عمّ الغضب الشارع المصري بعد تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. القرار اتخذ ليلاً، فاستيقظ المصريون على خبر إعادة ترسيم الحدود بين البلدين. من تلقى الخبر ليلاً لم ينم، صدمة عمت جموع المصريين، حتى الصفوف المؤيدة للسلطة لم تستطع تفهم القرار المفاجئ. خاصة وأن النظام يرفع طيلة عامين شعارات الوطنية ليل نهار، ويتهم معارضيه بعكس ذلك أو في أحسن تقدير يعتبر أنهم لا يفهمون طبيعة التحديات التي تواجهها الدولة وأن مواقفهم المناوئة للنظام تخفي توجهاً غير وطني.
طبقت السلطة إجراءات تقشفية تشمل رفع أسعار الخدمات كبديل عن الاقتراض، واستخدمت أيضاً شعارات الوطنية والحفاظ على استقلالية مصر لقبول هذه الإجراءات. الوطنية واستقلال القرار المصري شعارات استخدمت لتبرير السياسات الاقتصادية، ولكن عملياً الأداء الاقتصادي للنظام يتنافى مع هذه الشعارات والأطروحات.
تلقت مصر من دول الخليج مساعدات ضخمة منذ 2013 وحتى منتصف 2014، وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن حجم المساعدات تجاوز الـ 20 مليار دولار. بينما أعلنت وزارة المالية أنها بلغت نحو 16 مليار دولار.
وقد استمرت المساعدات طوال العامين الماضين بهدف دعم استقرار النظام السياسي، بعدما مهدت المساعدات ودعمت وصول كتلة اجتماعية وسياسية مؤهلة للتعاون مع دول الخليج، تحفظ مصالحها.
يمكن القول إن المساعدات الاقتصادية لعبت دوراً هاماً كأداة لتطويع لمصر، ومن هنا يمكن أيضاً الربط بين قرار ترسيم الحدود والدفعة الأخيرة من المساعدات والاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها السعودية مع مصر. الربط واضح ولا يحتاج إلى تدليل، الأزمة الاقتصادية وتفاصيلها يمكن أن تكون مدخلاً لسياسة مصر تجاه السعودية، وكذلك أرضية لفهم كيف تنازلت مصر عن سيادتها عن الجزيرتين.
اقــرأ أيضاً
على جانب آخر هللت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بزيارة ملك السعودية لمصر، أما الصحف الخاصة تعكس في توجهها الداعم للاتفاق دعماً للنظام وسياساته ما يعكس في جانب منه المصالح الاقتصادية للقوى المالكة لتلك الوسائل الإعلامية.
أعلنت وزارة التعاون الدولي إن القيمة الإجمالية للاتفاقات الاقتصادية بين الجانبين بلغت 25 مليار دولار، وبالنظر إلى تلك الاتفاقات المصرية السعودية، سنجدها تتركز في مجالات الإنشاءات والعقارات، فتضم مجتمعات عمرانية وشق طرق وكبري يربط مصر بالسعودية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة اقتصادية بسيناء. وهذا يعني إن مجمل ما تم الاتفاق عليه من بنى تحتية تشمل طرقاً أو محطات صرف أو غيرها من الأعمال تخدم بشكل مباشر الاستثمارات السعودية والتي ستتركز في منطقة شبه جزيرة سيناء. وأن الأموال التي ستنفقها المملكة تؤل إليها بالنهاية. وهذا يكشف توجه الاستثمارات الخليجية التي تركز على مشروعات سريعة الربح كالمشاريع العقارية أو الموانئ والطرق.
ما تم إعلانه من أرقام لا تعد اتفاقيات نهائية فبعضها وعود وتفاهمات، تشبه التعهدات التي أخذتها الدول المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي والتي أوضحت الأيام أنها لم تخرج العديد منها من كونها مجرد وعود. مثال على ذلك تعهدات دعم مشروع العاصمة الجديدة والذي لم يبدأ حتى اليوم.
اللجوء إلى القروض والمنح والمساعدات هو الطريق الوحيد الذي تجيده السلطة في مصر الآن، لكي تتجاوز أزمتها الاقتصادية. ثلاثة أعوام ومصر تعتمد على المساعدات والقروض والمنح المقدمة من دول عربية، وهذا التوجه الاقتصادي يعمق الأزمة الاقتصادية ويزيدها. فحصاد المنح والقروض وأثرها لا يتعدى كونه حلاً مؤقتاً لأزمة الموازنة العامة لكنه لا يحل الأزمة الاقتصادية، بل يفاقمها بعد فترة، خاصة مع آثار فوائد الدين التي ستتراكم.
الاقتراض يتنافى مع شعار الاستقلال الوطني الذي يتغنى به النظام، فالتوجه الاقتصادي الذي يعتبر المساعدات والقروض سياسة مستمرة لا يمكن أن يبني استقلالاً وطنياً أو تنمية اقتصادية، كما يتنافى الاستقلال الوطني في مصر مع رهن القرار الاقتصادي لأطراف دولية وإقليمية.
(باحث في الأنتربولوجيا الاجتماعية)
اقــرأ أيضاً
طبقت السلطة إجراءات تقشفية تشمل رفع أسعار الخدمات كبديل عن الاقتراض، واستخدمت أيضاً شعارات الوطنية والحفاظ على استقلالية مصر لقبول هذه الإجراءات. الوطنية واستقلال القرار المصري شعارات استخدمت لتبرير السياسات الاقتصادية، ولكن عملياً الأداء الاقتصادي للنظام يتنافى مع هذه الشعارات والأطروحات.
تلقت مصر من دول الخليج مساعدات ضخمة منذ 2013 وحتى منتصف 2014، وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن حجم المساعدات تجاوز الـ 20 مليار دولار. بينما أعلنت وزارة المالية أنها بلغت نحو 16 مليار دولار.
وقد استمرت المساعدات طوال العامين الماضين بهدف دعم استقرار النظام السياسي، بعدما مهدت المساعدات ودعمت وصول كتلة اجتماعية وسياسية مؤهلة للتعاون مع دول الخليج، تحفظ مصالحها.
يمكن القول إن المساعدات الاقتصادية لعبت دوراً هاماً كأداة لتطويع لمصر، ومن هنا يمكن أيضاً الربط بين قرار ترسيم الحدود والدفعة الأخيرة من المساعدات والاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها السعودية مع مصر. الربط واضح ولا يحتاج إلى تدليل، الأزمة الاقتصادية وتفاصيلها يمكن أن تكون مدخلاً لسياسة مصر تجاه السعودية، وكذلك أرضية لفهم كيف تنازلت مصر عن سيادتها عن الجزيرتين.
على جانب آخر هللت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بزيارة ملك السعودية لمصر، أما الصحف الخاصة تعكس في توجهها الداعم للاتفاق دعماً للنظام وسياساته ما يعكس في جانب منه المصالح الاقتصادية للقوى المالكة لتلك الوسائل الإعلامية.
أعلنت وزارة التعاون الدولي إن القيمة الإجمالية للاتفاقات الاقتصادية بين الجانبين بلغت 25 مليار دولار، وبالنظر إلى تلك الاتفاقات المصرية السعودية، سنجدها تتركز في مجالات الإنشاءات والعقارات، فتضم مجتمعات عمرانية وشق طرق وكبري يربط مصر بالسعودية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة اقتصادية بسيناء. وهذا يعني إن مجمل ما تم الاتفاق عليه من بنى تحتية تشمل طرقاً أو محطات صرف أو غيرها من الأعمال تخدم بشكل مباشر الاستثمارات السعودية والتي ستتركز في منطقة شبه جزيرة سيناء. وأن الأموال التي ستنفقها المملكة تؤل إليها بالنهاية. وهذا يكشف توجه الاستثمارات الخليجية التي تركز على مشروعات سريعة الربح كالمشاريع العقارية أو الموانئ والطرق.
ما تم إعلانه من أرقام لا تعد اتفاقيات نهائية فبعضها وعود وتفاهمات، تشبه التعهدات التي أخذتها الدول المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي والتي أوضحت الأيام أنها لم تخرج العديد منها من كونها مجرد وعود. مثال على ذلك تعهدات دعم مشروع العاصمة الجديدة والذي لم يبدأ حتى اليوم.
اللجوء إلى القروض والمنح والمساعدات هو الطريق الوحيد الذي تجيده السلطة في مصر الآن، لكي تتجاوز أزمتها الاقتصادية. ثلاثة أعوام ومصر تعتمد على المساعدات والقروض والمنح المقدمة من دول عربية، وهذا التوجه الاقتصادي يعمق الأزمة الاقتصادية ويزيدها. فحصاد المنح والقروض وأثرها لا يتعدى كونه حلاً مؤقتاً لأزمة الموازنة العامة لكنه لا يحل الأزمة الاقتصادية، بل يفاقمها بعد فترة، خاصة مع آثار فوائد الدين التي ستتراكم.
الاقتراض يتنافى مع شعار الاستقلال الوطني الذي يتغنى به النظام، فالتوجه الاقتصادي الذي يعتبر المساعدات والقروض سياسة مستمرة لا يمكن أن يبني استقلالاً وطنياً أو تنمية اقتصادية، كما يتنافى الاستقلال الوطني في مصر مع رهن القرار الاقتصادي لأطراف دولية وإقليمية.
(باحث في الأنتربولوجيا الاجتماعية)