الانشقاقات تربك الحوثيين: استراتيجية الاستقطاب تحقق نتائج

14 نوفمبر 2018
يطبق الحوثيون إجراءات أمنية مشددة في صنعاء (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
أشعل التحالف العربي في اليمن، الذي تقوده السعودية والإمارات، إلى جانب القوات الموالية للشرعية اليمنية، جميع الجبهات العسكرية ضد الحوثيين خصوصاً في الحديدة، خلال الأسبوعين الماضيين، في محاولة لكسب وتحرير أكبر قدر ممكن الأراضي اليمنية، ما أثر بشكل كبير على الوضع الداخلي للحوثيين، الذين يواجهون جبهات صراع عدة مع التحالف والشرعية، من بينها جبهة الانشقاقات في صفوفهم.
وبدأت في الفترة الأخيرة تظهر انشقاقات سياسية وعسكرية في صفوف الحوثيين، لكنها لا تبدو معزولة عن دور يقوم به التحالف مع الشرعية.
ووفق معلومات من مصادر عدة، تحدثت مع "العربي الجديد" فإن انشقاق وزير الإعلام، في حكومة الحوثيين، عبدالسلام جابر، قبل أيام وانضمامه إلى صفوف الشرعية، والذي تم بمساعدة وتنسيق مع التحالف والشرعية، يأتي ضمن عملية كبيرة يقوم بها التحالف تستهدف استقطاب قيادات عسكرية وأمنية، ومسؤولين ووزراء، وأعضاء مجلس نواب، فضلاً عن مشائخ قبائل، ودفعهم للانشقاق عن الحوثيين لسحب الدعم من الجماعة وتشديد الطوق عليها بالتزامن مع العمليات العسكرية المشتعلة في مختلف مناطق اليمن، في الشرق والشمال والغرب والوسط.




وبحسب المصادر نفسها، التي تضم مقربين من الحوثيين وكذلك مسؤولين في الشرعية، "فإن من بين المستهدفين موالين للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وأعضاء في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه صالح، وأيضاً بعض القيادات والمسؤولين المتحوثيين (وهي صفة تطلق على من انضموا للحوثيين، بدافع التحالفات السياسية، أو لمصالح ذاتية)".
ودفعت المخاوف من تزايد الانشقاقات الحوثيين إلى تشديد الرقابة على الكثير من الشخصيات السياسية، بمن في ذلك أعضاء مجلس النواب الذين لا يزالون في مناطق سيطرة الحوثيين، وأغلبهم ينتمون لحزب المؤتمر يتقدمهم رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، المقرّب من الرئيس السابق. كذلك شملت الرقابة موالين لصالح فضلاً عن وناشطين وقيادات ميدانية وإعلامية. كما تم تشديد الإجراءات على قيادات وشخصيات جنوبية، متحالفة مع الجماعة أو التي انضمت إلى صفوف الحوثيين، منذ بداية الانقلاب، وسط تردد معلومات عن وجود توتر في العلاقة بين الطرفين.

وكانت قيادات عدة تمكنت من الهروب، مثل بعض القيادات العسكرية، والصحافيين وغيرهم من المقربين من صالح. ومن بين القادة الذين انشقوا عن الحوثيين خلال الفترة الماضية نجل شقيق صالح، العميد طارق محمد عبدالله صالح، وهو القائد الجديد لحراس الجمهورية المدعوم من التحالف وينتشر في الساحل الغربي، إضافة إلى قائد الأمن المركزي السابق المحسوب على الحوثيين، اللواء فضل القوسي، وأيضاً حافظ معياد وكان مقرباً من صالح، وعينه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قبل فترة رئيساً للجنة الاقتصادية. كذلك انشقت الناشطة في حزب المؤتمر، نوره الجروي، فضلاً عن صحافيين منهم السكرتير الصحافي لصالح، نبيل الصوفي.
كذلك يوجد ضباط وجنود انتقلوا إلى مأرب، أبرز معاقل الشرعية اليمنية، وتم إعادة ترتيب وضعهم.
في المقابل، تشير معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من مقربين من الحوثيين والشرعية، إلى أن الحوثيين أحبطوا محاولة هروب العديد من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، بما في ذلك محاولة هروب رئيس الوزراء في حكومة الانقلاب عبدالعزيز بن حبتور. كذلك أحبطت الجماعة هروب محافظ تعز السابق المعين من قبلها عبده الجندي، والقيادي في الحراك الجنوبي أحمد القنع.
وتثير عمليات الانشقاقات في صفوف الحوثيين التباينات والانقسامات بين مناصري ومؤيدي التحالف والشرعية. كما تفرض الكثير من التداعيات على الحوثيين، خصوصاً في التوقيت الحالي نتيجة الخسائر التي يتكبدونها ميدانياً.
ويرى فريق من مناصري ومؤيدي التحالف والشرعية أن المنشقين عن الحوثيين هم انتهازيون، وعندما شعروا بقرب هزيمة الجماعة بدأوا بالابتعاد عنها بعدما صمتوا عن الانقلاب، لذا لا يعتمد عليهم. وحذر البعض من هؤلاء من أن تكون حركة الانشقاق هذه خطة من الحوثيين لاختراق الشرعية والتحالف. كما يرفض البعض منهم فكرة قبول المنشقين، خصوصاً في هذا التوقيت، وطالب بعضهم، بعقاب كل المنشقين عن الحوثيين لمشاركتهم في الجرائم التي ارتكبتها الجماعة بحق الشعب والوطن والدولة.



في المقابل هناك في صفوف الشرعية من أيدوا ودعموا فكرة الانشقاق، مبررين موقفهم بأن من شأن الانقلاب أن يساعد في كشف الكثير من المعلومات، خصوصاً عندما يكون من بين المنشقين مقربون من الجماعة، وعلى معرفة بالكثير من المعلومات حول الدور الإيراني في اليمن.
وفي السياق، قال مسؤول في حكومة الشرعية في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يوجد قيادات ساعدت جماعة الحوثيين، وكانت جزءاً من الدور الإيراني وساعدوها في استقطاب ناشطين وسياسيين وإعلاميين، فضلاً عن معرفتهم بالدعم العسكري للجماعة. وأشار إلى دور تقوم به الكثير من القيادات السياسية والعسكرية فضلاً عن مشائخ ممن هم إلى جانب الشرعية لمحاولة فتح قنوات تواصل مع الكثير من الشخصيات في صفوف الحوثيين، والواقعين تحت سيطرتهم. وأشار إلى تجاوب الكثير منهم وأبدوا نية للانشقاق لكنهم يتخوفون من ردة فعل الحوثيين الذين يفرضون عليهم تشديدات كثيرة، تمنعهم من التنقل، خصوصاً أن أي اتصال مع أطراف الشرعية، من دون علم الجماعة، تعتبره الأخيرة "خيانة يستحق مرتكبها الموت".
وفي السياق، أكد كل من العميد في المنطقة العسكرية السادسة، إبراهيم الحاشدي، والنقيب في المنطقة السابعة جبران السهل، لـ"العربي الجديد،" أن هناك قيادات وضباطا كانوا في السابق ضمن الجيش قبل الانقلاب، ثم انضموا إلى الحوثيين في الفترة الماضية، طلبوا التأمين على حياتهم مقابل مساعدة الجيش الوطني ضد الحوثيين، خصوصاً في صعدة والبيضاء وعمران والجوف". وفي كلامهما المتقارب أشارا إلى أنه يتم التعامل مع هذا الموضوع بحذر لتجنب أي محاولة من الحوثيين نص فخ للشرعية، وإن كان الجيش الوطني يرحب بكل الصادقين في العودة إلى صف الوطن واستعادة الدولة.
وتعقّد تداعيات الانشقاقات في هذا التوقيت أوضاع الحوثيين الداخلية، لا سيما مع الانكسارات التي يتعرضون لها. وتترافق هذه التطورات مع معلومات ترد من الجبهات وتفيد بأن الكثير من القيادات عزفوا عن المشاركة في المواجهات العسكرية، سواء في الساحل الغربي، بمدينة الحديدة، التي يعتبرها الحوثيون مصيرية، أو في الجبهات الأخرى، معللين ذلك بالأخطاء في صفوف المليشيات. لكن معلومات خاصة حصلت عليها "العربي الجديد" أفادت بأن "الحوثيين يشعرون بأن هناك خيانات يتعرضون لها، وقاموا بتصفية قيادات بتهمة الخيانة وتسليم الجبهات وإسقاطها لصالح الشرعية، كما حدث في البيضاء وشمال الضالع، إضافة إلى صعدة".
وتسود قناعة لدى الحوثيين أن هناك تشابهاً تكرر في عدد من الجبهات، إذ بمجرد أن بدأ هجوم قوات الشرعية والتحالف في تلك الجبهات لوحظ أن الكثير من الجبهات لم تحصل على تعزيزات وقيادات لم تذهب للمواجهة، وأغلقت هواتفها لتجنب الرد على اتصالات المقاتلين لمدهم بتعزيزات لإيقاف تقدم قوات الشرعية.
وفي السياق، أكد مصدر مقرب من الحوثيين، طلب أن يقتصر التعريف به على لقب "أبو فهد"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يوجد شكوك فعلية لدى الحوثيين بشأن إمكانية استلام قيادات مبالغ مالية لتسهيل دخول القوات الموالية للشرعية، والمدعومة من التحالف السعودي الإماراتي في تلك الجبهات، لذلك تمت تصفية بعض القيادات.
هذه المعطيات تتقاطع مع تأكيد مصدر في الجيش اليمني، أن محاولة استقطاب قيادات وإسقاط بعض المناطق تهدف لتقليص الخسائر في صفوف المدنيين، خصوصاً في المناطق المزدحمة. ووفقاً للمصدر نفسه فإن المحاولات هذه تستهدف بشكل أساسي من انضموا إلى صفوف الحوثيين لسبب المال.
ويتخوف الحوثيون من أن من انضموا إلى صفوفهم، في لحظة القوة، قد يبيعونهم في لحظة ضعف، بعد فتح آخر جبهات الصراع، وهي جبهة نهم في العاصمة صنعاء. وتتعزز مخاوف الحوثيين بعدما فشلت مساعيهم للتعبئة في الشوارع وحشد مزيد من المقاتلين للدفع بهم إلى الجبهات على الرغم من تنويع جهودهم بين فتح الكثير من محطات الراديو للوصول إلى أشمل قدر من المواطنين، إضافة إلى استخدام وسائل الإعلام الأخرى، للدعوة والحشد للجبهات، فضلاً عن استخدام المساجد للتعبئة، وذهاب قيادات من الجماعة لعدد من القبائل لطلب دعم الجماعة من المقاتلين، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على الدعم الكافي، بسبب تراجع نفوذهم. ونظراً لعدد الجبهات المفتوحة الكثيرة، وأهمية كل جبهة، فإن الحوثيين يعانون من نقص في المقاتلين. كما أن المخاوف من الانشقاقات، تدفعهم للاحتفاظ بقوات كبيرة في المدن والمناطق، خصوصاً العاصمة صنعاء.