وأقرّ البرلمان شروع لجنة الشؤون الاجتماعية، صباح اليوم الأربعاء، في مناقشة هذا المشروع الذي فتح أبواب جدل مجتمعي منقطع النظير لتكون بداية مداولته بحضور ممثلين عن رئاسة الجمهورية تتقدمهم الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي سلمى اللومي وفريق من كبار مستشاري الرئاسة في الشؤون القانونية والسياسية.
ولم يفوّت السبسي المناسبة ليذكّر التونسيين وحتى المجتمع الدولي بمبادرته الرئاسية القائمة على قانون المساواة في الميراث بين الجنسين، بل تحوّلت إلى محور لقاءاته ومداخلاته في أشغال الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وأكد السبسي أمام حقوقيي العالم وأمين عام منظمة الأمم المتحدة ومسؤولين من مختلف الدول، على أهمية المبادرة التشريعية المتعلقة بالمساواة في الميراث بين الجنسين قائلا: "نريد لهذه المبادرة أن تكون الثورة المجتمعية الثانية لتونس الجديدة تحقيقا للكرامة والمساواة والعدل".
وشدد على أنّ طرحها سيشكل نقطة تحوّل جديدة في تاريخ تونس الحديث، كما أنها تعد مواصلة للمنجز الإصلاحي الذي ميّز البلاد عبر تاريخها المعاصر وجعل منها استثناء.
ولفت الرئيس التونسي إلى أنّ "الديمقراطية والتنمية تقتضيان المساواة بين الجنسين والقضاء على التمييز بينهما"، مشيرا إلى احترامه للقانون والدستور اللذين يخولانه اقتراح المبادرات، قائلا "الدستور التونسي تقدمي وبامتياز، إذ ضمن كل الحقوق والحريات وكذلك المساواة بين جميع المواطنين، وفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها"، مذكرا بأنه تمت إحالة المشروع في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إلى البرلمان، وفقا لمقتضيات دستور الجمهورية الثانية وروحه.
وأجاب السبسي على معارضي القانون من الأئمة ورجال الدين والأحزاب، على غرار حزب النهضة الحاكم وصاحب الغالبية في البرلمان بـ68 مقعدا، لما اعتبروه مخالفة للشريعة والنص القرآني الصريح، بأنه "طرح المبادرة بكل مسؤولية" واقتناعا منه "بأنها تتماشى مع نص الدستور وروحه، وتتلاءم مع فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان".
وقال: "استثناء النّساء من المساواة في الميراث بتعلّة الخصوصية الدينية، يتعارض مع روح الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة، وغير متلائم مع فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان"، وأضاف السبسي بخصوص موقف حزب النهضة المتحفظة عن هذه المبادرة: "اتخذت هذه الخطوة في مصلحة البلاد، والنهضة لها تصور آخر لمصلحة البلاد".
وقال نائب رئيس مجلس شورى النهضة، مختار اللموشي، إنّ موقف النهضة من قانون المساواة في الميراث عبرت عنه مؤسسات النهضة، إذ أقر مجلس الشورى التمسك بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة، وعبّرت عنه مجلة الأحوال الشخصية.
وشدد اللموشي في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أنه إلى جانب تعارض هذه المبادرة مع قطعيات الدين ونص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية، فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع وبما يثير فتنة مجتمعية.
ولا يكفي طرح المشروع ومناقشته في اللجان التشريعية لإقراره، بل يحتاج إلى أغلبية مطلقة من المساندين لتمريره في جلسة عامة بموافقة 109 أصوات على الأقل، في معادلة يصعب تحقيقها دون حزب النهضة وإمكانياتها وتحالفاتها.
وعبر المنسق العام لحزب تحيا تونس المساند لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، عن دعم الحزب وكتلة الائتلاف الوطني الحاكمة لمشروع المبادرة الرئاسية، مشددا في تصريحات إعلامية، على أن الدفاع عن حقوق المرأة ومكاسبها التزام في الحزب الجديد، مشيرا إلى أن تمريره سيكون امتحانا أمام جميع الأطراف.
ويرى مراقبون أنّ طرح السبسي لهذه المبادرة يدخل في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها مع انطلاق السنة الانتخابية بعد احتمال إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية سنة 2019، مؤكدين أنّ مغازلة السبسي للمرأة وطيف واسع من المدافعين عن حقوقها مكشوفة، فيما ذهب آخرون إلى رغبة السبسي في إنهاء ولايته بالخروج من نافذة الزعماء وكبار المصلحين وحتى يخلد التاريخ اسمه، على غرار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والمصلح الطاهر الحداد.
ويقف عامل الوقت مع اقتراب نهاية عهدة البرلمان في يوليو/ تموز المقبل، ضد تمرير المشروع الذي سيتم فتح استشارة حوله بتنظيم استماعات لمختلف الأطراف والجهات، إلى جانب معارضة الكتلة الكبرى في البرلمان والأكثر انضباطا والتي تعد عنصرا رئيسيا في تمرير القوانين من عدمها.
ويتوقع أن تحظى المبادرة بأغلبية مريحة نتيجة دعمها من كتل نداء تونس والائتلاف الوطني ومشروع تونس والجبهة الشعبية والكتلة الديمقراطية لكونها كتلا تقدمية وتساند المقترح رغم اختلافها مع الرئيس التونسي ومعارضتها لسياسته.