وزير التجارة التونسي لـ"العربي الجديد": نراجع منظومة الدعم بعيداً عن صندوق النقد

26 فبراير 2018
وزير التجارة التونسي عمر الباهي (العربي الجديد)
+ الخط -


ينفي وزير التجارة التونسي، عمر الباهي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، وجود ضغوط من الصندوق الدولي على حكومة بلاده بشأن إعادة النظر في منظومة الدعم وطرق تعويض الطبقات الضعيفة، ملمحا إلى اتخاذ إجراءات جديدة لترشيد الواردات، للحد من العجز التجاري.

ويكشف الوزير في المقابلة عن قرار حكومي بمواصلة الدعم الجزئي لبعض المواد الأساسية، والرفع التدريجي لدعم مواد أخرى، على غرار السكر والكهرباء، لكنه يشدد في المقابل على أنه من الثابت أن هناك نية لإنهاء النزيف المتواصل لموارد الدولة الموجهة للدعم، فالمسألة لا تتعلق بالحدّ من الدعم كغاية في حدّ ذاتها، بل القضاء على مواطن التلاعب والفساد وعقلنة المنظومة.

ويقول وزير التجارة التونسي في حواره مع "العربي الجديد" إن هناك بوادر لإمكانية تراجع العجز في الميزان التجاري، في الأشهر القادمة، مدفوعا بارتفاع صادرات زيت الزيتون، والإجراءات التي اتخذتها السلطة النقدية، والمتعلقة بتقليص الواردات، كاشفا عن قرار حكومي بتفعيل المجلس الأعلى للتصدير، لدعم خطط نفاذ المنتجات المحلية إلى الأسواق الخارجية. 

وفيما يلي نص الحوار مع وزير التجارة التونسي: 

يعرف الميزان التجاري اختلالا هيكليا، أدى إلى ارتفاع العجز إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، فما هي خطتكم للحد منه، على المدى القريب؟

فعلاً، لا ننكر أن العجز التجاري بلغ معدلات قياسية بتجاوزه 6.2 مليارات دولار، خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وفق البيانات الرسمية لمعهد الإحصاء، لكن يجب أن تكون لنا أيضا قراءة شاملة لبقية الأرقام المتعلقة بالميزان التجاري، وهي أن نسبة تغطية الصادرات للواردات ارتفعت بقرابة نقطتين، حيث بلغت 70%، في الشهر الماضي، مقابل 67.8%، في يناير/كانون الثاني 2017.
وهذه مؤشرات طيبة تدل على أن هناك بوادر لإمكانية تراجع العجز التجاري، في الأشهر القادمة، مدفوعا بارتفاع صادرات زيت الزيتون، وأيضا الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي التونسي، في نوفمبر/تشرين الأول الماضي، بتقليص الواردات.

قلتم إن ارتفاع نسبة تغطية العجز، خلال الشهر الماضي، كان مدفوعا بارتفاع صادرات زيت الزيتون، فهل سيكون تأثير ذلك محدوداً ليعود العجز إلى التفاقم، في حال تراجع صادرات زيت الزيتون؟

زيت الزيتون عنصر مهم في سلة الصادرات التونسية، ولكنه ليس الوحيد؛ إذ لنا منتجات تصديرية مهمة من المواد الغذائية والنسيج والصناعات الكهربائية والإلكترونية. والحكومة أعلنت، مؤخرا، عن تفعيل المجلس الأعلى للتصدير، لدعم خطط نفاذ المنتجات المحلية إلى الأسواق الخارجية. وأجزم في هذا الصدد بأن دعم الصادرات هو الوصفة الأكثر نجاعة، لأن تحسّنها له تأثير مباشر وسريع على الميزان التجاري ومخزونات العملة الصعبة.



محافظ البنك المركزي الجديد، مروان العباسي، قال، في أول تصريح له، إن البنك المركزي لا يتحمل وحده مسؤولية تراجع سعر الصرف، وإن كل الوزارات الاقتصادية، وأولها وزارة التجارة، مطالبة بمجهودات أكبر، للحد من انزلاق الدينار، ومحاصرة التضخم، فما هو رأيكم؟

وزارة التجارة تنسق، بشكل متواصل، مع البنك المركزي، وأنا أتفق مع العباسي حول تكثيف التنسيق، وستكون لنا لقاءات قريبة لإيجاد حلول لخفض العجز التجاري، على المدى القريب، ومزيد من تحسين نسبة تغطية الصادرات للواردات.

هل يعني ذلك أن هناك إمكانية لاتخاذ قرار بوقف واردات بعض المواد في الفترة القادمة؟

سندرس هذه الفرضية مع المسؤولين في البنك المركزي، وقد نتخذ قرارا بمزيد من ترشيد الواردات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا اتخذنا سابقا، بالتنسيق مع المركزي، قرارات مماثلة لوقف واردات 220 منتجا، وأيضا خفض واردات السيارات بنحو 20%. وهذه الإجراءات بدأنا نجني ثمارها.
وبالتوازي، هناك تشديد على المستوى الجمركي في مراقبة مدى تطابق التصاريح على المنتجات الواردة والمنتجات التي تدخل المرافئ التجارية، لوقف كل أشكال التحايل، باستعمال التصاريح المزيفة المستنزفة للعملة الصعبة.

دعت أحزاب سياسية وبرلمانيون إلى وقف واردات الدول التي تسببت في العجز الهيكلي للميزان التجاري، على غرار الصين وتركيا، فلماذا رفضت الحكومة هذا المقترح؟

بداية، لا يمكن لأي دولة تحترم اتفاقياتها التجارية أن تعلق العمل بهذه الاتفاقيات، والحكومة اتخذت إجراءات بزيادة الرسوم الجمركية 24% على وارداتنا من تركيا، في إطار ما تسمح به الاتفاقية المبرمة معها، وبالنسبة للصين فالموازين التجارية لكل البلدان في العالم تعاني من عجز مع الصين.


ما هو تأثير وقف إنتاج وصادرات الفوسفات على الميزان التجاري في الفترة القادمة؟

الفوسفات تحوّل إلى أزمة إنتاج بالأساس، وليست أزمة تصدير، لأن الطلب العالمي على هذه المادة متوفر، ولكن توقف الإنتاج يؤثر بشكل كبير على هيكلة وعائدات التصدير، ولا بد من الإسراع في التنسيق مع كل الأطراف والمنظمات، لحلحلة هذه الأزمة.

هناك من يرى أن العجز عن استرجاع إنتاج الفوسفات، دليل على فشل الحكومة في توفير بدائل للمحتجين؟

نحن في تونس نعاني من إشكال كبير، وهو فقدان ثقافة العمل المشترك.. والحكومة والمنظمات والأحزاب السياسية مطالبة بالتكاتف لاسترجاع هذه الثقافة في مجتمعنا، وتوفير البدائل التنموية، واسترجاع آلات الإنتاج الخالقة للثروة.

هناك تحرك كبير في المدة الأخيرة لوزارة التجارة، من أجل اكتساح أسواق تصديرية جديدة في أفريقيا ودول الخليج، ولا سيما قطر، فما هي الأفق التصديرية في هذه البلدان؟

فعلا، الحكومة لها برنامج للتحرك نحو أسواق جديدة، لتوسيع أفق التصدير، مع المحافظة على أسواقنا التقليدية. هذا التحرك سيكون متزامناً مع فتح خطوط جوية وبحرية جديدة لتسهيل تدفق السلع، وقد حققنا نتائج طيبة في السوق القطرية، حيث ارتفعت صادراتنا نحو الدوحة من 6.6 ملايين دولار في 2016 إلى 17.5 مليون دولار نهاية 2017، وقد وجدنا تعاوناً كبيراً من السلطات القطرية في هذا الإطار. وبالنسبة للسوق الأفريقية تستعد تونس للانضمام إلى الكومسيا، في شهر إبريل/نيسان المقبل، وهي سوق كبيرة تضم 300 مليون نسمة.



لنعد إلى الشأن المحلي، فقد ألمحتم، في أكثر من مناسبة، إلى اقتراب موعد مراجعة منظومة الدعم والانطلاق الفعلي لإنهاء عهد دعم الدولة للمواد الأساسية، فما هو ردكم؟

لكل إصلاح بداية، وأعتقد أن إصلاح منظومة الدعم يجب أن يبدأ، لا يمكن أن نستمر أكثر في دعم مواد أساسية من موازنة الدولة لمنتجات تذهب إلى القطاع السياحي والمطاعم وغيرها، في الوقت الذي أثبتت كل الدراسات أن 12% فقط من الدعم تذهب إلى مستحقيه من الطبقات الضعيفة. ثم مواصلة العمل بمنظومة الدعم في مواد أساسية، على غرار زيت الطهي النباتي، أدى إلى خلق اختلال في السوق، بتوفير نفس المنتج بسعرين مختلفين، فنحن إزاء منتج مدعم مثل الزيت يروج بـ0.4 دولار، وآخر غير مدعّم يروج بـ1.24 دولار.
ولذا، فإن الحكومة بصدد القيام بمراجعات جذرية لنظام الدعم، في انتظار اتخاذ القرار النهائي حول الصيغة التي سيتم اعتمادها لتعويض الطبقات المستحقة للدعم، سواء عبر تحويلات مالية أو غيرها من الصيغ التي تتم دراستها.

هل يمكن أن تكشف لنا عن استراتيجية الحكومة على المديين القريب والمتوسط لمراجعة صندوق الدعم؟

مخصصات دعم المواد الأساسية بلغت، حسب موازنة 2018، نحو 1570 مليون دينار، أي نحو 654 مليون دولار، زيادة على 450 مليون دينار، أي نحو 187 مليون دولار لدعم النقل العمومي ونقل التلاميذ والطلبة، و1500 مليون دينار لدعم المحروقات والكهرباء ما يعادل 625 مليون دولار.
وقررت الحكومة مواصلة الدعم الجزئي لبعض المواد الأساسية، والرفع التدريجي لدعم مواد أخرى، على غرار السكر والكهرباء، لكن الثابت أن هناك نية لإنهاء النزيف المتواصل لموارد الدولة الموجهة للدعم، فالمسألة لا تتعلق بالحدّ من الدعم كغاية في حدّ ذاتها، بل القضاء على مواطن التلاعب والفساد وعقلنة المنظومة.

لكن هذه القرارات تصطدم برفض كبير من الأحزاب اليسارية وأيضا النقابات التي ترى في إنهاء الدعم تكريسا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما قد يؤجل ما تعتبره الحكومة إصلاحا لسنوات أخرى؟

ذكرت سابقا أن لكل إصلاح بداية، والحكومة انطلقت فعلا في إصلاح منظومة الدعم، من دون أي ضغط خارجي من صندوق النقد الدولي أو غيره، بل في إطار رؤية إصلاحية شاملة للاقتصاد الوطني. وهذه الإصلاحات شملت القطاع المالي والجباية وغيرها، وأعتقد أن غياب الحزم السياسي للحكومة هو ما يفتح باب الاتهامات بأن مراجعة منظومة الدعم خضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي.

عانت السوق المحلية، في الأشهر الأخيرة، من ارتفاع غير مسبوق لأسعار الخضر والفواكه، ولم نلحظ، على امتداد هذه الأشهر، تدخلا لوزارتكم، فهل تخلت الدولة عن دورها الرقابي؟

الوزارة لم تتخل عن دورها الرقابي، ونحن نواصل بالتنسيق مع المهنيين ووزارة الزراعة برمجة الإنتاج والتدخل لتعديل السوق، عبر توريد المواد التي لا يكفي إنتاجها لتزويد السوق، ولكن برامج التوريد تبقى محدودة زمنيا ومن حيث الكميات.
وارتفاع الأسعار في الأشهر الماضية كان بسبب العوامل المناخية وشح الأمطار، الذي تسبب طبعا في تقليص المساحات المخصصة لزراعة الخضار ومحاصيل الفواكه.
تونس، وفق التصنيفات الدولية، تعيش ما يصطلح عليه بالفقر المائي، بسبب تراجع مخزون المياه في السدود، ويجب أن نشتغل مستقبلا على تحسين نسبة تعبئة مياه الأمطار.
عموما، سجلت الأسعار في الأسابيع الأخيرة تراجعا بنحو 40% في الخضروات والحبوب، بعد نزول الأمطار في النصف الثاني من الشهر الجاري. وأجهزة الرقابة الاقتصادية تقوم بدور كبير في مكافحة الاحتكار والتلاعب بالأسعار، وقد حررنا أكثر من 100 محضر غلق لمخازن تزويد تورطت في تجفيف السوق واحتكار سلع أساسية.

لكن أجهزة الرقابة عاجزة تقريبا عن التدخل في المسالك الموازية، والحد من توسع السوق السوداء التي تحتكر أكثر من 60 % من النشاط التجاري؟

احتواء السوق السوداء يتوقف على خفض الضرائب، لاستقطاب الناشطين في الاقتصاد الموازي إلى المسالك الرسمية، وأعتقد أن هذا قد يتأخر إلى ما بعد العام 2018، لأن الحكومة ارتأت هذا العام زيادة الضرائب لتعبئة الموارد المالية التي تحتاجها لتمويل الموازنة.
المساهمون