الانتخابات البلدية في صيدا: معركة بقاء "المستقبل" بعقر داره

22 مايو 2016
الساعات الأخيرة قبل انتخابات صيدا (حسين بيضون)
+ الخط -
تغيب اللافتات الانتخابية عن مدينة صيدا (جنوبي لبنان) بشكل لافت، وكأنّ لا انتخابات بلدية تجرى فيها اليوم الأحد. المدينة التي تضجّ عادة بالشعارات السياسية والحزبية، نتيجة الصراع الدائم بين تيار المستقبل من جهة والتنظيم الشعبي الناصري (بزعامة آل سعد) من جهة أخرى، تغصّ بصور المرشحين إلى الانتخابات الاختيارية بشكل رئيسي. أما صور اللوائح البلدية فهي شبه منقرضة، إلا في بعض الزوايا الخاصة، وذلك بقرار من محافظ الجنوب منصور ضو، وذلك حفاظاً على الأملاك العامة والمشهد الحضاري في صيدا.

وقبل ساعات من انطلاق النهار الانتخابي، عملت شركات الإعلانات على استحداث لوحات إعلانية في الطرقات الرئيسية في صيدا، لتشجيع المتنافسين على خوض المعركة الإعلانية. وقبل رفع اللوحات، كان قد تمّ حجزها من قبل "لائحة إنماء صيدا"، بحسب الموظفين في الشركة الذين كانوا يتابعون العمل الإعلاني ميدانياً، وهي اللائحة المدعومة من زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، وبإشراف مباشر من عمّته نائب صيدا بهيّة الحريري.

أولى الدلالات التي يشير إليها واقع غياب الحملات الإعلانية أنّ لا مال انتخابي يتمّ تدويره في مدينة صيدا كما درجت العادة فيها، وفي كل منطقة لبنانية في استحقاق مماثل. وما يزيد القناعة بأنّ المال الانتخابي ضئيل هذا العام، الغياب شبه الفعلي أيضاً لحركة استقدام المغتربين للمشاركة في الانتخابات، وهي أيضاً من العادات الانتخابية القديمة والمعروفة في لبنان. ويبدو أنّ الوضع المالي لتيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري مهزوز بشكل جدّي على المستوى السياسي، في حين يشكو في الأساس منافسو آل الحريري من غياب المال والدعم لمواجهته.

وقد يكون عامل غياب المال الانتخابي الدافع الأساسي وراء سير المستقبل بتحالف مع الجماعة الإسلامية وآل البزري (من أهم العائلات السياسية في المدينة) لتشكيل "لائحة إنماء صيدا"، والتي ستتواجه بشكل رئيسي مع لائحة "صوت الناس" المدعومة من التنظيم الشعبي الناصري واللقاء الوطني الديمقراطي، بما فيه من تيارات وشخصيات يسارية. لكن المفاجأة كانت، عبر تشكيل لائحة ثالثة في المدينة برئاسة القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، علي الشيخ عمار، والذي يمضي في المعركة الانتخابية بلائحة من ثمانية مرشّحين باسم "لائحة أحرار صيدا".


لصيدا طابع سياسي وشعبي واجتماعي خاص، بين الزعامات العائلية التاريخية المتمثّلة بآل سعد والبزري من جهة، وآل الحريري الذين بدأوا منتصف الثمانينيات بناء إمبراطوريتهم داخل صيدا (مسقط رأس رفيق الحريري إلا أنه نقل سجلاته إلى بيروت)، ثم داخل الطائفة السنية وبعدها على المستوى الوطني، مروراً بآل الصلح وغيرها من العائلات. وبخلاف المدن الأخرى، ظلّ الصراع الأساسي في صيدا بين آل الحريري بما يمثلونه من رمز للمال والعلاقات وامتدادات للسياسات السعودية، وآل سعد بما يمثلونه تاريخياً من خطاب قريب إلى طبقة العمال والفقراء والصيادين والتيار الناصري. تعلو اليوم شعارات التنظيم الشعبي الناصري التي تشير إلى أنّ إدارة الحريري لصيدا عبر البلدية الحالية، منعت صيّادي الأسماك من الاستفادة من المرفأ الجديد الذي تمّ بناؤه على حساب المواطنين. بما في هذا المثل من دلالة تحديداً في ما يخص صيّادي صيدا، اجتماعياً وسياسياً وتاريخياً، ولكون أبرز وجوه آل سعد، معروف، سقط عام 1975 خلال تظاهرة لصيادي الأسماك واعتُبر وقتها أنّ اغتياله كان شرارة أساسية لانطلاق الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).

حتى إنّ صيدا كانت الورقة السياسية والانتخابية الفعلية التي ووجه بها رفيق الحريري في انتخابات 2004، في ظل الاحتلال السوري للبنان (1976 ـ 2005). في ذلك الاستحقاق، تمكّنت الوصاية السورية من جمع آل سعد مع آل البزري وإسقاط لائحة الحريري في الانتخابات البلدية، لتشكّل ضربة فعلية للحريري وقتها الذي خسر زعامته جزئياً في مسقط رأسه، ولو أنّ جمهوره كان قد بات على مستوى لبنان. في المدينة اليوم 60610 ناخبين، والمعدل الوسطي للمشاركة في الانتخابات البلدية (بعد استحقاقي 2004 و2010) يقارب الـ55 في المائة، في حين تسجّل نسبة الاقتراع أكثر من 65 في المائة خلال الانتخابات النيابية. وبالتالي فإنّ أكثر من ثلاثين ألف ناخب ترجّح مشاركتهم في العملية الانتخابية الأحد، في حين يبدو أنّ طرفاً سياسياً جديداً يطلّ برأسه على الساحة الصيداوية.

تيار متشدّد
وعلى وقع الصراع بين هذين الطرفين، يبدو أنّ طرفاً ثالثاً يدخل على الخط من باب الطائفة السنية و"حقوقها المهدورة". وإذا كان خطاب التنظيم الشعبي الناصري لا يقارب الملفات من منطلق طائفي، وإذا كان تيار المستقبل يطرح نفسه، منذ تأسيسيه على يد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري (الذي اغتيل في بيروت عام 2005)، تياراً مدنياً عابراً للطوائف ولم يشارك في الحرب الأهلية، فإنّ في صيدا اليوم تياراً جديداً يقول الأمور بأسمائها ويطرح عنوان "مظلومية أهل السنة وحقوقهم".

في هذا السياق، تشكّلت لائحة ثالثة للمنافسة في الانتخابات البلدية برئاسة القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، علي الشيخ عمّار، والذي خرج عن "الجماعة" لاعتباره أن "خطابها بات معتدلاً ولا يعبّر عن واقع الأمور والأحوال التي وصلت إليها الطائفة السنية". وسبق للشيخ عمّار أن أسس ما يُعرف بـ"لجنة الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في السجون اللبنانية"، وذلك بعد "أحداث عبرا" (بلدة شرق صيدا) عام 2013، بين الجيش اللبناني والشيخ أحمد الأسير، والذي يحاكم اليوم أمام القضاء اللبناني بتهم مختلفة منها "الإرهاب" و"تأسيس تنظيم مسلّح" و"المسّ بالعيش المشترك".

لا يترّدد الشيخ عمّار في الدفاع عن الأسير وباقي المعتقلين الإسلاميين الذي شاركوا في "معارك عبرا"، حتى بات يُقال في صيدا إن "لائحة عمّار" أو "لائحة أحرار صيدا" هي "لائحة الأسير". مع العلم أنّ أحد المرشحين فيها أعلن انسحابه قبل ساعات من موعد الانتخابات، فاستمرّت اللائحة بثمانية مرشحين فقط.

معركة "وجودية"
قد يكون تيار المستقبل في صيدا اليوم أمام معركة وجودية فعلية، فقد شكّلت انتخابات بيروت قبل أسبوعين، صفقة سياسية وانتخابية كبيرة للتيار، ومعه كل قوى السلطة السياسية من فريقي 8 آذار و14 آذار، إذ لم تفصله عن منافسيه المدنيين في "بيروت مدينتي" سوى سبعة آلاف صوت. وقبل أسبوع، في انتخابات جبل لبنان، لم يتمكّن المستقبل من تحقيق نتائج فعلية في منطقة الإقليم (ساحل الشوف ذي الأغلبية السنية)، إذ خسر بعض البلديات وخُرق في اثنتين واضطر في ثالثة إلى التحالف مع "سرايا المقاومة"، وهي مجموعات مسلّحة يدعمها حزب الله للضغط على الطائفة السنية في عقر دارها.


في الجولة الثالثة من الانتخابات، قد يبدو الأمر مريحاً لمسؤولي تيار المستقبل الذين يؤكدون على أنّ "الفوز مضمون لكن يجري العمل على رفع نسبة المشاركة والفارق مع المنافسين". كانت هذه الأجواء هي نفسها للماكينة الانتخابية المستقبلية خلال انتخابات بيروت، إلا أنّ الصدمة وقتها وقعت ولا تزال تأثيراتها واضحة على واقع الحريري وعلاقاته بالقوى السياسية الحليفة والخصمة.

فعلياً، بحسب الأرقام الانتخابية خلال الدورات السابقة، يتفوّق الحريري على التنظيم الناصري بما يقارب ثلثي عدد المقترعين، فينال المستقبل ما يقارب عشرين ألف صوت مقابل عشرة آلاف لآل سعد والحلفاء. لكن أوساط الأخير تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الأرقام ستكون متقاربة في الاستحقاق الحالي، نتيجة الكثير من العوامل منها تململ الصيداويين من المجلس البلدي ومن عجزه عن بتّ ملف النفايات وحلّ أزمة المياه وغيرها من المشاكل الحياتية. ولو أنّ رئيس اللائحة المدعومة من المستقبل، محمد السعودي، اسم يستقطب آلاف الأصوات بدون أي دعم سياسي، نظراً لكونه تحوّل إلى شخصية محلية محبوبة في أوساط صيدا نتيجة نجاحاته على مستوى الإدارة والمال.

خطران على "المستقبل"
وفي قراءة الواقع الصيداوي اليوم، فإنّ "المستقبل" أمام خطرين: أولاً، إمكانية تحقيق التنظيم الشعبي الناصري رقماً جديداً يقرّب المنافسة بينهما. ثانياً، دخول العامل السلفي أو المتشدّد على الساحة الصيداوية وهو طرف سيحقّق كل أرقامه الانتخابية على حساب المستقبل وجمهوره، نظراً لكون أنصار "التنظيم" لا يتأثرون بأي خطاب سنّي أو مذهبي.

في هذا الإطار، خصّصت النائب بهية الحريري سلسلة لقاءات مع أهالي المعتقلين الإسلاميين في المدينة، بعيداً عن الإعلام، ويشير أحد من حضروا هذه اللقاءات إلى أنّ "الحريري أعادت التأكيد على وجوب إطلاق سراح أبناء صيدا". إلا أنّ هذه اللقاءات حملت بعض المواقف التهديدية، إذ نقل عن الحريري قولها إنّ "لا أحد غيري بإمكانه إطلاق سراح أبنائكم أو التسريع بمحاكماتهم"، في إشارة منها إلى أنّ التصويت للائحة المستقبل قد يكون مفتاح الفرج للمعتقلين. في حين يلجأ الفريق الانتخابي لآل سعد إلى التسويق للائحتهم عبر عرض أسماء المرشحين "الذين يخرجون من رحم المجتمع الصيداوي"، بحسب ما يشير الفنان طارق بشاشة أحد هؤلاء المرشحين.

يقول بشاشة لـ"العربي الجديد"، إنّ "لائحة صوت الناس هي من الناس ولهم، فيها صيادون وعمّال ميكانيك ومهندسون وأطباء وفنانون، وأهدافها إسقاط الكتل السياسية الكبرى التي تسيطر على البلد بمن فيها صيدا". أما "لائحة أحرار صيدا"، فتنتظر "نهضة ووعي الشباب السني وانتفاضته على مصادرة حقوقه ورأييه وتمثيله"، بحسب ما يقول الشيخ عمّار في أكثر من مجلس انتخابي. يرفع الرجل نبرته المذهبية مع اقتراب موعد الانتخابات علّ ذلك يساهم في شد عصب بعض المذهبيين الصيداويين، أو علّه ينجح في لفت الأنظار إليه ليتمكّن من نيل دعم مالي أو سياسي مستقبلاً.

بالتالي فإنّ أي خطأ قد يرتكبه المستقبل ومرشّحوه أو المسؤولون فيه قبل ساعات من العملية الانتخابية، قد يكلّف تيّارهم الكثير على المستويين السياسي والاقتراعي. مع تأكيد كل المعنيين في صيدا على أنّ المدينة "ثلث للمستقبل وثلث للتنظيم وثلث آخر يحسم المعركة في الساعات الأخيرة بحسب قدرة الطرفين المتنافسين على إقناعه". ولا تزال الأرقام الانتخابية لعام 2004 جاثمة على قلوب المستقبليين، ولو كانت تلك الخسارة بتأثير مباشر من الوصاية السورية. أما الآن، فإن تسجيل أي خرق أو خسارة في صيدا اليوم يعني إسقاط آل الحريري فيها من دون وصاية سورية ولا ضغوط سياسية، ومن شأن ذلك إعلان بدء نهاية إمبراطورية آل الحريري.