الاستعباد الوظيفي يطارد العمال العرب

08 سبتمبر 2015
المؤسسات تبحث عن الربح على حساب العمال (فرانس برس)
+ الخط -
رواتب هزيلة، غياب للتغطية الصحية والاجتماعية، ترقية تحوّلت إلى سراب يطاردها الموظف والمستخدم العربي سنوات دون بلوغها، كلها عوامل وأخرى تدفع العاملين في القطاعات العامة والخاصة إلى البحث عن فرص عمل ثانية وأكثر، يغطون بها أعباء وأكلاف أسرهم اليومية. في استطلاع للرأي سابق أجراه ملحق "الاقتصاد الجديد"، أظهرت النتائج أن 96% من المشاركين يجمعون على "حاجة المواطن العربي إلى عمل ثانٍ ليعيش وليس لتحسين ظروف عيشه فقط".

الأمن الوظيفي

وفي تقرير لمؤسسة "أفضل مكان للعمل" (مقرها في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية)، يظهر أن مقومات الأمن الوظيفي تتلخّص بناءً على مقابلات أجرتها المؤسسة مع موظفين من 12 دولة حول العالم، في "ضمان برامج التدريب والتطوير المحفّزة للنجاح، ودعم العمل الجماعي، كذا اعتماد سياسة الحوافز والمكافآت والتقدير المادي والمعنوي للموظفين والمستخدمين، بالإضافة إلى توفير وسائل الترفيه والجوانب الاجتماعية لهم ولأسرهم".
كل هذه العوامل مقارنة بواقع بيئة العمل داخل المؤسسات العربية سواء العامة أو الخاصة منها، تظل غائبة، وذلك ما يدفع 45% مثلاً من السودانيين، حسب دراسات متطابقة، إلى اللجوء لمهن جانبية بعد دوام عملهم الصباحي، فيما يمتهن 65% من المصريين أكثر من مهنة واحدة، خاصة داخل القطاع الحكومي الذي يضم أكثر من 6 ملايين موظف.
ويرى عضو لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل العربية، علي صبيح، أن ظاهرة الأعمال الجانبية أو الهامشية في الدول العربية، غدت مسألة عادية تقبلها حتى المؤسسات الحكومية، وهذا، من وجهة نظره، أمر غير مقبول. ويؤكد صبيح في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن الخلل يتجلّى أولاً في مستويات الأجور في الدول العربية، والتي تدفع المواطن لامتهان أكثر من وظيفة وعمل من أجل أن يأكل ويسكن فقط.

اقرأ أيضاً:مشاريع الشباب: وجه جديد للبطالة المقنّعة واستغلال التمويل

ويوضح صبيح أن أجور الموظفين العرب والمستخدمين تكفيهم إلى أبعد تقدير 15 يوماً في الشهر فقط، حيث لا تتناسب معدلاتها مع مستويات العيش داخل الدول العربية، ولا يمكن براتب واحد، حسب المتحدث نفسه، تأمين حاجياتهم الأسرية. ويقدم صبيح المثال بالعراق، الذي يحتاج فيه المواطن، في مختلف المناطق، معدل راتب شهري يراوح في المتوسط بين 500 و1000 دولار أميركي كي يؤمّن الحاجيات الأساسية، دون التفكير في تحسين ظروفه المعيشية.
ويشدد علي صبيح على أن المهن الثانية أو الهامشية، تؤثر بالدرجة الأولى على إنتاجية المؤسسات العربية، سواء الحكومية أو الخاصة، إذ يصبح مردود الموظف والمستخدم يوماً بعد يوم أقل وأضعف بسبب الإرهاق وعدم التركيز وانعدام الإحساس بالانتماء إلى المؤسسة التي يعمل فيها.

الأجر أساس العمل

ويرتبط البحث عن عمل ثانٍ بقيمة الأجر الذي يحصل عليه الموظفون خاصة في المؤسسات الحكومية، وحسب آخر دراسة أنجزتها منظمة العمل الدولية نشرتها عام 2012، فإن مستويات استفادة الموظفين من الحد الأدنى للأجور "ضعيف إلى متوسط"، حيث تبلغ نسبة الموظفين الذين يستفيدون من الحد الأدنى للدخل بالجزائر 38% من إجمالي عدد الموظفين، و42% من هؤلاء في اليمن لهم دخل شهري يبلغ الحد الأدنى للأجور.
أما مصر فتصل النسبة إلى 52%، وبالنسبة للبنان تلامس النسبة ذاتها 62%، أما في تونس فتبلغ نسبة من لهم دخل في حده الأدنى 68%. هذا في ما يخص الموظفين في القطاعات الحكومية، أما بالنسبة للعمال، فتظهر دراسة صادرة عن المصدر نفسه، أن تطبيق الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 59% من النسبة المئوية لمجموع العمال في مصر، وتصل النسبة في اليمن إلى 41.6%، وتبلغ في المغرب 44.4% فقط.
من جهته، يرى عضو مجلس إدارة منظمة العمل الدولية ميلودي موخاريق، أن جميع التوصيات التي تقدم بها ممثلو الموظفين والعمال والمستخدمين العرب في لقاء القاهرة الأخير، والخاصة بالعمل اللائق، تمت المصادقة عليها، لكن هناك معوقات حقيقية تواجه تطبيقها.
ويعرّف موخاريق العمل اللائق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بضمان الأمن الوظيفي، والأجر الذي يحفظ كرامة الموظف والعامل، بالإضافة إلى التغطية الاجتماعية والصحية، وهي في نظره عوامل تغيب داخل المؤسسات العربية إلى حد كبير.

اقرأ أيضاً:الشيخوخة: نصف العمال العرب بلا تغطية صحية بعد التقاعد

ويؤكد أن عدداً كبيراً من المؤسسات أصبح يسعى للبحث عن الربح على حساب كرامة وحقوق العمل والمستخدمين، أولها تقليص نسبة الأجور، والاعتماد بشكل كبير على التوظيف بعقود عمل مؤقتة، وانتشار قوي للعمل الهش الذي يرهق الطبقة العاملة، ويدفعها لامتهان أكثر من وظيفة.
ويقدم موخاريق دراسة أنجزها الاتحاد المغربي للشغل الذي يشغل منصب أمينه العام، كشفت أن أسرة مكونة من أب وأم وطفلين يضمن لها الحد الأدنى للأجور في المغرب (244 دولاراً في القطاع الخاص و309 دولارات في القطاع العام)، العيش بأبسط الشروط الممكنة لمدة 11 يوماً من الشهر فقط، بل أدت موجة غلاء الأسعار، حسب المتحدث، إلى تقليص المدة إلى 9 أيام، ما يدفع العمال والمستخدمين إلى اللجوء نحو القطاعات غير المهيكلة للبحث عن عمل ثانٍ.

اقرأ أيضاً:جيوش المتسوّلين: ظاهرة باقية وتتمدّد لتتحوّل إلى تجارة واستثمار
المساهمون