الانتخابات البرلمانية ونظام يوليو

30 ابريل 2015
+ الخط -

عصف حراك التغيير الذي انطلق مع مطلع الألفية بقواعد إدارة نظام يوليو "القديم" للدولة، فاضطر لعقد انتخابات رئاسية كانت الأولى منذ ستين عاما تقريبا، وكذلك كانت انتخابات البرلمان 2005 التي شهدت أوسع هامش من التعبير الحقيقي للمشاركين في التصويت، كل ذلك جرى على غير رغبة النظام في ترك متنفس للتعبير عن الإرادة الشعبية، وإشعار المجتمع أن بإمكانه المشاركة في تقرير مصيره وتحديد مسارات صنع القرار، فسرعان ما تدارك ذلك بسحب ما تم اكتسابه فقام بالسطو على برلمان 2010 بصورة هزلية، وتبع ذلك بأشهر ثورة يناير لتعصف بكل ما بقي من ثوابت ذلك النظام المستبد.

اجتهد القائمون على إدارة المرحلة الانتقالية في إعادة قواعد الإدارة لما كانت عليه قبل الثورة دونما عَجَل، فتم إرخاء حبال الحرية لدرجة خنق المنادين بها، واستمر السعي الدؤوب لإعادة الأوضاع السابقة على الثورة بصبر، حتى كان الاحتجاج في 30 يونيو/حزيران الذي تبعه نظام يوليو "الجديد" في 3 يوليو/تموز.

كان نظام يوليو الجديد يحظى بتأييد شعبي كبير، وإن كان لا يمكن الجزم بكونه حاصلا على الإجماع الشعبي، ذلك التأييد الكبير كان يمكِّنُه من إجراء استفتاء على ما يسمى بخارطة الطريق، واكتساح نتيجة الاستفتاء بتأييدها؛ نظرا لحالة التدهور الكبير في تأييد النظام الحاكم حينها، وكذلك كان يمكنه ترتيب عملية انتخابية متكاملة، تقصي الإخوان عن المشهد المصري، بتأييد حقيقي وممارسة نزيهة، بل كانت ستسمح بوصول السيسي للسلطة بسلاسة ودون قطرة دم.

الأجواء كانت تسمح بكل الإجراءات النزيهة إلا أن السيسي وحاشيته اختاروا طريقا آخر. ملامح الطريق المختار تم اختبارها في الحرس الجمهوري، ثم المنصة ثم تأكدت بالمجزرة الأبشع في التاريخ المصري، كان المراد إيصاله باختيار طريق القمع رغم توافر إمكانية الطريق الانتخابي، أنه على المجتمع أن ينسى فكرة الانتخابات والديمقراطية والأحزاب، وأن يتجه صوب فكرة "الاستدعاء الشعبي" "والقائد الأوحد" "ورد الجميل للمنقذ"، فتم العصف بكل ما تم اكتسابه في يناير، والمفارقة أن أغلب المشاركين بها ساهموا في وأدها سواء كان ذلك بغير قصد، أو لأطماع في السلطة دفعت لعداوة غير أخلاقية.

في الوقت الذي قرر فيه نظام يوليو إجراء ممارسة تصويتية للاستفتاء على الدستور الجديد، تم الاعتداء بالاعتقال لأفراد الأحزاب الرافضة للمزاج العام للسلطة كمصر القوية، وأعادت ما سُميت بالانتخابات الرئاسية صورة الاستفتاءات السابقة للثورة، في شكلها العام والأجواء القمعية وكذلك النتيجة، بل سبقتها دعوات لتكليف "المنقذ" بالحكم وعدم إجراء انتخابات رئاسية، باعتبار عدم وجود وقت لها في تلك الظروف العصيبة.

عبث نظام يوليو بخارطة الطريق التي صنعها، وأخّر إجراء الانتخابات البرلمانية وجعلها بعد الرئاسية، بمباركة أحزاب 30 يونيو الذين لم يتورعوا عن الانتفاض ضد كل ممارسة تصدر عن النظام السابق، ونفي كل تهمة توجه لنظام يوليو، وظلت من حين لآخر تخرج دعوات لإلغاء الانتخابات البرلمانية أصلا، وكانت في مجملها من المحسوبين على نظام مبارك، ومبرر الإلغاء أن الشعب لا يحتاج لتعطيل مسيرة قائده الملهم، والذي يسعى لانتشال الوطن من همومه، والأحزاب لا قيمة ولا وزن لها في الشارع، ولن تقوم في البرلمان بشيء سوى النزاع الحزبي وتعطيل مسيرة الوطن التي انطلقت، وكانت المفارقة أن تلك الأحزاب تم استدعاؤها لأجل تمرير عملية الانقلاب على الانتخابات والممارسة الديمقراطية، وحضرت في "خلفية" مشهد خطاب الجنرال القائد، وتم تسويق عزل مرسي بالاعتماد على رفض الأحزاب له.

مرت ثلاثة أعوام تقريبا والدولة دون برلمان، وبعد تحديد موعد لها توقفت الإجراءات بحجة العوار الدستوري، كأن الدولة التي صاغت الدستور لا تقدر على صياغة قانون تنظيم الانتخابات، ولا تزال الانتخابات معلّقة في حوار الحكومة مع الأحزاب، التي بدأت في التذمر أخيرا، فخرجت أصوات تشتكي من ممارسة الحكومة وعدم جديتها في إجراء انتخابات برلمانية، "والملاحظ تعلق النقد بالحكومة وحدها لا الحاكم الفعلي"، وما تم التوصل إليه حتى الآن يهدد بحل البرلمان فيما بعد، لتبقى السلطة محصورة في يد صاحب الكرامات والمنامات، الذي يدرك مصلحتنا أكثر من أنفسنا، ويدعونا للتقشف ويغدق على أذرعه.

غرض نظام يوليو الحالي ليس مجرد الاستبداد والاستئثار بالسلطة، فالممارسات التي توصل مثل تلك الرسالة أكثر من أن تحصى وبطرق أقل حدة، لكن مراده إبلاغ المجتمع أن عليه نسيان فكرة الانتخابات برمتها، وأن الديمقراطية كانت مرحلة انتقالية وانتهت.

(مصر)

المساهمون