والغرب في استيراد المواد الخام من الدول النامية، وبالتالي فالحديث عن التجارة العادلة ضد مصالح "البريكس" كما هو ضد أميركا والغرب، فضلًا عن أن توجهات ونظرة التجمع للدول النامية ليست أكثر من سوق لمنتجاته الصناعية التقليدية أو الكهربائية والإلكترونية، التي يساهم بحصة كبيرة من إنتاجها العالمي.
فالصين تعد ثاني أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأميركية حسب بيانات مايو/ أيار 2017 بنحو 1.1 تريليون دولار، كما أن المصالح التجارية للصين والهند والبرازيل مع أميركا والغرب، تدفعها للبقاء على هذه العلاقة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن تحسن اقتصاديات دول "البريكس" وانتقالها من مصاف الدول النامية إلى الدول الصاعدة، أتى في ضوء الممارسات الرأسمالية، وإن اتخذت تجارب بعض الدول تطبيقاً يراعي بعض الخصوصيات المحلية لكل دولة. فالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحرية التجارة والسعي بكل جد لنيل عضوية منظمة التجارة العالمية، وتغيير منظومة التشريعات الاقتصادية الاشتراكية والشيوعية كان أمراً حتمياً لابد منه، وبخاصة في روسيا والصين.
باعتبارات الزمن، ومقارنة عمر تجمع "البريكس" بغيره من المؤسسات أو التجمعات الغربية، فهو تجمع شديد الحداثة، حيث بدأت أولى اجتماعاته في 2009، وثمة تحديات فرضت نفسها على هذا التجمع، قد تحدّ من تأثيره بشكل قوي في مجريات النظام الاقتصادي العالمي.
ولكن في ضوء الممارسات العملية للتجمع أمكن رصد بعض السلبيات، ومن أهمها ما يلي:
- لا توجد آلية إلزام لأعضائه تجاه القضايا المطروحة على أجندة اجتماعاته، أو غيرها من القضايا، سواء تلك المتعلقة بالعلاقة مع أميركا والغرب، أو القضايا المتعلقة بمشكلات الدول النامية أو الأقل نمواً، مثل نقل التكنولوجيا أو سداد ديون الدول الأقل نمواً.
- لا يعني التقاء المصالح الاقتصادية لدول "البريكس" أنها لا تعاني من مشكلات سياسية وأمنية بينية، فكل من الهند والصين، يعاني من توتر بسبب النزاعات على الحدود، وشهدت الأيام القليلة الماضية حالة من التوتر بين البلدين، بسبب ما أعلنته الهند من تحرشات حرس الحدود الصيني بجنودها، ولم يلاحظ وجود دور للتجمع في تهدئة الأوضاع بين البلدين.
- اتخذت الصين خطوة جريئة بتأسيسها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية عام 2015، وعقد البنك أولى اجتماعاته في 2016، وضم في عضويته بعض الدول الأوروبية، واعتبره البعض مناهضاً لسيطرة أميركا والغرب على المؤسسات المالية الدولية، وأن البنك بديل للبنك الدولي.
ولكن بالنظر لآلية عمل البنك فإنها لا تختلف كثيراً عن البنك الدولي، سوى في عضوية مجلس الإدارة، وكذلك طبيعة وحجم التمويل الذي بدأ به البنك برأس مال قدر بنحو 100 مليار دولار.
فسعر الفائدة هو محور وأساس التمويل، وأجندة الشروط للاقتراض لا تختلف عن البنك الدولي، وإن كانت أميركا والغرب مارسا دور الوصاية على الدول المقترضة من البنك والصندوق الدوليين، فنفس الدور يمارس من قبل الصين، وإن كان بشكل غير فج كما هو الحال في الصندوق والبنك الدوليين.
- منذ عام 2008، وبعد الأزمة المالية العالمية، روج تجمع "البريكس" لقضية إحلال العملات المحلية في التسويات الخاصة بالتجارة الدولية، وتجنب التعامل بالدولار، لما يعتريه من تقلبات تسبب أزمات اقتصادية للمتعاملين به، إلا أنه بعد نحو تسع سنوات ظلت التجربة محدودة الأثر، حيث لا يزال الدولار هو عصب التسويات المالية العالمية، بل تصنف دول "البريكس" على أنها واقعة في منطقة الدولار.
- يؤكد الواقع أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، ولكن تجمع "البريكس" لا يزال يدور في فلك المصالح الاقتصادية، بل وتخوض بعض دوله قضاياها الاقتصادية بمفردها، فروسيا في صراعها مع أميركا والغرب حول قضية أوكرانيا، لم تجد موقفاً مسانداً من التجمع ضد قرار أميركا والغرب بفرض العقوبات الاقتصادية، أو العكس بالعمل على توجيه روسيا بإنهاء القضية الأوكرانية.
كما أن الصين في مواجهة دعوات ترامب باتهامها بإغراق السوق الأميركي، أو ضرورة فرض إجراءات حمائية ضد المنتجات الصينية.
الصين تقف وحدها، دون موقف جماعي عملي بعيداً عن البيانات أو المناشدات، كأن تتخذ دول التجمع إجراءً بتهديد أميركا بإجراءات مشابهة إذا ما أقدمت على اتخاذ إجراءات حمائية ضد الصادرات الصينية.
اقــرأ أيضاً
وإن كان هناك خلاف بين توجهات تجمع "البريكس" الاقتصادي نحو قضايا محددة مثل حرية التجارة ومواجهة الحماية، فهي نوع من الاعتراض على الممارسات الأميركية وبعض الدول الغربية، بل تعد توجهات التجمع انحيازاً للرأسمالية التي تعتبر حرية التجارة أحد أعمدتها الرئيسة.
ولكن لم يتبنَّ "البريكس" مثلًا مبدأ التجارة العادلة الذي نادت به الدول النامية في المحافل العالمية في مواجهة التجارة الحرة، لأن التجارة الحرة دائماً ما كانت في صالح أميركا والغرب.
وقد يكون عدم حديث "البريكس" عن التجارة العادلة نتيجة لاشتراكه مع أميركا والغرب في استيراد المواد الخام من الدول النامية، وبالتالي فالحديث عن التجارة العادلة ضد مصالح "البريكس" كما هو ضد أميركا والغرب، فضلًا عن أن توجهات ونظرة التجمع للدول النامية ليست أكثر من سوق لمنتجاته الصناعية التقليدية أو الكهربائية والإلكترونية، التي يساهم بحصة كبيرة من إنتاجها العالمي.
فالصين تعد ثاني أكبر مستثمر في سندات الخزانة الأميركية حسب بيانات مايو/ أيار 2017 بنحو 1.1 تريليون دولار، كما أن المصالح التجارية للصين والهند والبرازيل مع أميركا والغرب، تدفعها للبقاء على هذه العلاقة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن تحسن اقتصاديات دول "البريكس" وانتقالها من مصاف الدول النامية إلى الدول الصاعدة، أتى في ضوء الممارسات الرأسمالية، وإن اتخذت تجارب بعض الدول تطبيقاً يراعي بعض الخصوصيات المحلية لكل دولة. فالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحرية التجارة والسعي بكل جد لنيل عضوية منظمة التجارة العالمية، وتغيير منظومة التشريعات الاقتصادية الاشتراكية والشيوعية كان أمراً حتمياً لابد منه، وبخاصة في روسيا والصين.
باعتبارات الزمن، ومقارنة عمر تجمع "البريكس" بغيره من المؤسسات أو التجمعات الغربية، فهو تجمع شديد الحداثة، حيث بدأت أولى اجتماعاته في 2009، وثمة تحديات فرضت نفسها على هذا التجمع، قد تحدّ من تأثيره بشكل قوي في مجريات النظام الاقتصادي العالمي.
ولكن في ضوء الممارسات العملية للتجمع أمكن رصد بعض السلبيات، ومن أهمها ما يلي:
- لا توجد آلية إلزام لأعضائه تجاه القضايا المطروحة على أجندة اجتماعاته، أو غيرها من القضايا، سواء تلك المتعلقة بالعلاقة مع أميركا والغرب، أو القضايا المتعلقة بمشكلات الدول النامية أو الأقل نمواً، مثل نقل التكنولوجيا أو سداد ديون الدول الأقل نمواً.
- لا يعني التقاء المصالح الاقتصادية لدول "البريكس" أنها لا تعاني من مشكلات سياسية وأمنية بينية، فكل من الهند والصين، يعاني من توتر بسبب النزاعات على الحدود، وشهدت الأيام القليلة الماضية حالة من التوتر بين البلدين، بسبب ما أعلنته الهند من تحرشات حرس الحدود الصيني بجنودها، ولم يلاحظ وجود دور للتجمع في تهدئة الأوضاع بين البلدين.
- اتخذت الصين خطوة جريئة بتأسيسها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية عام 2015، وعقد البنك أولى اجتماعاته في 2016، وضم في عضويته بعض الدول الأوروبية، واعتبره البعض مناهضاً لسيطرة أميركا والغرب على المؤسسات المالية الدولية، وأن البنك بديل للبنك الدولي.
ولكن بالنظر لآلية عمل البنك فإنها لا تختلف كثيراً عن البنك الدولي، سوى في عضوية مجلس الإدارة، وكذلك طبيعة وحجم التمويل الذي بدأ به البنك برأس مال قدر بنحو 100 مليار دولار.
فسعر الفائدة هو محور وأساس التمويل، وأجندة الشروط للاقتراض لا تختلف عن البنك الدولي، وإن كانت أميركا والغرب مارسا دور الوصاية على الدول المقترضة من البنك والصندوق الدوليين، فنفس الدور يمارس من قبل الصين، وإن كان بشكل غير فج كما هو الحال في الصندوق والبنك الدوليين.
- منذ عام 2008، وبعد الأزمة المالية العالمية، روج تجمع "البريكس" لقضية إحلال العملات المحلية في التسويات الخاصة بالتجارة الدولية، وتجنب التعامل بالدولار، لما يعتريه من تقلبات تسبب أزمات اقتصادية للمتعاملين به، إلا أنه بعد نحو تسع سنوات ظلت التجربة محدودة الأثر، حيث لا يزال الدولار هو عصب التسويات المالية العالمية، بل تصنف دول "البريكس" على أنها واقعة في منطقة الدولار.
- يؤكد الواقع أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، ولكن تجمع "البريكس" لا يزال يدور في فلك المصالح الاقتصادية، بل وتخوض بعض دوله قضاياها الاقتصادية بمفردها، فروسيا في صراعها مع أميركا والغرب حول قضية أوكرانيا، لم تجد موقفاً مسانداً من التجمع ضد قرار أميركا والغرب بفرض العقوبات الاقتصادية، أو العكس بالعمل على توجيه روسيا بإنهاء القضية الأوكرانية.
كما أن الصين في مواجهة دعوات ترامب باتهامها بإغراق السوق الأميركي، أو ضرورة فرض إجراءات حمائية ضد المنتجات الصينية.
الصين تقف وحدها، دون موقف جماعي عملي بعيداً عن البيانات أو المناشدات، كأن تتخذ دول التجمع إجراءً بتهديد أميركا بإجراءات مشابهة إذا ما أقدمت على اتخاذ إجراءات حمائية ضد الصادرات الصينية.