الاشتراكي اليمني: "التحفظ" للاحتجاج وتقديم التنازلات

25 فبراير 2014
ممثل الاشتراكي لدى توقيعه على بيان لجنة الأقاليم
+ الخط -
يوجد العديد من القوى السياسية اليمينة ممن يعد رأيها محورياً في المنعطفات والقضايا المصيرية الهامة في اليمن، بما في ذلك قرار تحويل اليمن إلى دولة فيدرالية، والقاضي بتقسيم البلاد إلى 6 أقاليم (٢ في الجنوب و٤ في الشمال).

الحزب الاشتراكي اليمني، الشريك الجنوبي في الوحدة بين شطري اليمن في 22 مايو/ أيار 1990، كان من بين أبرز الأحزاب التي اتجهت إليها الأنظار بعدما طفت الفيدرالية كأحد أبرز الخيارات المطروحة ليمن ما بعد عهد الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ولا سيما أنه كان من أوائل الأحزاب التي تبنت هذا الخيار كحل للقضية الجنوبية. 

مواقف الحزب خلال الحوار الوطني أو داخل لجنة الأقاليم التي أقرت تقسيم اليمن شابها الكثير من التناقض. 
الحزب كان أول من يضع تصوره ليمن اتحادي يتكون من أقاليم في رؤية مفصلة بـ"فريق بناء الدولة"، دون أن يحدد عدد الأقاليم. لكن في رؤيته للحلول ضمن فريق "القضية الجنوبية"، اقترح الاشتراكي فترة انتقالية فترتها 3 سنوات، تقوم على الندية بين "الشمال" و"الجنوب". ويختار خلال هذه الفترة برلمان منتخب بالمناصفة يوفر "نواباً منتخبين ومفوضين شعبياً ‏للتباحث بين الطرفين بشأن شكل ‏الدولة الاتحادية التي تضمن للجنوب أن يبقى ‏موحداً متماسكاً واليمن موحداً في ‏شكل جديد".‏


ينطلق الاشتراكي في رفضه لتقسيم الجنوب إلى إقليمين من دوافع منطقية وواقعية تتعلق بالجغرافيا والتاريخ، وجوهرها أن وضع محافظة حضرموت والمحافظات الشرقية في "إقليم مستقل" يؤدي لتشظي الجنوب، في حين أن توحيد الجنوب والشرق هو من أهم "المنجزات" التي تحسب للحزب الاشتراكي إبان حكم الجنوب. ففي عهد المستعمر البريطاني، كان الجنوب مقسماً إلى ٢٢ إمارة ومشيخة.
ولأن الاشتراكي كان السباق للفيدرالية فهو يعرف المعنى الحقيقي لتطبيقها في ظروف اليمن الراهن. ولذلك كان موقف الاشتراكي ثابتاً طوال فترة الحوار الوطني لجهة رفضه تقسيم البلاد إلى أكثر من إقليمين. لكن عندما اقترب موعد اختتام الحوار، يئس الاشتراكي من امكان اقناع هادي بتبني خيار الإقليمين. وعلى الأثر غادر الأمين العام للحزب، ياسين سعيد نعمان، صنعاء، إلى الخارج للعلاج.


خطوة رأى فيها المراقبون تأكيداً من نعمان على عدم القبول بالتقسيم الذي استقر على 6 أقاليم، لكن ممثل الحزب في لجنة الأقاليم، أبو بكر باذيب، قام بالتوقيع على قرار لجنة الأقاليم "بتحفظ" وبحجة عدم الوقوف عائقاً أمام التسوية السياسية. ولم تكد عاصفة توقيع باذيب تهدأ داخل الحزب الاشتراكي حتى اجتمع المكتب السياسي وأصدر بياناً جدد فيه رفض تقسيم اليمن وفق خيار الـ٦ أقاليم ليخرج بعدها نعمان عن صمته الذي امتد لأسابيع ويدعم البيان، مؤكداً أنه لن يسمح بعد الآن بتهميش الحزب.
هذه المواقف المتناقضة أثارت تساؤلات عن حالة التخبط داخل الحزب. الأمين العام المساعد للحزب، أبوبكر عبدالرزاق باذيب، أوضح لـ"العربي الجديد" أنهم في الحزب، لا يرفضون الدولة الاتحادية والأقاليم وإنما يتخفظون (تحفظاً) على خيار 6 أقاليم.

وع
وعما إذا كان الحزب يعتقد أن خيار الأقاليم سيحل "القضية الجنوبية"، يقول باذيب إنه يمكن أن يكون "مدخلاً إلى الحل"، نافياً في حديثه لـ"العربي الجديد" أن يكون سفر نعمان إلى الخارج له علاقة بتحفظ الحزب على صيغة الأقاليم الستة.
من جهته، يعتبر الكاتب الاشتراكي، مصطفى راجح، المعارض لخيار الفدرالية، أن الحزب أراد الفدرالية استناداً الى الطريق المسدود أمام القضية الجنوبية الذي كان سائداً قبل الثورة الشعبية، أي إنه أستند الى اليأس الذي كان في زمن صالح وليس الى الأمل الذي خلقته الثورة الشعبية.
ويرى راجح أن الفيدرالية تأتي باعتبارها استجابة فقط لرؤية معينة لحل القضية الجنوبية وليست حلاً لمشكلة الدولة واعادة بنائها استجابة لحاجة كل اليمنيين وبموجب أولوياتهم ونتاجاً لإرادتهم الشعبية.
يذكر أن الاشتراكي كان من أبرز الأطراف الداعية إلى اللامركزية والأقاليم الإدارية بعد تصاعد الخلافات بين شريكي الحكم (الاشتراكي برئاسة علي سالم البيض، والمؤتمر الشعبي برئاسة علي عبدالله صالح).
يومها كانت التطورات بين الفرقاء أسرع من أي حل وبلغت ذروتها باندلاع حرب صيف 94 التي خرج الاشتراكي على إثرها من السلطة وانتقل إلى صفوف المعارضة.
لم يتخل الحزب في ذلك الحين عن الدعوة لانصاف الجنوب مما لحق به بعد حرب ٩٤ وعانى من ممارسات صالح الانتقامية، لكن إلى العام 2007، لم يكن خيار "الفيدرالية" يتردد إلا من قبل بعض القيادات المحسوبة على الاشتراكي.


وبعد اندلاع احتجاجات في المحافظات الجنوبية على خلفية حقوقية وتجاهل السلطات اليمنية لها حتى تحولها إلى مطالب سياسية توّجت بولادة "الحراك الجنوبي" ومطالبته بفك ارتباط الجنوب عن الشمال، عادت الفيدرالية كمطلب على لسان قيادات في الحزب الاشتراكي.
واعتبر الأمين العام للحزب، ياسين سعيد نعمان، في تصريح صحافي في العام 2008، أنها الحل للوضع في اليمن، قبل أن يتم تبني خيار الفدرالية والأقاليم ضمن خيارات أخرى شملتها مبادرة لأحزاب المعارضة في العام 2009 أطلق عليها "وثيقة الإنقاذ الوطني". وهي المرة الأولى التي تجمع فيه أحزاب المعارضة على تبني هذا الخيار.