01 نوفمبر 2024
البرلمان التونسي متهماً بنهب المال العام
يدور، في تونس، جدل كبير وحوار وخلاف واختلاف، وتنابز بالألقاب السياسية، واحتجاج بالتاريخ، واستنجاد بالنضالات والرمزيات، فحواه الرفع في المنحة التي يحصل عليها البرلماني التونسي، ومقدارها 2250 دينار تونسي ( 1125 دولارا). فهذه المنحة، كما هو بارز من مقدارها، تمثّل إهانة للنائب، وللعمل البرلماني الفعّال، وتضع النواب التونسيين في أدنى سلم نواب العالم، وفي مراتب أقل قيمة مادية من كوادر الدولة العليا، وأعضاء الهيئات الدستورية الذين يتمتعون بامتيازات عينية كثيرة، زيادة على رواتبهم، وبسلطات ملحوظة في مجالات تدخلهم وعملهم ونفوذهم.
أخذ النقاش منحى تصاعدياً، ليصل إلى أعلى درجات التشنج، واتهام ممثلي الشعب بنهب المال العام وسرقته، لتحقيق المزايا والمكاسب لأنفسهم، بدلا من تحقيق ذلك لناخبيهم، المنحدرين، في أغلبهم، من الطبقات المتوسطة والفقيرة، الموصوفة بأنها باتت معدومة القدرة الشرائية، وفاقدة الإمكانات التي تلبي حاجياتها المادية، وتؤمن عيشها الكريم.
صارت كل الوسائل مباحة في المعركة التي دارت في الفضاء الافتراضي، وعلى صفحاته الاجتماعية، وعلى أعمدة الجرائد، وفي المنتديات السياسية، وفي أروقة التنظيمات النقابية ومنخرطيها من مختلف الشرائح المهنية التي أقامت المناظرات والمقارنات المطلبية مع النواب، ومقدار الزيادة المالية المقدّرة بـ 900 دينار التي أقرتها إدارة مجلسهم، في حين أن الحكومة لم تقبل زيادة تتجاوز الخمسين ديناراً لمختلف موظفي الدولة.
أثر هذا الأمر تأثيرا بالغاً على صورة النائب التونسي لدى رجل الشارع، وحوّله من مدافع عن حقوق المواطنين إلى إنسان نهم، يتصيّد الفرص للثراء على حساب الآخرين، على الرغم من أن مطلب الرفع في مقدار المنحة جاء من نواب حزب الأغلبية الحاكمة الذي حظي بأغلب الأصوات، ولم يدع إليه كثيرون من نواب بقية الأحزاب والمستقلين، كما هو متداول في الحس المشترك للجمهور المتابع للشأن العام.
ولعل انخراط نواب أحزاب كبرى في الدفاع عن خيار الترفيع في منحة النائب التونسي، واستبسالهم في ذلك، لا سيما الأحزاب الحاكمة، مردّه الأهمية المالية التي سينتفع بها أفراد الكتل الحزبية الكبيرة، وكذلك جعل حجم أجر النائب في مستوى أجرة كاتب الدولة، وهذا قد يعفي الأحزاب الحاكمة من صراعاتٍ كثيرة على المناصب الوزارية، ويعوّض عن أضرار لحقت بالطامحين إلى مناصب وزارية، وهم كثيرون، ولم يحصلوا على مبتغاهم الذي حلموا به.
لكن هذا الاتجاه الذي لا يخلو من فكرة الغنيمة التي يُتهم بها النواب سيحد من مصداقية النائب في الدفاع عن القضايا العامة، ويفقده سلطة وفعالية مزعومة، منحهما له دستور تونس لسنة 2014 بإقرار نظام شبه برلماني، يكون فيه مجلس نواب الشعب أصل السلطة ومصدرها.
لا يتعلق الإشكال الحقيقي برفع منحة النواب، كما هو باد، فتلك قضية ثانوية، على الرغم من اللغط الذي كثر حولها من دون جدوى. يعود الإشكال إلى يوم استلام المجلس مهامه، بتركيبته المنبثقة عن انتخابات 26 أكتوبر/تشرين أول 2014، وفي أثناء جلسة مناقشة النظام الداخلي الذي غضّ الطرف عن "تضارب المصالح" في وظيفة النائب، وتعامل ذلك النظام، وكذلك القانون المنظم للانتخابات، بسياسة الكيل بمكيالين مع النواب الذين يتمتعون نظرياً بالوضع والقانون الأساسي نفسه. فموظفو الدولة يُحالون على عدم المباشرة، ويوضعون على ذمة المجلس، بمجرد الإعلان عن فوزهم في الانتخابات، ويمنعون من مزاولة أي مهنة أخرى، بالتوازي مع وظيفتهم النيابية. أما النواب من أصحاب المهن الحرة من رجال أعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الكبرى والمحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة..إلخ، فيسمح القانون الانتخابي والنظام الداخلي لهم بفتح مكاتبهم ومقرّات شركاتهم ومزاولة مهنهم، والحفاظ على امتيازاتهم، بالتوازي مع وظيفتهم النيابية.
هذا موطن الداء في العمل البرلماني التونسي، لأن تضارب المصالح لا يقتصر على الموقف من القضايا الموضوعة على طاولة النقاش النيابي، لاسيما القوانين موضوع الجدل والخلاف بين النواب وكتلهم وأحزابهم، وإنما يتعلق بالكسب المالي من أكثر مصدر، وأثر ذلك في اختيارات النائب السياسية، وتوجهاته القانونية، والتزاماته المهنية، ومدى وفائه لصفته البرلمانية، عندما تتناقض هذه مع التزاماته المهنية الأصلية، كما برز ذلك بوضوح في أثناء مناقشة القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء، حيث استحضر المحامون هويتهم المهنية، وكذلك القاضي الوحيد الممثل في المجلس، عندما انبروا مدافعين عن قطاعاتهم، بدلا من تمثّل دورهم، نواباً وأعضاء لجان نيابية. ويبلغ تضارب المصالح أوجه، عندما ينتصب رئيس لجنة النيابية في المجلس مدافعا شرسا في قاعات المحاكم عن قتلة شهداء الثورة التونسية، بوصفه محاميا على المتهمين.
وفي لعبة المصالح هذه، تصبح المنحة التي يتقاضاها النائب لا معنى لها، إلا لدى النواب المنحدرين من الوظيفة العمومية، ومن لا شغل لهم، فهي مصدر دخلهم وتأمين عيشهم، أما النواب من أصحاب المال والأعمال ومختلف المهن الحرّة، فلا تعنيهم، ولا يعنيهم مقدارها، لعدم اعتمادها دخلاً وحيداً في تأمين عيشهم، ويعبر هذا التساوي في المنحة عن ثغرة كبيرة وخطأ جسيم في النصوص المنظمة لوضع النواب.
من هذه الزاوية، كان على الأصوات المنددة برفع منحة النواب أن تندد، وتتصدى لهذا الوضع المختل وغير العادل الذي يضرب مبدأ المساواة بين النواب. وبناء على ذلك كله، فإن النواب الذين وجدوا الحل في التلويح الشعبوي بالتنازل عن الزيادة في مبلغ المنحة لفائدة شهداء الأمن، وهم من أصحاب الشركات والأعمال، ومن أهل المكاتب والاستشارة ومن المحامين، فأولى بهم عدم مزاولة أي مهنة أخرى مع نشاطهم النيابي، ومطالبة إدارة المجلس بتصحيح النظام الداخلي والقانون الانتخابي، وتوحيد وضع النواب، مهما كانت منحدراتهم المهنية.
أما جمهور المحتجين من عامة الناخبين فأولى بهم أن ينتقدوا اختياراتهم الانتخابية التي أدت إلى فوز قوى سياسية، ذات طبيعة غنائمية، جُبلت على اللهث وراء المناصب والامتيازات، والاستفادة من الأموال العامة، مارست عليهم التحايل السياسي، بسبب إعلان نفسها متناقضة ومتصارعة، وذات برامج ومشاريع مختلفة، لتتحالف، بعد الانتخابات مباشرة، على عكس ما كانت تدّعي وتعلن، وتبشّر به بسطاء القوم الذين صدّقوا كلامها وخطاباتها الانتخابية المجمّلة والمنمقّة.
ويعتبر قرار الزيادة في المنحة شأناً ثانوياً، مقارنة بالقوانين والسياسات اللاشعبية التي تمّ تمريرها، مثل قانون الميزانية بجزأيه الذي يحمي الأغنياء، ويفقرّ الفقراء، ويتناقض مع شعارات العدالة والكرامة والحق في الشغل التي رفعها التونسيون، وسقط من بينهم الشهداء لأجل تحقيقها، وقانون الإرهاب الذي سيحاكم الناس على النيات، ويسلب الحقوق والحريات والمكتسبات الديمقراطية التي ناضلت النخب من أجلها قرناً، وقوانين القروض التي لا تتوقف، حتى بلغ حجم المديونية التونسية 58% من الناتج الإجمالي الوطني الخام. وأحسن مثال على هذه القوانين، الموغلة في ارتهان دافعي الضرائب والاستخفاف بهم، قانون رسملة البنوك، حيث يسدد الفقراء الذين يدفعون ضرائب وإتاوات الدولة بانتظام ديون كبار رجال الأعمال والمال والشركات الكبرى الذين رفضوا التسديد، بعد أن تحايلوا على المؤسسات المالية العمومية، ولم يمكّنوها من ضمانات حقيقية مقابل المبالغ المالية الضخمة التي حصلوا عليها في صيغة قروض، في زمن الرئيس السابق بن علي، وتحت حمايته، حتى بلغت هذه الديون 12500 مليون دينار تونسي، وفق محافظ البنك المركزي التونسي نفسه، ما يقارب نصف موازنة الدولة التونسية الحالية، توصف بأنها "ديون متفحمة".
تضاف إلى هذه الأموال المنهوبة التي تعجز الدولة على استخلاصها، وعلى معاقبة ناهبيها الأموال المهرّبة إلى الخارج، المودعة في بنوك سويسرية وأوروبية وخليجية، المقدّرة بـ40 ألف مليون دينار، إن تمّ استرجاعها ستكون قادرة على إنهاء الجدل العقيم حول منحة النواب، وتغيير وضعهم المادي، بل وتحسين دخل كل الشرائح المهنية والاجتماعية.
الخلاصة أن النائب التونسي سيكون جديراً بما يحصل عليه من منحة مالية، مهما كان مبلغها، بشرط قدرته على الدفاع عن القضايا الحقيقية لشعبه، وحمايته من القوانين الظالمة التي تشرّع لنهب منظم للثروة والمال العام، ومن السياسات العرجاء المملاة من الخارج، المؤدية إلى فقدان السيادة الوطنية، أما دون ذلك، فهو غير جدير بالصفة البرلمانية أصلاً.
أخذ النقاش منحى تصاعدياً، ليصل إلى أعلى درجات التشنج، واتهام ممثلي الشعب بنهب المال العام وسرقته، لتحقيق المزايا والمكاسب لأنفسهم، بدلا من تحقيق ذلك لناخبيهم، المنحدرين، في أغلبهم، من الطبقات المتوسطة والفقيرة، الموصوفة بأنها باتت معدومة القدرة الشرائية، وفاقدة الإمكانات التي تلبي حاجياتها المادية، وتؤمن عيشها الكريم.
صارت كل الوسائل مباحة في المعركة التي دارت في الفضاء الافتراضي، وعلى صفحاته الاجتماعية، وعلى أعمدة الجرائد، وفي المنتديات السياسية، وفي أروقة التنظيمات النقابية ومنخرطيها من مختلف الشرائح المهنية التي أقامت المناظرات والمقارنات المطلبية مع النواب، ومقدار الزيادة المالية المقدّرة بـ 900 دينار التي أقرتها إدارة مجلسهم، في حين أن الحكومة لم تقبل زيادة تتجاوز الخمسين ديناراً لمختلف موظفي الدولة.
أثر هذا الأمر تأثيرا بالغاً على صورة النائب التونسي لدى رجل الشارع، وحوّله من مدافع عن حقوق المواطنين إلى إنسان نهم، يتصيّد الفرص للثراء على حساب الآخرين، على الرغم من أن مطلب الرفع في مقدار المنحة جاء من نواب حزب الأغلبية الحاكمة الذي حظي بأغلب الأصوات، ولم يدع إليه كثيرون من نواب بقية الأحزاب والمستقلين، كما هو متداول في الحس المشترك للجمهور المتابع للشأن العام.
ولعل انخراط نواب أحزاب كبرى في الدفاع عن خيار الترفيع في منحة النائب التونسي، واستبسالهم في ذلك، لا سيما الأحزاب الحاكمة، مردّه الأهمية المالية التي سينتفع بها أفراد الكتل الحزبية الكبيرة، وكذلك جعل حجم أجر النائب في مستوى أجرة كاتب الدولة، وهذا قد يعفي الأحزاب الحاكمة من صراعاتٍ كثيرة على المناصب الوزارية، ويعوّض عن أضرار لحقت بالطامحين إلى مناصب وزارية، وهم كثيرون، ولم يحصلوا على مبتغاهم الذي حلموا به.
لكن هذا الاتجاه الذي لا يخلو من فكرة الغنيمة التي يُتهم بها النواب سيحد من مصداقية النائب في الدفاع عن القضايا العامة، ويفقده سلطة وفعالية مزعومة، منحهما له دستور تونس لسنة 2014 بإقرار نظام شبه برلماني، يكون فيه مجلس نواب الشعب أصل السلطة ومصدرها.
لا يتعلق الإشكال الحقيقي برفع منحة النواب، كما هو باد، فتلك قضية ثانوية، على الرغم من اللغط الذي كثر حولها من دون جدوى. يعود الإشكال إلى يوم استلام المجلس مهامه، بتركيبته المنبثقة عن انتخابات 26 أكتوبر/تشرين أول 2014، وفي أثناء جلسة مناقشة النظام الداخلي الذي غضّ الطرف عن "تضارب المصالح" في وظيفة النائب، وتعامل ذلك النظام، وكذلك القانون المنظم للانتخابات، بسياسة الكيل بمكيالين مع النواب الذين يتمتعون نظرياً بالوضع والقانون الأساسي نفسه. فموظفو الدولة يُحالون على عدم المباشرة، ويوضعون على ذمة المجلس، بمجرد الإعلان عن فوزهم في الانتخابات، ويمنعون من مزاولة أي مهنة أخرى، بالتوازي مع وظيفتهم النيابية. أما النواب من أصحاب المهن الحرة من رجال أعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الكبرى والمحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة..إلخ، فيسمح القانون الانتخابي والنظام الداخلي لهم بفتح مكاتبهم ومقرّات شركاتهم ومزاولة مهنهم، والحفاظ على امتيازاتهم، بالتوازي مع وظيفتهم النيابية.
هذا موطن الداء في العمل البرلماني التونسي، لأن تضارب المصالح لا يقتصر على الموقف من القضايا الموضوعة على طاولة النقاش النيابي، لاسيما القوانين موضوع الجدل والخلاف بين النواب وكتلهم وأحزابهم، وإنما يتعلق بالكسب المالي من أكثر مصدر، وأثر ذلك في اختيارات النائب السياسية، وتوجهاته القانونية، والتزاماته المهنية، ومدى وفائه لصفته البرلمانية، عندما تتناقض هذه مع التزاماته المهنية الأصلية، كما برز ذلك بوضوح في أثناء مناقشة القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء، حيث استحضر المحامون هويتهم المهنية، وكذلك القاضي الوحيد الممثل في المجلس، عندما انبروا مدافعين عن قطاعاتهم، بدلا من تمثّل دورهم، نواباً وأعضاء لجان نيابية. ويبلغ تضارب المصالح أوجه، عندما ينتصب رئيس لجنة النيابية في المجلس مدافعا شرسا في قاعات المحاكم عن قتلة شهداء الثورة التونسية، بوصفه محاميا على المتهمين.
وفي لعبة المصالح هذه، تصبح المنحة التي يتقاضاها النائب لا معنى لها، إلا لدى النواب المنحدرين من الوظيفة العمومية، ومن لا شغل لهم، فهي مصدر دخلهم وتأمين عيشهم، أما النواب من أصحاب المال والأعمال ومختلف المهن الحرّة، فلا تعنيهم، ولا يعنيهم مقدارها، لعدم اعتمادها دخلاً وحيداً في تأمين عيشهم، ويعبر هذا التساوي في المنحة عن ثغرة كبيرة وخطأ جسيم في النصوص المنظمة لوضع النواب.
من هذه الزاوية، كان على الأصوات المنددة برفع منحة النواب أن تندد، وتتصدى لهذا الوضع المختل وغير العادل الذي يضرب مبدأ المساواة بين النواب. وبناء على ذلك كله، فإن النواب الذين وجدوا الحل في التلويح الشعبوي بالتنازل عن الزيادة في مبلغ المنحة لفائدة شهداء الأمن، وهم من أصحاب الشركات والأعمال، ومن أهل المكاتب والاستشارة ومن المحامين، فأولى بهم عدم مزاولة أي مهنة أخرى مع نشاطهم النيابي، ومطالبة إدارة المجلس بتصحيح النظام الداخلي والقانون الانتخابي، وتوحيد وضع النواب، مهما كانت منحدراتهم المهنية.
أما جمهور المحتجين من عامة الناخبين فأولى بهم أن ينتقدوا اختياراتهم الانتخابية التي أدت إلى فوز قوى سياسية، ذات طبيعة غنائمية، جُبلت على اللهث وراء المناصب والامتيازات، والاستفادة من الأموال العامة، مارست عليهم التحايل السياسي، بسبب إعلان نفسها متناقضة ومتصارعة، وذات برامج ومشاريع مختلفة، لتتحالف، بعد الانتخابات مباشرة، على عكس ما كانت تدّعي وتعلن، وتبشّر به بسطاء القوم الذين صدّقوا كلامها وخطاباتها الانتخابية المجمّلة والمنمقّة.
ويعتبر قرار الزيادة في المنحة شأناً ثانوياً، مقارنة بالقوانين والسياسات اللاشعبية التي تمّ تمريرها، مثل قانون الميزانية بجزأيه الذي يحمي الأغنياء، ويفقرّ الفقراء، ويتناقض مع شعارات العدالة والكرامة والحق في الشغل التي رفعها التونسيون، وسقط من بينهم الشهداء لأجل تحقيقها، وقانون الإرهاب الذي سيحاكم الناس على النيات، ويسلب الحقوق والحريات والمكتسبات الديمقراطية التي ناضلت النخب من أجلها قرناً، وقوانين القروض التي لا تتوقف، حتى بلغ حجم المديونية التونسية 58% من الناتج الإجمالي الوطني الخام. وأحسن مثال على هذه القوانين، الموغلة في ارتهان دافعي الضرائب والاستخفاف بهم، قانون رسملة البنوك، حيث يسدد الفقراء الذين يدفعون ضرائب وإتاوات الدولة بانتظام ديون كبار رجال الأعمال والمال والشركات الكبرى الذين رفضوا التسديد، بعد أن تحايلوا على المؤسسات المالية العمومية، ولم يمكّنوها من ضمانات حقيقية مقابل المبالغ المالية الضخمة التي حصلوا عليها في صيغة قروض، في زمن الرئيس السابق بن علي، وتحت حمايته، حتى بلغت هذه الديون 12500 مليون دينار تونسي، وفق محافظ البنك المركزي التونسي نفسه، ما يقارب نصف موازنة الدولة التونسية الحالية، توصف بأنها "ديون متفحمة".
تضاف إلى هذه الأموال المنهوبة التي تعجز الدولة على استخلاصها، وعلى معاقبة ناهبيها الأموال المهرّبة إلى الخارج، المودعة في بنوك سويسرية وأوروبية وخليجية، المقدّرة بـ40 ألف مليون دينار، إن تمّ استرجاعها ستكون قادرة على إنهاء الجدل العقيم حول منحة النواب، وتغيير وضعهم المادي، بل وتحسين دخل كل الشرائح المهنية والاجتماعية.
الخلاصة أن النائب التونسي سيكون جديراً بما يحصل عليه من منحة مالية، مهما كان مبلغها، بشرط قدرته على الدفاع عن القضايا الحقيقية لشعبه، وحمايته من القوانين الظالمة التي تشرّع لنهب منظم للثروة والمال العام، ومن السياسات العرجاء المملاة من الخارج، المؤدية إلى فقدان السيادة الوطنية، أما دون ذلك، فهو غير جدير بالصفة البرلمانية أصلاً.