الانتخابات النيابية الفرنسية: الناخبون يقدمون لرئيسهم ولاية مريحة

13 يونيو 2017
استجاب الناخبون لدعوة ماكرون بتجديد الحياة السياسية (Getty)
+ الخط -


أظهرت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد الماضي، أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون كسب رهانه على أكثر من صعيد. ولا يتعلق الأمر فقط، بحصول حركته الفتية "الجمهورية إلى الأمام" التي أطلقها قبل فترة وجيزة، على أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي، بل إن سلاحَي جعل الحياة السياسية أكثر شباباً و"ارحل"، تركا بصماتهما على البرلمان الجديد.
رغبة ماكرون في جعل البرلمان والحياة السياسية أكثر شباباً، دفعت بـ212 نائباً في البرلمان المنتهية ولايته إلى عدم الترشح من جديد. وإذا كان العدد النهائي للنواب الفائزين من حركة ماكرون غير معروف (وهنا تختلف التوقّعات بين 420 و470 نائباً) في انتظار نتائج الدورة الثانية، فالرئيس الفرنسي على ثقة من حصوله على أغلبية برلمانية تصوّت على مشاريع قوانينه وتساعده على تنفيذ إصلاحاته.

ثورة ماكرون
وفي انتظار يوم الأحد المقبل الذي يشهد الجولة الثانية من الانتخابات، لمعرفة العدد النهائي واللون السياسي للنواب الفرنسيين، فإن الكثير من المفاجآت التي شهدتها الدورة الأولى، كشفت عن حجم "الثورة" (وهو عنوان كتاب لماكرون نشره أثناء الحملة الانتخابية) التي أحدثها فوز ماكرون، لجهة الإطاحة بمعظم ممثلي الطبقة السياسية الفرنسية. ويكفي النظر إلى عدد الأسماء السياسية الوازنة التي أقصيت في الدورة الأولى من هذه الانتخابات، والأخرى التي توجد في وضعية يُرثى لها، لمعرفة مدى تأثير انتخاب ماكرون في ما حدث، وأيضاً تأثيره في النتائج الإجمالية التي حصلت عليها الأحزاب السياسية التقليدية. أي كيف تحوّل حزب "الجمهوريون" اليميني، من حزب ضامن للأغلبية البرلمانية إلى حزب قد يقود المعارضة، ولكن بشكل غير مؤثر، بسبب تراجع نوابه إلى أقل من مائة نائب. وكيف يتحدث حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، الآن، عن 1 إلى 5 نواب في البرلمان، أي بلا مجموعة برلمانية، بعد أن كان قبل شهر، يتوقع إيصال 60 نائباً.

في المقابل، نجحت حركة الرئيس الفرنسي في إيصال الوزراء الستة المرشحين للبرلمان إلى الدورة الثانية، على الرغم من تفاوت حظوظهم. فقد تأهل الوزير ريشار فيران للدورة الثانية، على الرغم من مشاكله مع القضاء، بنسبة 34 في المائة، مقابل منافسته، غاييل نيكولا، من حزب "الجمهوريون"، التي حصلت على نسبة 18 في المائة.
وكذلك الوزير برونو لومير، القيادي السابق في "الجمهوريون" الذي يوجد في وضعية جيدة، إذ حقق نسبة 45 في المائة أمام مرشحة "الجبهة الوطنية". كما استطاع الوزير الشاب منير محجوبي إحداث مفاجأة من العيار الثقيل، بنجاحه في إقصاء الأمين العام للحزب الاشتراكي، جان كريستوف كامباديليس، محققاً 40 في المائة من الأصوات، في حين أن منافسته التي تأهلت إلى الدورة الثانية، لم تتجاوز 20 في المائة.
أما الوزيرة أنيك جيراردان، فقد تأهلت أيضاً، ولكنها في وضعية صعبة، وهي الوزيرة الوحيدة المهددة بالإقصاء. كذلك تأهل الوزير كريستوف كاستانير للدورة الثانية بنسبة 44 في المائة. كما صعدت الوزيرة مارييل دي سارنيز، القيادية في حزب "الموديم"، للدورة الثانية.

وقد انعكست دينامية الرئيس الجديد إيجاباً على معظم المرشحين، الذين يتحدثون صراحة عن دعمهم لمشروع ماكرون وإصلاحاته. ومنهم تيري سوريل، من قياديي "الجمهوريون" المنفتحين على ماكرون، والذي لم تُقدّم حركة ماكرون منافساً في مواجهته. وهو يمضي واثقاً إلى الفوز، بعد أن حقق أكثر من 42 في المائة، أمام مرشح يميني آخر، حقق 31 في المائة. الحالة نفسها لفرانك ريستير، من "الجمهوريون"، المنفتحين على ماكرون، وهو في الطريق إلى الفوز، بعد تصدّره في دائرته بنسبة تقترب من 40 في المائة، وسيجد في مواجهته مرشحاً عن "الجبهة الوطنية".

أما فرانسوا دي روغي، المرشح الإيكولوجي في انتخابات اليسار الفرعية، والذي انضم مبكراً لحركة "الجمهورية إلى الأمام"، فيقترب بشكل كبير من الفوز، بعد أن حقق في الدورة الأولى نسبة 45 في المائة. كما أن الوزيرة السابقة مريم الخمري، المعروفة بقانون العمل الذي يحمل اسمها، ومرشحة الحزب الاشتراكي، مدعومة من حركة ماكرون، الذي لم يعين مرشحاً لمنافستها، حلت ثانية، بنسبة 20 في المائة، وهي وضعية صعبة في مواجهة مرشح "الجمهوريون"، بيار-إيف بورنازيل، الذي حصد 38 في المائة من الأصوات.
كما أن الوزيرة الاشتراكية السابقة ماريسول تورين، التي لم تعيّن حركة "الجمهورية إلى الأمام" مرشحاً لمواجهتها، والتي اختارت سحب شعار الوردة الاشتراكية من حملتها، تحتل الصدارة بنسبة 28 في المائة، ويبدو أنها واثقة من الفوز.

كذلك توجد أسماء أخرى جاهرت بدعم ماكرون وسياساته، ولكن شخصياتها العنيدة والحريصة على حريتها، والتي قد تشاغب مستقبلاً على نشاط الحكومة، حالت دون حصولها على دعمٍ كافٍ من حركة الرئيس، ومن بينها ناتالي كوسيكسو موريزي ومانويل فالس ونجاة فالو بلقاسم. فقد تأهلت الوزيرة والقيادية في حزب "الجمهوريون"، ناتالي كوسيسكو موريزي، للدورة الثانية، لكن حظوظها في مواجهة مرشح "الجمهورية إلى الأمام" تبقى ضئيلة.
أما رئيس الحكومة السابق مانويل فالس، الذي كان معتاداً في كل الانتخابات السابقة على حصد أكثر من 40 في المائة من الأصوات، فلم يحقق سوى 25 في المائة من الأصوات، مقابل 17 في المائة لمرشحة "فرنسا غير الخاضعة"، فريدة عمراني. وعلى الرغم من تصدّره للسباق، إلا أن كثيراً من المرشحين عبّروا عن دعمهم لفريدة عمراني، من أجل إسقاط فالس. أما الوزيرة السابقة نجاة فالو بلقاسم، فتجد نفسها في وضعية بالغة الصعوبة، إذ حلت في المرتبة الثانية، بنسبة 16 في المائة، بعيداً عن مرشح "الجمهورية إلى الأمام"، برونو بونيل، بنسبة 36 في المائة.

كما أن ثمة شخصيات قوية وتتمتع برصيد جماهيري، أو تمتلك الخطابة، صعدت إلى الدورة الثانية، ومنها زعيم حركة "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون الذي تأهل للدورة الثانية بنسبة 34 في المائة، وحلت كورين فيرسيني، عن "الجمهورية إلى الأمام"، ثانية، بنسبة 22 في المائة، ويُتوقع أن يفوز ميلانشون بسهولة.
كما أن وزير الزراعة الاشتراكي السابق، المتحدث باسم الحكومة السابقة، ستيفان لوفول، تأهل للدورة الثانية بنسبة 30 في المائة مقابل 22 في المائة لمنافسه من "الجمهوريون"، وحظوظ فوزه قوية. أما كريستيان جاكوب، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب "الجمهوريون" في البرلمان المنتهية ولايته، فعلى الرغم من أنه أحرز المرتبة الأولى بنسبة 32 في المائة، إلا أن حظوظ مرشح "الجمهورية إلى الأمام"، الذي حقق نسبة 26 في المائة، تبقى أكبر، بسبب دينامية حركة ماكرون.


من جهته، فإن رئيس حزب "انهضي فرنسا"، نيكولا دوبون إنيان، الذي تحالف مع زعيمة "الجبهة الوطنية" مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية، يوجد في وضعية سيئة، بحصوله على 30 في المائة، بعد أن تجاوَزَه مرشح "الجمهورية إلى الأمام"، الذي حصد ما يقارب 38 في المائة من الأصوات.
من جهة أخرى، فإن موقف مارين لوبان قوي للفوز يوم الأحد المقبل، فقد حققت في الدورة الأولى نحو 45 في المائة، في مواجهة مرشحة ماكرون التي حصلت على نحو 17 في المائة. في حين أن زميلها فلوريان فيليبو، يجد نفسه في وضعية بالغة الحرج، بعد أن تأهل للدورة الثانية بنسبة 23 في المائة، مقابل مرشح "الجمهورية إلى الأمام" بنسبة 22 في المائة. الوضعية الصعبة نفسها يعرفها جيلبير كولار، النائب البرلماني السابق عن "الجبهة الوطنية"، الذي تأهل للدورة الثانية ولكن وصوله للبرلمان يحتاج إلى معجزة.
أما لويس أليوت، زوج لوبان، فهو أيضاً في وضعية صعبة، على الرغم من أنه حلّ أولاً في دائرته بنسبة 30 في المائة، أمام مرشح حركة ماكرون، الذي حقق 29 في المائة من الأصوات، بسبب إعلان المرشحين الخاسرين عن وقوفهم في وجه مرشح "الجبهة الوطنية". وضعية صعبة يواجهها جان جاك أرفواس، وزير العدل السابق، المقرب من فالس، إذ حلّ ثانياً بنسبة 19 في المائة من الأصوات، وراء مرشح حركة ماكرون، الذي حصد 38 في المائة من الأصوات.

تغيير الطبقة السياسية
ضحايا الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي تزاوج فيها منطق جعل الحياة السياسية أكثر شباباً وشعار ارحل، والذين تم إقصاؤهم مبكراً، كثيرون، ومن أكثرهم أهمية ورمزية، المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الاشتراكي بونوا هامون، والذي يستعد لإطلاق حركة سياسية كبرى في يوليو/ تموز المقبل، وكان ينقصه 80 صوتاً للصعود للدورة الثانية. وفي الموقف نفسه يوجد كامباديليس، الأمين العام للحزب الاشتراكي والنائب العجوز عن الدائرة السادسة عشرة، الذي تم إقصاؤه على يد شاب، منير محجوبي، الدخيل على عالَم السياسة.
كما تم إقصاء الوزيرة السابقة والقيادية في الحزب الإيكولوجي سيسيل دوفلو، في الدائرة السادسة في باريس، على يد مرشح "الجمهورية إلى الأمام" ومرشحة "فرنسا غير الخاضعة". المصير نفسه عرفته إيمانويل كوس، القيادية السابقة في الحزب الإيكولوجي، والوزيرة السابقة، إذ تعرضت لهزيمة قاسية في الدائرة الثالثة في سين-سان-دونيه.

في هذا الموقف أيضاً، كان جان غلافاني، القيادي الاشتراكي العجوز، ومستشار الرئيس فرانسوا ميتران المقرَّب. وقد جاء ثالثاً بعد مرشحَي "الجمهورية إلى الأمام" و"فرنسا غير الخاضعة". كما أقصي آخر وزير داخلية في الحكومة السابقة، ماتياس فيكل، الذي وقَّع قبل نحو أسبوعين مع آخرين، من بينهم نجاة فالو بلقاسم، بياناً في صحيفة "ليبراسيون"، من أجل تجديد الحزب الاشتراكي. المصير نفسه عرفه الزعيم الاشتراكي في مارسيليا، باتريك مينوتشي، الذي أقصي في مواجهة ميلانشون ومرشحة "الجمهورية إلى الأمام".

في هذا الوضع وجدت الوزيرة السابقة أوريلي فيليبيتي نفسها، وقد أقصاها المرشح بلخير بلحدَّاد، عن "الجمهورية إلى الأمام"، وهو الأوفر حظاً للفوز، وجاءت مرشحة "الجبهة الوطنية" في المرتبة الثانية. كذلك فإن الوزيرة السابقة راما ياد، والتي عارضت زيارة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي والاستقبال الحافل الذي خُصَّ به في فرنسا، والتي أسست، قبل أشهر، حركتها السياسية "فرنسا التي تجرؤ"، حلّت في المرتبة السادسة في دائرتها. أما القيادي في "الجبهة الوطنية" نيكولا باي، فقد أقصي من الدورة الأولى، على الرغم من تحقيقه 22 في المائة من الأصوات.

وفي سياق الخاسرين أيضاً، جاءت الوزيرة السابقة والنائبة إليزابيث غيغو، التي حلت في المرتبة الثالثة في الدائرة السادسة في سين-سان-دونيه، خلف مرشحَي "الجمهورية إلى الأمام" و"فرنسا غير الخاضعة". كذلك أقصي من الجولة الأولى المرشح فرانسوا لامي، المقرب من مارتين أوبري، بعد أن حلّ في المرتبة الخامسة. وقد استبق لامي النتائج بنشره تغريدة "شكر" للرئيس السابق فرانسوا هولاند وفالس على ما قاما به من جهد لتخريب الحزب الاشتراكي وإيصاله إلى وضعيته الحالية، وعنونها "شكراً على هذه اللحظات"، في استعادة لعنوان الكتاب الذي ألفته شريكة هولاند السابقة، الصحافية في مجلة "باري ماتش" فاليري تريرويلر.
هكذا جاءت مفاجآت الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، وسط توقّعات بأن الدورة الثانية ستخّلف ضحايا جدداً، مع دخول فرنسا عهد إيمانويل ماكرون، الذي أصبح من الآن فصاعداً، يمتلك كل السلطات في البلاد.

المساهمون