في السنوات الماضية شهد العالم أكثر من انهيار اقتصادي ومالي عالمي. ففي سنوات السبعينيات حدثت أزمة في البرازيل، وفي بداية الثمانينيات حدثت في الأرجنتين، وفي أواسط التسعينيات في المكسيك، وسنة 1997 حدث انهيار في جنوب شرق آسيا بسبب المضاربات المالية، انعكس على البرازيل وروسيا. هذه الدول كان يُطلق على اقتصادها أنه "معجزة"، بالتالي انهارت "المعجزة البرازيلية"، ثم الأرجنتينية، ومن ثم "المعجزة المكسيكية"، وصولاً إلى "المعجزة الآسيوية".
سلسلة انهيارات
وما كان يجعل تأثير انهيار "المعجزة الآسيوية" يمتد هو بداية الترابط المالي العالمي، بعدما جرى تشبيك البورصات العالمية، في ضوء السياسة التي فرضتها العولمة. وشهدنا في تسعينيات القرن العشرين، أيضاً، انهياراً مالياً هائلاً في اليابان لم تستطع إلى الآن تجاوز آثاره.
في أميركا حدث انهيار في سنة 1987 سُميّ "الأحد الأسود"، ثم سنة 1990، وسنة 2000 انهيار سوق التقنيات الحديثة، وسنة 2004. ثم سنة 2008 حدث الانهيار المالي الكبير الذي بدأ بأزمة الرهن العقاري. وهنا وجدنا أن أوروبا قد غرقت دولها في أزمة المديونية، بعد أن أقرضت المصارف الفرنسية الألمانية بلداناً مثل إيرلندا واليونان وإسبانيا، وباتت هذه البلدان عاجزة عن السداد، ومن ثم باتت المصارف مهدَّدة بالإفلاس.
في أميركا الحكومة ساعدت المصارف، فتحمّلت الدولة عبء الديون التي فاقت الدخل القومي، وباتت تهدد بإفلاس الدولة. وفي أوروبا أقرضت ألمانيا وفرنسا بالتشارك مع صندوق النقد الدولي الدول لكي تستطيع سداد فوائد ديونها فلا تنهار المصارف. وأصلاً كانت المديونية تفوق الدخل القومي، وكانت فوائدها تشكّل عبئاً على الميزانية. ومن ثم تصاعدت المديونية، وتصاعد عبء فوائدها.
بالتالي، في ضوء كل ذلك، وفي ضوء أزمة سنة 2008 التي تعتبر حاسمة نتيجة حدوثها في المركز، لا بد أن نسأل هل الرأسمالية قادرة على حل هذه المشكلات؟ هل هي قادرة على تجاوز أزمتها هذه المرة؟
كان واضحاً حتى للأميركيين أن إمكانية الحل مستحيلة. ولا بد من أن نشير إلى أن الطغم المالية التي يتمحور نشاطها في المضاربات والمشتقات المالية والمديونية هي التي هيمنت في النمط الاقتصادي، ربما منذ تسعينيات القرن العشرين، وبالتالي باتت هي المتحكم في مجمل السياسات. هذه الفئة أخذت تعمل على صياغة العالم وفق ما يخدم مضارباتها، ويعزز نهب الأطراف، وكل العالم. لقد أرادت أن يكون العالم سوقاً واحدة على الصعيد الاقتصادي، وأن يتقلص دور الدولة إلى أقصى مدى، ويتحول إلى مركز شرطة لخدمة الطغم المالية التي توظف في المضاربة. هذا ما يريده الرأسمال المتحوّل إلى مال بعد أن بات ينشط في المضاربات والديون والمشتقات المالية، أن ينشط في العالم ويتحرك بكل حرية دون عوائق. وبالتالي كان يجب أن تتحوّل الطبقات المسيطرة في الأطراف إلى تابع، أو تصبح النظم أدوات في يده. وهو ما أفضى إلى نشوء نظم مافياوية في الأطراف خصوصاً.
اقرأ أيضاً:المديونية كتوظيف مالي
لقد أصبحت الكتلة الأساسية من الرأسمال في العالم تنشط في المضاربات، وباتت أضخم كثيراً من الاقتصاد الحقيقي، وأصبحت تستحوذ على 90% من حركة الرأسمال اليومية.
في سنة 2010 كان الدخل العالمي يساوي 44 تريليون دولار، في حين كانت الكتلة المالية تساوي 2000 تريليون دولار. أي ما يقارب الخمسين ضعفاً للدخل العالمي. وكانت الدولارات المطبوعة تساوي 600 – 700 تريليون. أي ما يساوي خمسة عشر ضعفاً لمجمل الدخل العالمي. وهذا يوضّح نسبة التضخم التي باتت تحكم الاقتصاد العالمي، وهي ليست نابعة أصلاً من تراكم الأرباح فقط، بل أساساً من المضاربات المالية التي ترفع القيم بشكل متسارع دون أن يكون ذلك ناتجاً من فائض إنتاجي، بل فقط نتيجة المضاربات ذاتها.
بهذا يكون الاقتصاد الرأسمالي قد شهد انتفاخاً ضخماً بقدرات أقل كثيراً، وبالتالي فقد بات يتشكّل في فقاعة نشهد انفجارها بشكل متسلسل عبر مظاهر متعددة. ولا زالت الفقاعة تتضخم، وبالتالي سوف تفضي إلى انفجارات مستمرة. وهذا ما نبه إليه بنك التسويات الدولية في تقريره أواسط سنة 2014، وما أشار إليه بل غيتس في تصريحات حديثة، وكذلك لمّحت إليه مسؤولة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
(كاتب وباحث فلسطيني)
اقرأ أيضاً:ما هي العولمة الاقتصاديّة؟
في أميركا حدث انهيار في سنة 1987 سُميّ "الأحد الأسود"، ثم سنة 1990، وسنة 2000 انهيار سوق التقنيات الحديثة، وسنة 2004. ثم سنة 2008 حدث الانهيار المالي الكبير الذي بدأ بأزمة الرهن العقاري. وهنا وجدنا أن أوروبا قد غرقت دولها في أزمة المديونية، بعد أن أقرضت المصارف الفرنسية الألمانية بلداناً مثل إيرلندا واليونان وإسبانيا، وباتت هذه البلدان عاجزة عن السداد، ومن ثم باتت المصارف مهدَّدة بالإفلاس.
في أميركا الحكومة ساعدت المصارف، فتحمّلت الدولة عبء الديون التي فاقت الدخل القومي، وباتت تهدد بإفلاس الدولة. وفي أوروبا أقرضت ألمانيا وفرنسا بالتشارك مع صندوق النقد الدولي الدول لكي تستطيع سداد فوائد ديونها فلا تنهار المصارف. وأصلاً كانت المديونية تفوق الدخل القومي، وكانت فوائدها تشكّل عبئاً على الميزانية. ومن ثم تصاعدت المديونية، وتصاعد عبء فوائدها.
كان واضحاً حتى للأميركيين أن إمكانية الحل مستحيلة. ولا بد من أن نشير إلى أن الطغم المالية التي يتمحور نشاطها في المضاربات والمشتقات المالية والمديونية هي التي هيمنت في النمط الاقتصادي، ربما منذ تسعينيات القرن العشرين، وبالتالي باتت هي المتحكم في مجمل السياسات. هذه الفئة أخذت تعمل على صياغة العالم وفق ما يخدم مضارباتها، ويعزز نهب الأطراف، وكل العالم. لقد أرادت أن يكون العالم سوقاً واحدة على الصعيد الاقتصادي، وأن يتقلص دور الدولة إلى أقصى مدى، ويتحول إلى مركز شرطة لخدمة الطغم المالية التي توظف في المضاربة. هذا ما يريده الرأسمال المتحوّل إلى مال بعد أن بات ينشط في المضاربات والديون والمشتقات المالية، أن ينشط في العالم ويتحرك بكل حرية دون عوائق. وبالتالي كان يجب أن تتحوّل الطبقات المسيطرة في الأطراف إلى تابع، أو تصبح النظم أدوات في يده. وهو ما أفضى إلى نشوء نظم مافياوية في الأطراف خصوصاً.
اقرأ أيضاً:المديونية كتوظيف مالي
لقد أصبحت الكتلة الأساسية من الرأسمال في العالم تنشط في المضاربات، وباتت أضخم كثيراً من الاقتصاد الحقيقي، وأصبحت تستحوذ على 90% من حركة الرأسمال اليومية.
في سنة 2010 كان الدخل العالمي يساوي 44 تريليون دولار، في حين كانت الكتلة المالية تساوي 2000 تريليون دولار. أي ما يقارب الخمسين ضعفاً للدخل العالمي. وكانت الدولارات المطبوعة تساوي 600 – 700 تريليون. أي ما يساوي خمسة عشر ضعفاً لمجمل الدخل العالمي. وهذا يوضّح نسبة التضخم التي باتت تحكم الاقتصاد العالمي، وهي ليست نابعة أصلاً من تراكم الأرباح فقط، بل أساساً من المضاربات المالية التي ترفع القيم بشكل متسارع دون أن يكون ذلك ناتجاً من فائض إنتاجي، بل فقط نتيجة المضاربات ذاتها.
بهذا يكون الاقتصاد الرأسمالي قد شهد انتفاخاً ضخماً بقدرات أقل كثيراً، وبالتالي فقد بات يتشكّل في فقاعة نشهد انفجارها بشكل متسلسل عبر مظاهر متعددة. ولا زالت الفقاعة تتضخم، وبالتالي سوف تفضي إلى انفجارات مستمرة. وهذا ما نبه إليه بنك التسويات الدولية في تقريره أواسط سنة 2014، وما أشار إليه بل غيتس في تصريحات حديثة، وكذلك لمّحت إليه مسؤولة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
(كاتب وباحث فلسطيني)
اقرأ أيضاً:ما هي العولمة الاقتصاديّة؟