البحث عن بطل في انتخابات أميركا

29 فبراير 2016
+ الخط -
ربما تكون الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام مليئة بالمفاجآت، أكثر من سابقاتها، إذ قدّم المرشحون في الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، مشهداً من نوع مختلف قليلاً، فلم تكن التوقعات صائبةً بشأن أوزان المرشحين، قبل انطلاق السباق الرئاسي، وتحديداً في صفوف المرشحين الجمهوريين. تحدث مراقبون كثيرون عن أن رجل الأعمال، دونالد ترامب، مرشحٌ هامشي، وأن مرشحين، مثل جيب بوش وسكوت ووكر، قادرون على تحقيق نتائج ممتازة، لكن ما رأيناه هو صعود قوي ومفاجئ لترامب ولتيد كروز أيضاً، وهما يمثلان يميناً متطرفاً داخل الحزب الجمهوري، ويقدمان خطاباً عدائياً تجاه المهاجرين، يحظى بقبول كبير داخل أوساط الناخبين الجمهوريين.
المؤكد أن ترامب بات مرشحاً جدياً، خصوصاً مع فوزه في أكثر من ولاية خلال الانتخابات التمهيدية، ومهما كانت نتائجه النهائية، فقد أوضح صعوده الكبير حجماً هائلاً من السخط عند الناخبين البِيض الجمهوريين على مؤسسة الحزب، إذ تلعب الطبقة العاملة البيضاء داخل قواعد الحزب دوراً مهماً في تعزيز موقع ترامب، بسبب غضبها من استيلاء المهاجرين الأجانب على وظائفهم، وتواطؤ أصحاب المصالح والشركات الكبرى، ومنهم رؤوس مؤسسة الحزب الجمهوري، مع المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، والاستفادة منهم، بوصفهم يداً عاملة رخيصة لتوسيع الأرباح. لذلك، يرى هؤلاء في الملياردير ترامب رداً على خداعهم، بوصفه شخصاً لا ينتمي تقليدياً للمؤسسة، يقدم خطاباً معادياً للمهاجرين، كما حال تيد كروز أيضاً.
في مقابل الجنوح نحو أقصى اليمين عند الجمهوريين، تبرز ظاهرة "يسارية" عند الديمقراطيين، ممثلة بالمرشح بيرني ساندرز، الذي، على الرغم من كبر سنه، تمكّن من منافسة هيلاري كلينتون، لكن الحزب الجمهوري هو من يعاني، بسبب انتصارات ترامب المتوالية، وهو يحاول الاعتماد على ماركو روبيو، المرشح الأكثر معقولية بالنسبة للمؤسسة، والأوفر حظاً من غيره لمنافسة ترامب وكروز، مع أن الفارق بينه وبين ترامب في انتخابات ولاية كارولينا الجنوبية وصل إلى عشرة نقاط مئوية. هنا، يبرز الصراع بين المؤسسة والمرشح "المتمرد"، فقادة المؤسسة يحاولون إعادة ضبط اللعبة داخل الحزب، وعدم السماح لترامب بالفوز بترشيح الجمهوريين، خصوصاً وأنه صوّب سهامه في كل اتجاه، وتحدّث بشكل عشوائي وفج في أكثر من موضوعٍ ومناسبة. وعلى الرغم من ذلك، يتقدم في أكثر من ولاية.

لا يقتصر البحث عن بطل ومنقذ في هذه الانتخابات على الناخبين الساخطين، بل يتعدّاهم إلى المراقبين من الخارج، وخصوصاً بعض القوى السياسية والفاعلين الإقليميين في منطقتنا، الذين يشعرون بالانزعاج من سياسات أوباما، ويريدون موقفاً أميركياً أقوى، وانخراطاً أكبر في معالجة أزمات المنطقة، بما في ذلك الانخراط العسكري المباشر. هؤلاء لا يجدون ضالتهم في أيٍّ من المرشحين، فمعظمهم لا يندفع نحو التدخل العسكري المباشر، على طريقة جورج بوش الابن، ويعتمدون فكرة أوباما حول دعم المجموعات المحلية في قتال الأعداء، وبالذات تنظيم الدولة الإسلامية.
حتى المرشحون الجمهوريون لا يندفعون كثيراً نحو التدخل العسكري، وربما يرى بعضهم، مثل ماركو روبيو، إرسال مزيد من القوات الخاصة، لكنه يعتمد، في استراتيجيته، لمواجهة التنظيم على العشائر "السنية" المحلية والأكراد. وحتى في سورية، يتحدث روبيو عن دعم المعارضة المعتدلة وتدريبها لمواجهة نظام الأسد. أما ترامب فهو يتأرجح بين ترك روسيا تقوم بمهمة محاربة تنظيم الدولة واستخدام عدد محدود من القوات الأميركية، مع دعمه قتل عائلات مقاتلي التنظيم، لوضع حد للتجنيد.
يجمع المرشحون على دعم إسرائيل، كما جرت العادة، ويختلفون حول الاتفاق النووي مع إيران، لكن الملاحظ في خطاباتهم التأكيد على دعم الحلفاء في مواجهة تنظيم الدولة، والمعارك في المنطقة، وتشجيعهم على بذل مزيد من الجهود، أي أن السياسة الأميركية القائمة على دفع الحلفاء للعب أدوارٍ أكبر، والاعتماد على المجموعات المحلية المقاتلة بديلاً للقوات الأميركية، في تطويرٍ لحروب الوكالة، ستبقى قائمة، تماشياً مع مزاج أميركي عام، يتحسّس من الانخراط في الحروب بشكل مباشر، بعد حرب العراق، وإن كان بعض المرشحين الجمهوريين يعد بمساهمة عسكرية أميركية أكبر.
في قضية الهجرة، تتشابك المسألة الداخلية بالخارجية، فالحديث عن اللاجئين السوريين واستقبالهم أخذ حيزاً لا بأس به من النقاش، وفيما يرحّب المرشحون الديمقراطيون باستقبال بعض اللاجئين، مع تشجيع الدول الأخرى على استقبالهم، يرفض المرشحون الجمهورون بشدة استقبال اللاجئين، وخصوصاً كروز وترامب، المتسقين مع خطابهما المعادي للمهاجرين، وهم يعتمدون على الدول المجاورة في استقبال اللاجئين. هذا الموقف جزء من موقفٍ بات يطاول المسلمين جميعاً في خطابات المرشحين الجمهوريين، ويعكس تنامياً لقوة اليمين المتطرف داخل الحزب الذي تتشكل قواعده من الناخبين البيض، أكثر من المجموعات الإثنية الأخرى.على مستوى المنطقة، ربما لا نشهد تغييراً كبيراً في السياسة الأميركية، وحتى الخطابات المتطرفة والمغالية قد لا نشهد تطبيقاً لها في حال وصول أصحابها إلى البيت الأبيض، في إطار ضبط المؤسسات هناك للحياة السياسية وثوابتها. وفي كل الأحوال، لن يأتي منقذ أميركي، كما يتمنى بعض أهل منطقتنا، لكن مشهد المتمردين الصاعدين، في ظل البحث عن بطل داخل أميركا نفسها، يبدو مسلياً، بغضّ النظر عن النتائج.

9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".