البريد في مصر "مهزلة"... تكدّس وسرقات وأكثر

09 أكتوبر 2018
البريد القديم يحتاج للتطوير(ضياء غسطيني/Getty)
+ الخط -
يعد البريد المصري من أهم وأقدم مكاتب البريد في العالم، إلا أنه يواجه العديد من الأزمات والمشكلات الإدارية والتكنولوجية يوميا، الأمر الذي يجعله لا يتناسب مع ظروف المرحلة في ظل التطور التكنولوجي.

تأسس البريد في مصر عام 1865، وهو هيئة اقتصادية اجتماعية، وعدد مكاتبه 3927 مكتبا في جميع أنحاء المحافظات، كل مكتب يخدم ما يقارب من 19 ألف شخص. ويبدو مظهر المئات من تلك المكاتب نموذجيا ومتطورا، إلا أن الوضع في الداخل يظهر زحام الناس والطوابير والمشاجرات بين الأهالي والموظفين من جهة، وبين الأهالي أنفسهم بسبب أسبقية الدور من جهة أخرى. إذ يصطف المواطنون بالساعات في طوابير مقسمة للسيدات والرجال، ويستغرق وقوف العميل عند الشباك ليقضي معاملته أكثر من ربع ساعة، وسط استهجان وغضب بسبب بطء مسؤولي هيئة البريد في إنجاز مهامهم.

زحام وطوابير وخدمات بطيئة 

رغم قِدم البريد المصري، إلا أن مكاتبه تشهد في مختلف المحافظات زحاماً يومياً، لإنهاء خدمات الأهالي من شراء طوابع أو أوراق حكومية، فضلاً عن إرسال الحوالات المالية البريدية، والتعامل مع صندوق دفتر التوفير، إضافة إلى تجمُّع أصحاب المعاشات مع مطلع كل شهر لصرف مستحقاتهم المالية. وأصبح الوضع بالنسبة لكثير من المصريين مهيناً بسبب الزحام، وهم يسمعون المبرر الأشهر لذلك، وهي الكلمة الصماء "السيستم واقع" التي يطلقها الموظفون في وجوه المواطنين، أملاً في تهدئتهم من الغضب الذي يسيطر عليهم مع تعطيل صرف مستحقاتهم.

ومن المشكلات التي تواجه البريد في مصر، اختفاء خدمة مكاتب البريد في مئات القرى والأرياف، التي تعد أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها. ويضطر الأهالي لقطع مسافات للحصول على حاجتهم من تلك المكاتب أو على مستحقاتهم المالية، لا سيما كبار السن والمرضى، ما يكلفهم الكثير من الأعباء المالية والصحية. ويضطر كثيرون لاستخدام الـ"توك توك" أو أي توصيلة لتقليص بدل النقل قدر الإمكان.

وغياب تلك المكاتب يعيق حصول الطلاب الراغبين في التقديم لمراحل التعليم المختلفة على الدمغات والطوابع البريدية، إضافة إلى شراء الطوابع لطلبات الالتحاق بالوظائف المختلفة، وتسويات الدرجات الوظيفية أو لطلبات خاصة تحتاج إلى طوابع حكومية.

وأغلقت مئات مكاتب البريد في عدد من القرى النموذجية والمدن بالمحافظات المصرية بحجة تطويرها، كما أن هناك أكثر من 5400 مكتب بريد غير نموذجي لا توجد فيها وسائل التكنولوجيا وأجهزة كمبيوتر تساعد على تقديم خدمات جيدة للمواطنين وإنهاء معاملاتهم على وجه السرعة، ما زاد الضغوط على الأهالي واضطرارهم لقضاء احتياجاتهم في مناطق أخرى.


سرقات واختلاسات

وتواجه الطرود البريدية، التي تعد واحدة من الحلول السريعة والآمنة لإيصال المتعلقات البسيطة بين الأفراد سواء داخل مصر أو خارجها، سرقة محتوياتها وتبديلها، وهو ما كشف عنه أحد المواطنين في بلاغ رسمي، أوضح فيه أنه تسلم طرداً من صديق له في هولندا، أبلغه بأنه يحتوي على هاتفين جوالين وملابس، لكنه عند استلام الطرد من مكتب بريد بالعاشر من رمضان التابع لمحافظة الشرقية، اكتشف أن المحتوى استبدل بأشياء أخرى.

ويشير بعض المواطنين إلى أن عمليات اختلاس من أموال المودعين بـ"صندوق توفير البريد" يرتكبها موظفون في مراكز البريد، إذ يلجأ بعضهم إلى تقليد "توقيع العميل" للاستيلاء على أمواله، ويكتشف صاحب العلاقة الأمر بالصدفة عند سحب أمواله، وهذا ما أكد عليه أحد المواطنين لـ"العربي الجديد"، عندما أودع مبلغ 80 ألف جنيه لسحبها عند الزواج، ولكن المفاجأة كانت أن مبلغ 50 ألف جنيه سحب من حسابه، والقضية ما زالت قيد التحقيق.

مشاكل تحتاج لحلول

تناقش لجنة الاتصالات بمجلس النواب مشكلات البريد في بعض المحافظات المصرية، وغلق المئات من المكاتب. ويؤكد النائب جون طلعت، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن غلق المكاتب وعدم تطويرها وراء أزمة الطوابير أمام مكاتب البريد، مشدداً على ضرورة وجود عدد من الأجهزة الحديثة المرتبطة بـ"الإنترنت" لمواجهة احتياجات الأهالي اليومية المتزايدة.

ويشير إلى أن هناك أكثر من 6 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات يترددون شهرياً لقبض مستحقاتهم بطريقة "مذلة" يجب القضاء عليها، مضيفاً أن مساحات مكاتب البريد الضيقة جداً، لا تتسع لآلاف المترددين عليها يومياً، ما أدى الى حالة من التكدس أمام شبابيك مكاتب البريد.

ويشكو مواطنون التقاهم "العربي الجديد"، من سوء أداء الموظفين، الذين يحضرون متأخرين عادة رغم الزحام، ويتذرعون معظم الأحيان بتعطل شبكة الإنترنت أو تلف الطابعة عند إتمام احتياجات المواطنين، ليغطوا على تغيب الموظفين، وهو ما أكد عليه سيد جمال الدين، الموظف بالمعاش، مضيفاً أنه يستغرق يومين أو ثلاثة أيام شهرياً من أجل صرف معاشه الشهري من مكتب البريد.

ويقول يوسف عبد العال (66 عاماً)، إن مشاكل زحام البريد موجودة، ولكن زادت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، بسبب قلة مكاتب البريد، وزيادة عدد المواطنين الذين يقبلون على مكاتب البريد، سواء لصرف المعاش أو صرف حوالة أو ما شابه ذلك، مشيراً إلى أن المئات من مكاتب البريد غير متطورة وغير جاهزة، وهو ما يكلف الأهالي "اللف والدوران" على مكاتب أخرى.

من جهتها، تعتبر نجاح محمد (65 عاماً)، وهي صاحبة معاش، أن أزمة القبض متكررة كل شهر، "فيوم صرف المعاشات الدنيا بتكون زحمة ودايماً بيقولوا السيستم واقع وبنستنى ساعة أو أكتر". وتضيف: "ساعات بروح وآجي تاني يوم لما بكون مش محتاجة القبض ضروري لأنهم بيقعدوا كتير لحد ما يصلحوا العطل"، واصفةً ما يحدث في مكاتب البريد بـ"المهزلة" وعدم احترام إنسانية الشخص، دون مراعاة لأوجاع وآلام كبار السن من الرجال والسيدات.