تجدد الحديث في مصر عن قضية تحديد النسل في مواجهة ارتفاع معدلات النمو السكاني، في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد خلال السنوات الأخيرة، ويتأهّب مجلس النواب لمناقشة اقتراحات قوانين في مستهل دورة انعقاده الرابعة في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تتناول حرمان الطفل الثالث من الدعم العيني للدولة وكذلك تجريم زواج الفتيات المبكر.
وصرّح رئيس اللجنة التشريعية في البرلمان بهاء الدين أبو شقة، يوم الجمعة الماضي، بأنّ ثمّة اتجاهاً إلى تشكيل لجنة نيابية مشتركة من لجان الشؤون التشريعية والصحية والاقتصادية والتضامن الاجتماعي والقوى العاملة والإدارة المحلية بهدف إعداد "مشروع وطني" في مواجهة أزمة الارتفاع المطرد في عدد السكان، بعد الاستماع إلى آراء المتخصصين من الأزهر والكنسية حول القضية. يُذكر أنّ نحو 2.5 مليون مولود يُسجَّلون سنوياً في البلاد. ولفت أبو شقة إلى أنّ البرلمان سوف يعكف على إعداد دراسة شاملة للخروج بآليات تشريعية في مواجهة الأزمة السكانية، بما يتوافق مع الاتجاهات العالمية ولا يخالف الشرائع السماوية، مشدداً على مناقشة مجلس النواب هذه القضية بشكل موسع فور العودة من الإجازة البرلمانية، نظراً إلى ما تمثله من أهمية بالغة لدى مؤسسات الدولة المصرية.
من جهته، يقول وكيل لجنة الصحة في البرلمان أيمن أبو العلا إنّ "اللجنة سوف تتبنى مشروع قانون ينصّ على منح الحوافز الإيجابية للأسر الملتزمة بتحديد النسل، من بينها الإعفاء الضريبي"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الزيادة السكانية باتت تمثّل عبئاً كبيراً على الاقتصاد المصري، الأمر الذي يجعل الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين في ضوء محدودية الموارد".
وترى الحكومة المصرية أنّه في حال عدم مواجهة الزيادة السكانية، فإنّ "عدد السكان سوف يصل بحلول عام 2052 إلى 180 مليون نسمة"، وهو ما تُعدّه "رقماً مخيفاً"، بالمقارنة مع حجم الوحدات السكنية والانتشار العمراني في خريطة مصر، بالإضافة إلى ما تسببه الزيادة السكانية من أزمات اقتصادية للقائمين على إدارة الدولة. وقد طلب رئيس الحكومة مصطفى مدبولي من وزيرة الصحة هالة زايد وضع استراتيجية للحدّ من الزيادة السكانية التي تلتهم موارد التنمية، بعدما تخطى عدد السكان 100 مليون نسمة، وهو ما دفع الأخيرة إلى لقاء رئيس لجنة الصحة في البرلمان محمد العماري وآخرين من أعضاء البرلمان المعنيين بالقضية، بهدف طرحها للنقاش العام تحت قبة مجلس النواب خلال الأسابيع المقبلة.
وبات المسؤولون في الحكومة المصرية يرددون حالياً عبارات متناغمة مع هذا التوجّه، من ضمنها أنّ الزيادة السكانية "أشدّ خطراً من الإرهاب" وأنّها "غول يلتهم إيرادات الموازنة العامة للدولة"، إلى جانب إصدار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقارير تتحدث عن تداعيات الزيادة السكانية على أهداف التنمية، التي أشارت إلى تسجيل ولادة جديدة كلّ 5.23 ثوانٍ بدلاً من كلّ 6.24 ثوانٍ في العام السابق.
والطرح الحكومي جاء من قبل وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي لمواجهة الزيادة السكانية بمبادرة "اتنين كفاية"، بالتوازي مع اقتراحات عدّة تستعد لجان البرلمان لمناقشتها، منها مشروع القانون المقدّم من النائبة غادة عجمي بهدف منع الدعم عن الطفل الرابع، سواء الدعم التمويني أو غيره من الدعم الحكومي في مجالات التعليم والصحة والإسكان، بالإضافة إلى فرص العمل.
في المقابل، يرى الناشط الحقوقي فتحي عبد العزيز أنّ تحديد النسل بقانون مخالف للشريعة الإسلامية قد يؤدي إلى زيادة نسبة الزواج غير الشرعي مثل "الزواج العرفي" و"المسيار"، وهو ما يُنذر بكارثة جديدة تتمثل في زيادة عدد الأطفال مجهولي الهوية. يضيف أنّ ملف تحديد النسل بتشريع أمر يصعب تطبيقه على أرض الواقع، وهو كان قد طُرح في فترات سابقة إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.
تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد دأب في خطاباته الأخيرة على تحميل الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي خلال فترة حكمه، كاشفاً سعي حكومته إلى إصدار تشريعات تضبط تلك الزيادة، بحسب تعبيره، بعد أنّ قال حرفياً: "بدأنا نرفع نبرة الحديث عن هذه القضية، بعدما كنا نتحدث عنها على استحياء، بسبب خطة تثبيت الدولة". أمّا رئيس مجلس النواب علي عبد العال، فقد صرّح في الثالث من يونيو/ حزيران الماضي بأنّ "الزيادة السكانية تبتلع موارد التنمية، ولا بدّ من البحث عن حلول غير تقليدية في مواجهتها". وإذ أشار إلى أنّ "البلاد لا يمكن أن تصدر تشريعات بتحديد عدد المواليد مثلما فعلت بعض الدول"، يؤكد أنّ "هناك أيضاً تشريعات مرنة أخرى تتمثل في ربط الدعم الذي تقدمه الدولة بعدد أفراد الأسرة".