الاقتصاد التونسي على صفيح النار

22 اغسطس 2016
من شعارات الثورة (أمين لاندولسي/ الأناضول)
+ الخط -
أحصى المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال شهر يوليو/تموز من السنة الحالية، أكثر من 320 تحركاً احتجاجياً بخلفية اقتصادية واجتماعية في تونس.

وفيما تنشغل الطبقة السياسية في الوقت الراهن بمفاوضات تشكيل "حكومة الإنقاذ"، وبينما تتصارع الأحزاب السياسية حول حصصها من التمثيل الحكومي، لا يعطي هؤلاء حجم الخطر المحدق بالاقتصاد التونسي الأهمية التي يستحقها. إذ إن شبح الإفلاس الذي استبعده الخبراء
الرسميون والمسؤولون الحكوميون، يلوح في أفق تونس، لتشمل تداعياته الجميع دون استثناء، بل ويهدد بإنهاء واحدة من أنجح تجارب الانتقال الديمقراطي على المستوى السياسي خلال السنوات الخمس الأخيرة في العالم العربي.

هذه سبعة مؤشرات تؤكد أن تونس تعيش أزمة اقتصادية بنيوية خطيرة:

1- لم تشهد البلاد خلال هذه السنة التي تبدأ ربعها الأخير أي تحسن في مؤشر الموازنات المالية العمومية، وتم تسجيل عجز ناهز 4 في المائة خلال السنة الحالية حسب بيان وزارة المالية بقيمة فاقت 1.5 مليار دولار. ويتزامن هذا العجز مع استمرار تباطؤ النمو الذي لم يتجاوز 0.1 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

2- بلغ العجز في الميزان التجاري خلال الأشهر التسعة الماضية من سنة 2016 ما يفوق 420 مليون دولار وبنسبة تغطية لم تتجاوز 70% وهي نتيجة تماهي مثيلتها خلال نفس المدة من سنة 2015.
يعود العجز بحسب الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان إلى طبيعة الصادرات التونسيّة التي تعتمد خصوصاً على المواد الغذائية والصناعات التحويلية التي لا تقارن من حيث القيمة المضافة بما تستورده البلاد من مواد مرتفعة القيمة.
3- سجل سعر صرف الدينار التونسي انخفاضات قياسية مقارنة بالعملات الأجنبية، حيث تم تداول الدينار بسعر بلغ 2.45 بالنسبة لليورو و2.24 بالنسبة للدولار في شهر أغسطس/ آب الماضي، وانخفض سعر صرفه 22% خلال الأشهر الستّة الأخيرة.
وفي هذا السياق، يذكر بن سليمان أن أزمة الدينار التونسي بدأت منذ شهر مايو/ أيار 2013، وهو ما اضطر البنك المركزي إلى التدخّل حينها لضخّ السيولة في سوق الصرف وتعديل الأسعار بقيمة 500 مليون دولار. لكن تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية، جعل من البنك المركزي عاجزاً هذه المرة عن التدخل، ليترك الدينار التونسي يواجه أخطر أزمة في تاريخه منذ خمسينيات القرن الماضي.

4- فاقم القرض الأخير الذي حصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.8 مليار دولار، المديونية التونسية التي بلغت بحسب وزير الماليّة 30 مليار دولار سنة 2016 لتستنزف 56% من الناتج المحلي الخام.
ويكمن خطر المديونية بحسب الباحث بن سليمان إلى طبيعة الديون التونسية وطرق توظيفها، حيث يتم تسديد خدمة الدين على حساب تمويل المشاريع التنموية والاستثمارية. كما توجه أموال القروض بحسب بن سليمان لتغطية نفقات الاستهلاك والتصرّف وهو ما يضع الاقتصاد المحلي في رحى القروض الاستهلاكية.

5- لا تنحصر أزمة الاقتصاد التونسي بالجانب المالي، بل تشمل القطاعات الإنتاجية الأهم على غرار السياحة والصناعة والفلاحة. إذ تدرجت هذه القطاعات منذ ست سنوات من مرحلة الانكماش إلى مرحلة الشلل والتراجع. وتكشف بيانات وزارة السياحة عن تراجع المداخيل السياحيّة خلال سنة 2016 بنسبة 2.1 في المائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. ولا تتعلّق مشاكل السياحة بالإرهاب وحسب، إذ تؤكد الناشطة في المجال السياحي هالة الرويمي أن هذا القطاع لا يزال يتخبّط في الارتجاليّة خصوصاً بعدما تجاهلت مختلف الحكومات ضرورة القيام بإصلاحات هيكليّة.

6- القطاع الصناعي، سجل تراجعاً ناهز 25.3 في المائة لسنة 2015 حسب الدراسة الصادرة عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد. إذ تراجع معدّل الاستثمارات في الصناعة مما انعكس على مؤشر الإنتاج الصناعي الذي تراجع بدوره بنسبة 3 في المائة خلال نفس الفترة.

7- خطر العجز والافلاس طاول قوت التونسيين، حيث لم يسلم القطاع الفلاحي من ارتدادات الأزمة الاقتصادية الشاملة، إذ تواصل عجز الميزان التجاريّ الغذائيّ بنسبة 30 في المائة ولم تتجاوز نسبة التغطية حتّى منتصف سنة 2015 ما يناهز 70 في المائة.

وقد أشارت الإدارة العامة للدراسات والتنمية الفلاحيّة إلى مدى عمق الأزمة الفلاحيّة في تونس عبر دراسة أصدرتها في بداية السنة الحاليّة، حيث بيّن التقرير تراجع إنتاج الحبوب من مليوني طن سنة 2004 إلى مليون و200 ألف طن في سنة 2014 أي بنسبة 40 في المائة تقريبا خلال عشر سنوات.
لا تعكس هذه المؤشرات الاقتصادية خطورة الوضع الاقتصادي التونسي فحسب، بل تنذر بقرب انهيار الاقتصاد المحلي الذي يسير بخطى حثيثة نحو الإفلاس.
المساهمون