البديل من أجل ألمانيا: انسحابات وصراع أجنحة

05 أكتوبر 2017
بيتري تبرر استقالتها من الحزب بسبب تزايد تطرفه الديني(إيمانويل/كونتيني/Getty)
+ الخط -
قد يكون قرار استقالة زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، فراوكه بيتري، وما سبقه من إعلانها رفض الانضمام إلى الكتلة البرلمانية للحزب، وهو ما أيدها به عدد من نوابه الجدد، مفاجئاً بالنسبة إلى الألمان والأحزاب الأخرى. لكن هذا القرار يعكس الخلافات المستحكمة في الفترة الأخيرة في صفوف حزب "البديل". وبدأت تبرز هذه التباينات في قضايا عدة مع بدء العمل على الحملة الانتخابية، خاصةً حول التوجهات العريضة لسياسته.

وتفاقم الصراع على خلفية فرض منطق وهيمنة طرف ضد آخر على الكوادر الحزبية. وهناك من يضغط للعمل بتوجهات معينة، يراها آخرون بأنها لا تتناسب مع الأسس التي بُني الحزب عليها، والتي حقق إنجازات كثيرة من خلالها، أبرزها وصوله إلى برلمانات 12 ولاية، وفوزه في انتخابات 24 سبتمبر/أيلول الماضي، وحصوله على كتلة من 90 نائباً في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ)، وهو ما سمح له بأن يصبح ثالث أكبر قوة في المجلس التشريعي الجديد في ألمانيا. وما يعقّد الوضع، هو أن إدارة الصراع الداخلي تتم في ظل حالة من الكيدية السياسية وتصفية الحسابات بين مسؤوليه.

وانسحاب بيتري التي عللت قرارها بأنها لا ترغب في البقاء في حزب يزداد تطرفه الديني، دفع المسؤولين عن الحزب للكيل بمكيالين مع المحازبين، من خلال محاولتهم محاصرة من يعتبرونهم من أنصار الزعيمة المستقيلة. وهذا ما أكدت عليه الأخيرة في حديث صحافي عندما اشتكت من التصرفات التي يتعرض لها مؤيدوها في صفوف الحزب، والتي وصفتها بالانتقامية. وقالت "من المؤلم أن نرى أنه تتم مطاردة الأعضاء لفظياً". وذكرت أنه كان هناك توصية داخلية، قبل الانتخابات مباشرة، بعدم التصويت لها بحسب ما ذكرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ".

في المقابل، يتهمها خصومها بأنها أخفت نواياها الحقيقية قبل الانتخابات، واستفادت من الدعم الحزبي لها، فيما وجد آخرون في خطوتها المبكرة أمراً جيداً، لأنها كانت ستفعلها لاحقاً وخلال المؤتمر الحزبي العام.

أمام هذا الواقع، قال خبراء في الشؤون السياسية الألمانية إن حزب "البديل" بدأ بالتآكل وإن المتسربين من صفوفه في تزايد مستمر. واعتبروا أن السبب يتمثل في المسار الذي سلكه قادته، وهو ما عبّر عنه صراحة البعض من مسؤوليه السابقين، والذين أعلنوا عن استقالتهم الأسبوع الماضي، وفي مقدمتهم المسؤول السابق عن الحزب في ولاية مكلنبورغ فوربومرن (شمال شرق)، بيرنارد فيلت. وقال الأخير إن مسؤولي "البديل" لم ينأوا بأنفسهم عن المواجهة وآثروا استخدام العنف والكثير من التطرف اليميني في خطاباتهم. وهذا الكلام يعكس أيضاً موقف بيتري التي أكدت على أن الاختلاف في الأساسيات داخل الحزب لا يمكن السكوت عنه، وأن المطلوب ممارسة سياسة واقعية لتحقيق ما جاء في برنامج الحزب حتى عام 2021، موعد الانتخابات العامة المقبلة.


واستقال ممثلون بارزون للحزب في ولاية سكسونيا شرق ألمانيا حيث معقل الحزب، من مناصبهم أخيراً، من بينهم نائب رئيس الحزب في الولاية، سفين سيمون، إضافةً إلى نائب مسؤول الشباب، جوليان فيزيمان، الذي شارك في تأسيس الحزب عام 2013. وعبّر المسؤول الحزبي في الولاية، سيمون، عن انسحابه بالقول إن "توجهات حزب البديل تهمني، إلا أنه باتت هناك تصرفات تجعلني أشكك بأنني لا أزال في الحزب الذي دخلت إليه". وأوضح أن "النغمات الصامتة وغيرها من الخطوات السياسية غير الحكيمة لبعض الأفراد من الحزب تضع برنامجه في آخر اهتماماتها".

كل هذه التطورات والمواقف دفعت المراقبين للاستنتاج بأن هناك توجهاً لاعتماد خطوات تهدف للابتعاد عن الحزب، وهذا التوجه يترافق عادةً مع انتصارات الأحزاب اليمينية، بحيث يقدمون على إضعاف أنفسهم بأنفسهم، وبطبيعة الحال بسبب الصراع على السلطة، وفق رأي المراقبين. وهذا ما سينسحب بالطبع على قاعة الجلسات العامة للبرلمان من خلال الاستفزازات. ولم يعد واضحاً ما إذا كان مؤتمر الحزب سيعقد في ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعد انتهاء ولاية الرئيس المشارك للحزب يورغ مويتن، وذلك بسبب الانسحابات والخلافات التي وقعت في صفوف المسؤولين عنه، مع انسحاب زعيمته بيتري.

وتشير التقارير الإعلامية أخيراً، إلى أن الحزب فقد منذ تأسيسه عام 2013، أكثر من 13 ألف عضو. وهناك تقديرات بأن عدد أعضائه الحاليين يبلغ 30 ألفاً، علماً بأن الإحصاءات ومراكز الأبحاث أظهرت أن مليوناً وخمسين ألف ناخب من مؤيدي حزب المستشارة أنجيلا ميركل، "المسيحي الديمقراطي"، و470 ألفاً من أنصار الحزب "الاشتراكي"، و400 ألف من داعمي حزب "اليسار" و40 ألفاً من مساندي الحزب "الليبرالي الحر"، اقترعوا لحزب "البديل" على مستوى البلاد، في الانتخابات الأخيرة.

ويبدو أن بيتري، ومع إعلان نيتها إنشاء حزبٍ جديد، تستعد لبداية سياسية جديدة لها. وقد ذكرت في مقابلة لها مع موقع صحيفة "دي تسايت"، أن الحزب يجب أن يقوم على هيكلية متينة، وأنه في السياسة يحتاج الحزب إلى قيادة نشطة والعمل ضمن فريق، مضيفةً أنها لن تبقى وحيدة. وأوضحت أن هناك مجموعة برلمانية ستقدم عدة مقترحات لمناقشتها، مؤكدةً أنه سيتم الكلام بطريقة هادفة جداً، ومن دون أن يكونوا ضمن كتلة برلمانية. وقالت إنها من دون حزب "البديل" ستتمكن من الحفاظ على مصداقيتها، ومن المتوقع أن ينضم إلى حزبها الجديد أربعة نواب آخرين تركوا "البديل" أخيراً، إضافةً إلى زوجها النائب المنتخب عن ولاية شمال الراين وستفاليا، ماركوس بيرتسل.

ورأى خبراء في القانون الدستوري أنه لم يتبين حتى الآن، العدد الإجمالي للنواب الذين سيلحقون ببيتري. ويبدو أنه لن يكون بإمكانها تشكيل كتلة برلمانية خاصة لأن المطلوب انضمام 35 نائباً لها لتحقيق ذلك، إلا أن ذلك لن يمنعها من إدارة مجموعة برلمانية في البوندستاغ.

تجدر الإشارة إلى أن بيتري وفي حديث لها مع صحيفة "دي فيلت"، يوم الأحد، عبّرت بطريقة إيجابية تجاه الأقليات وبينهم المسلمين في البلاد، معدّلةً بذلك من موقفها السابق الذي تهاجمهم فيه. وأشارت إلى أنه بإمكان المسلمين أن يجعلوا من ألمانيا وطناً لهم إذا ما ميّزوا بين معتقداتهم الدينية وأهدافهم السياسية، وإذا ما قبلوا بأن التديّن مسألة خاصة، قبل أن تحذر من أن الإسلام السياسي يتعارض ثقافياً مع المجتمع الألماني، وفق قولها.

المساهمون