البرلمان المصري والاستجوابات بزمن هيمنة السلطة التنفيذية: غياب وتهميش

08 أكتوبر 2016
تساؤلات حول دور البرلمان اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد مرور 150 عاماً على تأسيس البرلمان المصري، تبقى عملية الاستجوابات البرلمانية، وهي حجر الزاوية في المهمة الرقابية للسلطة التشريعية على تلك التنفيذية، تتراوح بين محطات مضيئة في عهود خلت، وظلام دامس في معظم الحقبات، إذ يبقى الضعف وهيمنة رأس الدولة السمة الغالبة في علاقة السلطات.

وتعود أقدم الاستجوابات النيابية التي شهدها البرلمان المصري إلى 29 إبريل/نيسان 1924، وقدّمه موسى فؤاد ضد وزير المالية حول إنفاق الحكومة المصرية في السودان، وتضمّن علامات استفهام حول "مقدار المبالغ التي دفعتها الخزانة المصرية لسد عجز ميزانية نظيرتها السودانية، وكيفية تنازل الحكومة المصرية للسودان عن السكك الحديدية التي أنشأها الجيش المصري حال استرداد السودان لها". وردّت الحكومة قائلة إن المبالغ التي دفعتها الخزانة لسد عجز ميزانية حكومة السودان بلغت 5 ملايين و353 ألفاً و215 جنيهاً مصرياً إلى أن توقفت الإعانة، مؤكدة عدم تنازل مصر عن خطوط السكك الحديدية.
وفي 10 مايو/أيار التالي، تقدّم السيد فودة باستجواب ضد رئيس الوزراء سعد زغلول، حول خطة حكومته للتفاوض مع بريطانيا من أجل الجلاء عن الأراضي المصرية والسودانية، وتوضيح ما إذا كان هناك مقابل ستقدّمه الحكومة المصرية مقابل الجلاء، الأمر الذي اعتبره زغلول اتهاماً، وليس استجواباً. واتخذت ردود زغلول نبرة السخرية، قائلاً إنه غير ملتزم بما يقوله رئيس الوزراء في المجلس البريطاني، ومرتبط فقط بالدعوة التي وردت إليه للمفاوضات، والتي لم تنص على أية شروط.
وفي يوليو/تموز من العام 1937، تقدّم عبد الرازق وهبة باستجواب عن "اللغط الدائر في الصحف حول إقامة الحفلة الدينية لتتويج الملك فاروق، وما تردد حول رفض الوزارة بالإجماع"، متسائلاً عن أسباب الرفض، خصوصاً أن الدستور نصّ على أن الإسلام هو دين الدولة. وتطرق الاستجواب إلى "عدم تمثيل السودان في حفل التنصيب، رغم أنها من رعايا الملك".

ضعف برلماني
أربعة استجوابات نيابية فقط شهدها عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في الفترة من 23 يوليو/تموز 1957 إلى 10 فبراير/شباط 1958، ما يعكس ضعف تأثير البرلمان في هذا العصر، الذي لم يُسمح فيه بأي معارضة. الاستجوابات وُجّهت إلى وزير السياحة حول الإهمال في أحد مصانع الألبان، وإلى وزير التموين عن سياسة الوزارة بشأن تصنيع علف الماشية، وإلى وزير الإصلاح الزراعي عن الوسائل التي اتُخذت لحماية أموال مديرية التحرير، وإلى وزير الصحة عن تردي أوضاع مستشفى الأمراض الصدرية في محافظة الجيزة، التي تقبع بين برك ومستنقعات المجاري. وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات، تقدّم النائب مصطفى كامل مراد باستجواب ضد وزير التموين في 23 ديسمبر/كانون الأول 1972، بسبب سوء توزيع السلع التموينية واختفاء بعضها وعدم تمكّن الجماهير من الحصول عليها، وإقدام بعض "الانتهازيين" على الاتجار بها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة.


إنذار مبكر بسقوط النظام
في يونيو/حزيران 1986، تقدّم النائب عن دائرة شبرا أحمد طه، باستجواب ضد رئيس الوزراء علي لطفي، حول أحداث الأمن المركزي وخروجهم إلى الشارع اعتراضاً على أوضاعهم المعيشية المتردية، وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، محذراً بأنها بمثابة إعلان لسقوط سياسات الحزب الوطني الحاكم. واتهم الاستجواب، نظام حسني مبارك، بتحميل الاقتصاد أعباء ثقيلة من الديون، والتدهور الحاد في الأوضاع المعيشية، وارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، بعد خضوع الحكومة لتوجيهات صندوق النقد الدولي، وهو المشهد الذي يتكرر في عهد عبد الفتاح السيسي الحالي. وبرز نجم النائب الوفدي علوي حافظ في حقبة الثمانينيات، من خلال تقديمه عدداً من أشهر الاستجوابات في تاريخ البرلمان المصري، من أهمها الخاص بصفقات الأسلحة الأميركية إلى مصر، وتقدّم به في ديسمبر/كانون الأول 1988، ولم يُناقش إلا بعد عام ونصف العام، وتطرق إلى "ارتباط بعض رجال الدولة بصفقات تجارة السلاح، والعمولات التي تدفع في الخارج بحسابات سرية".

تفاصيل الاستجواب أُخفيت عمداً من مضابط البرلمان حين كان رفعت المحجوب رئيساً له، لكونه يحمل تفاصيل بشأن تورط رجل الأعمال حسين سالم (تصالح معه نظام السيسي أخيراً)، في قضية تنظر فيها محكمة فيرجينيا الأميركية، واتُهم فيها مع كمال حسن (رئيس وزراء مصري سابق)، واثنين من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، بتقديم فواتير شحن مزورة إلى وزارة الدفاع الأميركية.

وقدّم الاستجواب مستندات تُفيد بتأسيس سالم شركة وهمية تحت اسم "أتسكو"، بمشاركة بعض كبار المسؤولين في عهد مبارك، تربحوا من خلالها 73 مليون دولار من أموال المعونة العسكرية الأميركية، عبر وساطات شملت 34 شحنة سلاح، واعترف الأول أمام المحكمة الأميركية لإعفائه من العقوبة، مقابل رد جزء من المبالغ. حاول المحجوب جاهداً تعطيل الاستجواب وتأجيل مناقشته، وخضعت مضبطة الجلسة لتعتيم إعلامي مخطط وصل حد اختيار موعد انعقادها في ذات توقيت بث التلفزيون لمباراة كرة القدم بين مصر ونيجيريا. كما خلت تغطيات الصحف في اليوم التالي لأي إشارة لحديث علوي حافظ المستفيض عن الفساد في صفقات نقل السلاح، وطلب زعيم الأغلبية كمال الشاذلي بحذف الأسماء من المضبطة.

اغتيل المحجوب في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1990، بعد عملية نفذها مسلحون من أعلى كوبري قصر النيل أثناء مرور موكبه أمام فندق سميراميس في وسط القاهرة، وهرب الجناة على دراجات بخارية في الاتجاه المعاكس. وعزت ابنة المحجوب اغتيال والدها إلى امتلاكه وثائق تدين "بزنس رجال مبارك"، خصوصاً مع إصرار مبارك على عودة المحجوب من سورية قبل اغتياله بيوم واحد، وتغيير طاقم حراسته صباح يوم اغتياله. ونتيجة للإهمال والفساد، سقط 476 قتيلاً إثر غرق العبارة "سالم إكسبريس" منتصف ديسمبر/كانون الأول 1991، ما دفع أعضاء البرلمان لتقديم استجوابات عدة ضد وزير النقل سليمان متولي، أخذت وقتاً طويلاً في المناقشات، بسبب مشادات الأغلبية الموالية للنظام وممثلي أحزاب المعارضة، لينتهي الأمر بإغلاق باب المناقشة بناء على طلب 4 أعضاء.