الاغتراب والمصاعب الاقتصادية يعكران صفو عيد الميلاد في حلب

26 ديسمبر 2017
الحفاظ على استمرار طقوسهم الاحتفالية والدينية (Getty)
+ الخط -


تطلّ أعياد الميلاد ورأس السنة على مدينة حلب، تزامناً مع انقضاء عام على سيطرة النظام على كامل المدينة. ككل عيد يحاول من تبقّى من مسيحيي المدينة الحفاظ على استمرار طقوسهم الاحتفالية والدينية، وسط صعوبات أمنية واقتصادية.

وتعدّ حلب من أكبر المدن العربية التي تحتضن مسيحيين باختلاف مشاربهم، كالعرب والأرمن والسريان والكلدان وطوائفهم كالكاثوليك والأرثوذوكس والموارنة والبروتستانت والإنجيليين، ويعيش معظمهم في أحياء العزيزية والسليمانية والسريان القديمة والجديدة والميدان وبستان الباشا وسليمان الحلبي.

زينة العيد مشوبة بأعلام النظام

أضيئت شجرة ميلاد كبيرة وسط حي العزيزية في حلب وترافقت إضاءتها مع حفل كبير حضره عدد من مسؤولي المدينة ورجال دين مسيحيون ومسلمون، وأعداد غفيرة من المدنيين، وككل تجمع شعبي استغله النظام لرفع أعلامه، كمحاولة إعلامية لتصوير الحياة الطبيعية في المدينة.

تقول لانا "27 سنة من حلب"، التي حضرت الحفل، "كان هناك حضور للشرطة العسكرية الروسية بلباسها العسكري، وكذلك للشبيحة وعناصر الأمن الحاملين صور بشار الأسد وأعلام النظام، بحضور وسائل إعلام، هذا الحضور لم يرق لكثيرين، فالاحتفالية دينية ومدنية، ولا داعي لوجودهم".

وتتابع "هناك عدد من رجال الدين المسيحيين يدعمون النظام في حلب، ويعملون على تسويق دعايته، ربما خوفاً من بطشه وسطوة رجالاته، وربما لمصالح شخصية. سنوات الحرب التي مضت ما زالت تُلقي بظلالها على الجميع، وكل نشاط مشوب بالحذر وله حساباته الخاصة، الجميع يخاف من غضب قيادات الأجهزة الأمنية. لا يزال من الصعب على الفرد أن يمشي لوحده ليلاً على سبيل المثال، شاباً كان أم فتاة، بسبب وجود بعض العصابات والحواجز الأمنية التي لا تلاحق المجرمين طبعاً، بل تكتفي بملاحقة الشباب والمطلوبين للأجهزة الأمنية".



احتفالات أون لاين

تسببت سنوات الصراع على مدينة حلب بتهجير كثير من مسيحيي حلب، نتيجة المخاطر الأمنية وتوقف أعمالهم، وضيق الحياة، ويكاد لا يخلو بيت مسيحي في حلب اليوم من مهاجر.

وتقول السيدة جانيت "51 عاماً" لـ "العربي الجديد": "لدي ابنتان وولد، جميعهم متزوجون، الكبرى سافرت في 2014 إلى كندا والشاب في ألمانيا والأخرى مع زوجها في لبنان، أمضيت ليلة العيد أتواصل معهم على الواتس آب، يرسلون إليّ صور أحفادي واحتفالاتهم. أصبح العيد هكذا، لا بهجة فيه ولا فرحة، لا أعلم إن كنا سوف نجتمع على طاولة العشاء مجدداً".

في حين يقول أبو كريم "45 عاماً - مدرس": "نقلت لأبنائي في أرمينيا قداس العيد عبر السكايب مباشرة، وعندما عدت إلى البيت أبقيته يعمل ليروا سهرتنا مع الجيران. يحبّون أن يبقوا على تواصل مع مدينتهم التي ولدوا وكبروا فيها وعشقوها".

اللافت أنه على الرغم من هدوء العمليات العسكرية، إلا أن حالة الهجرة ما تزال مستمرة، فيومياً يسافر العشرات من المسيحيين نحو لبنان كمرحلة أولى لهجرة طويلة الأمد، حسبما أكد كثيرون لـ "العربي الجديد".

تقول لانا: "هدأت الحرب في أحيائنا، لكن النفوس لم تستقر بعد، هناك شعور بأن الحرب قد تتجدّد في أي لحظة، كما أن الأوضاع الاقتصادية المتردية وضعف الخدمات الحكومية يدفعان كثيرين إلى الهجرة رغم تشديد شروطها، وأتوقع أن المدينة سوف يستمر نزيف شبابها حتى تخلو منهم".

مناسبة تجارية

مع قدوم أعياد نهاية العام، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تمر على المدينة، امتلأت جدرانها بإعلانات المطاعم التي تنظّم سهرات، ووصلت بعض أسعار السهرات إلى أرقام قاربت خمسين ألف ليرة، الأمر الذي يعجز عنه كثيرون، كذلك ازدانت واجهات المحلات بالأضواء والمظاهر الاحتفالية، على الرغم من استمرار انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وقد استبدلوها بالمولدات الضخمة التي تعمل بالديزل.

يقول باسل (31 سنة) "الأسعار مرتفعة جداً، كنا نشتري زينة العيد بألف ليرة، أما اليوم فيزيد سعرها عن خمسة عشر ألف ليرة. اقتصر كثيرون على شراء كمية قليلة منها، ولجأت بعض النساء إلى صناعتها منزلياً، ولم نعد نشتري الحلويات والطعام الجاهز كثيراً بسبب الغلاء، أما السهرات التي اعتدت حضورها، والكفيلة بإخراجنا من حالة الإرهاق والتعب التي نعاني منها طوال العام، لم تعد بمقدورنا نتيجة غلائها، لذلك استبدلتها بالسهرة المنزلية مع الأهل والأصدقاء".

رهاب الخدمة الإلزامية

يسيطر رهاب الخدمة الإلزامية في جيش النظام على جميع شباب المدينة الذين تجاوزت أعمارهم الثامنة عشرة، الأمر الذي يحدّ من حركتهم خشية اعتقالهم وسوقهم إلى الخدمة الإلزامية.

ميشيل (24 سنة) يقول لـ"العربي الجديد": "لم أستطع الخروج مع رفاقي لحضور القداس، والاحتفال خارج البيت، حتى إنني لم أتمكّن من زيارة بيت جدي خوفاً من الحواجز الأمنية التي توقف الشباب وتطلب أوراق تأجيل الخدمة الإلزامية. بقيت حبيس بيتي، ولا أعرف إلى متى سوف يستمر الوضع هكذا".

أما فادي؛ طالب سوري يدرس في ألمانيا، فيقول لـ "العربي الجديد": "أحببت أن أمضي أعياد الميلاد مع عائلتي بحلب. قام والدي بالتأكّد قبل شهرين أنني غير مطلوب للأجهزة الأمنية وللخدمة الإلزامية، عن طريق دفع مبلغ خمسة وعشرين ألف ليرة لأحد عناصر الأمن السياسي للتأكد من ذلك، سافرت من برلين إلى بيروت وبعدها إلى حلب، وقد استمرت الرحلة يومين متتاليين، في الماضي كانت تستغرق خمس ساعات. لم أزر حلب منذ ست سنوات، كل شيء تغيّر، حتى الأحياء التي لم يتم قصفها تجدها منهكة من قلة الخدمات. نفوس الناس تغيرت وتعبت وكثيرون قد هاجروا وتركوا بيوتهم".

المساهمون