الاقتتال الداخلي في الغوطة... خدمة مجانية للنظام

30 ابريل 2017
مقاتلون في برزة في 15 أبريل الحالي(عبد الفتاح حسين/الأناضول)
+ الخط -

أعاد شبح الاقتتال بين الفصائل المسلحة في ريف دمشق، والذي أطل مجدداً، صباح أول من أمس، إلى أذهان السكان في الغوطة الشرقية، صورة الأسابيع الدامية التي عاشتها مناطق هناك قبل نحو سنة، عندما اندلع اقتتال أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى من المدنيين ومقاتلي الفصائل المتنازعة. واستثمر النظام السوري هذا الأمر وقتها، عبر تقدم واسع أتاح له بسط نفوذه على كامل القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية، مسيطراً على بلدات وقرى عجز عن التقدم إليها في السابق، أبرزها زبدين ودير العصافير، قبل أن تتدخل وساطات عدة، كُلل آخرها بإنهاء الاقتتال، وكانت برعاية المنسق العام لهيئة التفاوض العليا، رياض حجاب، التي نجحت على ما يبدو بإخماد لهيب المواجهات المشتعلة حينها، من دون أن تطفئ النار تحت الرماد.

ويظهر سياق الأحداث واندلاع المواجهات مُجدداً، صباح الجمعة، بالإضافة إلى صيغة البيانات التي صدرت لاحقاً، أن خلافات "جيش الإسلام" من جهة، وفصائل أخرى ذات نفوذ واسع في الغوطة، خصوصاً "فيلق الرحمن" و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، وإن فترت في الأشهر الماضية، إلا أنها مُتجذرة وأكبر من أن تنتهي بوساطة هنا أو مبادرة من هناك. وتقول رواية "جيش الإسلام"، في بيانه الصادر عن تجدد الاقتتال في الغوطة، إن مقاتليه ما زالوا يحافظون على "مبادئ الثورة وأهدافها، مستميتين في الدفاع عن مكتسباتها، داعين إلى توحيد وجمع الكلمة ونبذ الفرقة مع جميع الفصائل من دون استثناء"، غير أن "فصيل هيئة تحرير الشام أبى إلا الاستمرار في بغيه علينا، وبشكل متكرر، وعبر التصعيد الدائم، من قطعه للطريق واعتدائه على المؤازرات المتوجهة إلى الجبهات". وتضيف إن "آخر هذه الاعتداءات اعتقال مؤازرة كاملة الليلة الماضية (28 أبريل/نيسان) كانت متوجهة نحو جبهة القابون المشتعلة وأحياء دمشق الشرقية، ما استدعى قوات جيش الإسلام للتعامل مع هذا الاعتداء ورد هذا البغي بحزم ومسؤولية لإطلاق سراح هذه المؤازرة". ونوه البيان إلى أن خلاف "جيش الإسلام" محصور "مع هيئة تحرير الشام بسبب بغيهم علينا، ونحن على وفاق تام وتواصل دائم مع جميع الفصائل الأخرى...ونؤكد لفيلق الرحمن أننا وإياهم في خندق واحد، وهو حماية الغوطة من طغيان (بشار) الأسد وعصاباته ومن الغلاة وبغيهم".

لكن "فيلق الرحمن"، المحسوب على الجيش السوري الحر، قال، من جهته، إن "جيش الإسلام" بادر بـ"الاعتداء" على مقرات "الفيلق" في عربين وبلدتي كفربطنا وحزة، مؤكداً، أن ذلك أدى إلى مقتل أحد قادته العسكريين وإصابة آخرين، مشيراً إلى أن "المستهدف بهذا الاعتداء هو فيلق الرحمن وبشكل مباشر، وكل ما أشاعه جيش الإسلام عن احتجاز مؤازراته أو قطع الطرق، وعن تحييد فيلق الرحمن عن هذا الاعتداء، هو محض افتراء وكذب". أما "حركة أحرار الشام الإسلامية"، التي لها تواجد على بعض جبهات القتال مع النظام في الغوطة الشرقية، وكانت وقفت على الحياد في اقتتال أبريل/نيسان ومايو/أيار 2016، فقد ذكر بيانها، أن مقاتلين من "جيش الإسلام" بادروا بالهجوم على "مقرات ومجاميع لبعض الفصائل في الغوطة، وحتى أن ذلك الهجوم طاول مقرات تابعة لحركة أحرار الشام الإسلامية، مع اعتقال العديد من عناصرها ضمن حملة عسكرية مفاجئة".

من جهتها، وصفت "هيئة تحرير الشام"، في روايتها للاقتتال الدائر حالياً، تصرفات "جيش الإسلام" بـ"الاعتداء والإجرام"، قائلة، إن عناصر من "جيش الإسلام" أبلغوا حاجزاً لـ"فيلق الرحمن" عند مدخل بلدة مسرابا أنهم "يريدون أن يمروا برتل يؤازر المجاهدين في القابون، وعندما مر الرتل ودخل عربين بدأوا بشكل مباغت بمحاصرة مقراتنا الحيوية، وترافق ذلك مع تحرك خلاياهم، ودخول المدرعات من محاور الأشعري وبيت سوا ومديرا". واتهمت عناصر "جيش الإسلام" بتنفيذ "تصفيات ميدانية للأسرى، وقنص وقتل المارة من عوام الناس". وأضاف البيان إن "الغوطة الشرقية لن تكون مسرحاً للتفاهمات السياسية، ومنصة للمهادنات والمصالحات مع النظام المجرم بعدما قدمت آلاف الشهداء".

ويعتبر ناشطون سوريون أن الاقتتال الدائر منذ يومين، والذي وقع ضحيته قتلى وجرحى، وإن بدا أقل حدة من سابقه في السنة الماضية، بمثابة هدية تقدمها الفصائل المتنازعة للنظام السوري، الذي يضغط عسكرياً، منذ أسابيع، لاقتحام حيي القابون وبرزة المجاورين للغوطة الشرقية، شمال شرقي مدينة دمشق. ويذهب مع هذا الرأي الناشط السياسي في حزب "الجمهورية" السوري، فادي كحلوس، الذي يحذر من أنه إذا تواصل القتال فإن "باصات المصالحة الخضراء ستكون مصير جميع الفصائل المتنازعة حالياً، خصوصاً أن الاقتتال يدور على جبهات هامة، مثل جسرين البعيدة مئات الأمتار فقط عن جبهات القتال مع قوات النظام". ويقول الناشط المتحدر من مدينة دوما إن "السبب الرئيسي يعود إلى السنة الماضية، وذلك في أعقاب محاولة اغتيال القاضي خالد طفور (أبو سليمان) في الغوطة الشرقية، والذي يعتبر على خصومة مع جيش الإسلام"، مضيفاً أن "فيلق الرحمن نجح حينها بالقبض على من حاولوا اغتيال طفور واعترفوا بأنهم مكلفون باغتيال القاضي بأوامر من شرعي عام جيش الإسلام، الذي بادر للهجوم على فيلق الرحمن لتخليص المتهمين بقتل طفور" وفق كحلوس. وتعثرت محاولات التواصل مع المتحدث العسكري باسم "جيش الإسلام"، حمزة بيرقدار، الذي اكتفى بالبيان الرسمي الصادر عن فصيله.

المساهمون