بشكل دوري، كالعادة، تعود إلى تونس سجالات التعدّد الهوياتي. مؤخراً، أثارت سيّدة تونسية في وسائل الإعلام ما اعتبرته "مظلمة" حين رفض أعوان تسجيل المواليد الاسم الذي اختارته لمولودها، بدعوى أن الأسماء الأمازيغية، وغير العربية بصفة عامة، ممنوعة على التونسيين.
قد يستغرب شق كبير من المجتمع التونسي وجود نصوص قانونية كهذه، حيث إنه لا يحتكّ بها على اعتبار أن مروحة الأسماء تكون عادة من المتداول العربي، حتى أن بعض وسائل الإعلام قد نشرت بمناسبة هذه الحادثة قوائم بالأسماء الممنوعة في تونس، تماماً كقوائم سلع ممنوعة، ووجود قوائم كهذه يثير أكثر من إشكالية.
أولى هذه الإشكاليات يتعلّق بفكرة المواطنة نفسها، فكيف لدولة، تدّعي دستورياً أنها لا تتدخّل في الانتماء الديني، أن تتدخّل في تسمية الأفراد؟ وهو أمر يمتد إلى دائرة أوسع تتعلّق بمنطق وصاية عام تدير به الدولة التونسية شؤونها، وتقف في مواجهة عدائية تجاه تعبيرات ثقافية ليس المكوّن الأمازيغي سوى عيّنة منها، فالأمر نفسه كان أكثر حدة تجاه التعبيرات الإسلامية، وهي سياسات يفسّر بها كثيرون ارتفاع منسوب التشدّد الديني الذي أخذت تعرفه تونس بمرور العقود.
ما الذي يخيف الدولة من إطلاق اسم أمازيغي على طفل تونسي؟ وهل استطاعت الدولة إسقاط متداول العبارات الأمازيغية في العامية التونسية؟ وهل تستطيع الدولة مثلاً منع مواطن تونسي يقيم في إيطاليا أو فرنسا من إطلاق اسم أمازيغي أو حتى أوروبي على ابنه والذي سيكون تونسياً؟
من الإشكاليات الأخرى التي تطرحها الحادثة مسألة تحجّر القوانين رغم مرور الزمن، فقد وضعت هذه النصوص ضمن رؤية دولة الاستقلال، التي تبحث عن بناء هوية جمعية موحّدة. اليوم، مرّت رياح ومياه كثيرة ولا تزال هذه النصوص مثل صندوق مغلق.
يجدر هنا أيضاً أن ننظر في فضاء النقاش الأساسي، وسائل الإعلام، والتي لا تدخل هذه الجدالات إلا بمنطق عرض آراء من هم مع ومن هم ضدّ، دون أن تكون حاضنة لإنتاج رؤى متجانسة تبلورها السلطة التشريعية في نصوص.
نذكر هنا أن رواية "الطلياني" لـ شكري المبخوت قد طرحت المسألة (وإن بشكل عابر) مع شخصية زينة المتمرّدة، والتي كانت تحمل اسماً أمازيغياً في البيت واسماً عربياً رسمياً، ويبدو أن هذه الوضعية كانت تعبّر عن شرخ يفسّر جزءاً من تمرّدها على المجتمع التونسي.
من دون مقاربات شبيهة، في مجالات شتى، من الأدب إلى مباحث العلوم الإنسانية، ستظل هذه الإشكاليات المجتمعية ممتنعة عن الإدراك ومجرّد سجالات قابلة للتوظيف السياسي، والأدهى أن الدولة لن تكون أكثر من مجموعة تعليمات جاهزة في عقل موظف تسجيل المواليد.