في ظل الأوضاع القائمة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، استعادت الساحة الفلسطينية مشهد الوحدة الراسخ في ذكريات الانتفاضتَين الأولى والثانية، عندما توحّد الدم الفلسطيني لمواجهة ظلم الاحتلال. ويكرّر الشباب الفلسطينيون المشهد اليوم، منتفضين على الجرائم اليومية التي ترتكب بحق أهل الضفة الغربية. وقد تأهب شباب غزّة ليساندوا مواطنيهم في الضفة، ويواجهوا الاحتلال على الحدود.
انتفض الشباب مع ارتفاع وتيرة الانتهاكات اليومية بحق المقدسيين وأهالي الضفة، التي شهدت هذا العام أبشع الجرائم الصهيونية من عمليات حرق ودهس استهدفت أطفالا وشبابا فلسطينيين. وراح الشباب أخيراً يثأرون لأبناء وطنهم بالطعن في ما يعدّ أفعال مقاومة فردية، وأصبح السكين سلاح الانتفاضة الذي يثير الرعب عند المستوطنين وجنود الاحتلال.
بعد أيام معدودة من مواجهة شباب الضفة للمحتل، راح الغزيّون قبل نحو أسبوع ينظمون حملاتهم في وجه المحتل. بإرادتهم وغضبهم وحجارتهم التي لطالما كانت سلاح الشباب المنتفضين، وقفوا في وجه قوات الاحتلال التي تسلّحت بالبنادق والقنابل والعبوات الناسفة.
انتشرت مواجهات الغزيّين المساندة لشباب الضفة في جميع مناطق القطاع. في خان يونس مثلاً، دارت مواجهات مع جنود الاحتلال عند الشريط الفاصل، فلاقاهم هؤلاء بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي. وقد سقط ثلاثة شهداء في حين جرح أكثر من خمسين شخصاً. أما في حي الشجاعية المنكوب منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع (2014)، وفي منطقة نحل عوز عند الشريط الفاصل، دارت مواجهات على مدى خمسة أيام، سقط خلالها عشرة شهداء وأصيب أكثر من 130 بجروح. وفي بيت حانون، تستمر المواجهات بشكل يومي عند المعبر الذي تجمّع الجنود على بوابته بطريقة غير عادية. وما زالت الإصابات تتوالى يومياً.
مواجهة "بطوليّة"
أما أبرز مواجهات شباب غزة مع الاحتلال، فكانت عندما اقتحم مئات الشباب المتظاهرين شرق مخيم البريج (وسط القطاع) موقعاً عسكرياً، وفتحوا فجوات عديدة في الشريط الحدودي، قبل أن يدخلوا الموقع ويلقوا الحجارة والزجاجات الحارقة على مركبات قوات الاحتلال التي راحت تطلق عليهم الرصاص الحيّ وقنابل الغاز. وقد أصيب في اليوم الأول أربعة شباب منتفضين بجروح مختلفة وآخرون بالاختناق من جرّاء الغاز. وفي اليوم الثاني من المواجهة التي وصفتها وسائل الإعلام الفلسطينية بـ "البطولية"، تمكّن أبناء مخيّم البريج من خلع بوابة الموقع الرئيسية ويدخلونه، قبل أن تحاصرهم قوات الاحتلال وتعتقل أربعة منهم.
يقول أحد الشباب الذي شارك في عملية خلع البوابة، والبالغ من العمر 20 عاماً، إن "أبناء مخيمنا لم يكتفوا فقط بإلقاء الحجارة وزجاجات النار. أردنا أن نثبت قوة غزّة في مواجهة ما يحصل في الضفة. تحققت إرادتنا وكنا قادرين على اجتياز أكبر مسافة داخل الأراضي المحتلة". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أن "قوات الاحتلال تفاجأت من اجتياز الشباب البوابة. وهلعت وراحت تتراجع بعدما هاجمناها بالحجارة. وزادت حالات التوتر في المنطقة لمدة ساعة، حتى وصلت تعزيزات عسكرية وراح يُطلق الرصاص الحي على المنتفضين".
من جهته يشير أحمد أبو جراد وهو ناشط اجتماعي في غزة لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "بإمكاننا القول إن الانتفاضة وحّدتنا اليوم. ونحن نتواصل بشكل دائم ويومي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع شباب في الضفة لننقل معاناتهم وانتهاكات الاحتلال. نحن نحاول التأثير في الرأي العام عبر الصورة وتسجيلات الفيديو". ويؤكد على أن "الانتفاضات الفلسطينية عبر التاريخ كانت توحد الفلسطينيين، ولطالما حاول الاحتلال طمس الانتفاضة، لأنه ينزعج من مشاهدة صور الوحدة الفلسطينية في مواجهة جرائمه".
اقرأ أيضاً: ممنوع شراء السكاكين
يفقدون الأمان
وعلى أرض الواقع، حقق الشباب المنتفضون لغاية اللحظة إنجازات عديدة. على الرغم من أن آلاف جنود الاحتلال يواجهون الشباب ويتصدون لهم، إلا أن نسبة الإسرائيليين الذين يشعرون بفقدان الأمان بلغ 80 في المائة، بحسب استطلاع أجرته ونشرت نتائجه القناة العبرية الثانية.
وعلى صعيد الخسائر التي لحقت بدولة الاحتلال، نشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية العبرية معطيات حول الخسائر التي لحقت بالأسواق الإسرائيلية نتيجة الهبّة الشعبية الفلسطينية، وأفقدت الاحتلال أمنه بشكل كبير. معها انخفضت المبيعات في جميع أسواق الأحياء الغربية في القدس المحتلة بنسبة 50 في المائة، وقد خلت الأسواق تقريباً من المتسوقين.
إلى ذلك، ولضمان أمنهم الشخصي، ارتفع طلب الإسرائيليين على الأسلحة البيضاء وأدوات الحماية الشخصية. وبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية، فإن "هستيريا الخوف" تصيب المواطنين الذين يتوجهون إلى متاجر بيع مستلزمات السفر، ويطلبون الغاز المسيل للدموع أو العصي والخناجر أو المقابض المعدنية للدفاع عن النفس.
اقرأ أيضاً: فتيات فلسطين مستهدفات