أكثر فأكثر، يزداد ملف الخدمة الإجبارية والاحتياطية في قوات النظام السوري تعقيداً، وقد صار الأمر يمثّل عبئاً ثقيلاً على الشبان الذين يُطلَبون إلى الخدمة الاحتياطية ويهدَّدون بقطع أرزاقهم ويُمنَعون من إجراء أيّ معاملة رسمية، إذ تعمّم أسماؤهم كما لو أنّهم مجرمون مطلوب القبض عليهم.
ويرى عشرات آلاف الشبان السوريين في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أزمة في ذلك. نشأت واحد من هؤلاء، وهو موظف في إحدى المؤسسات العامة، يقول لـ"العربي الجديد": "نتعرّض اليوم لملاحقات وتضييق حتى نحمل السلاح في قوات النظام. وقد وصلتني أخيراً دعوة للالتحاق بالخدمة الاحتياطية كانت بمثابة صاعقة. فأنا اليوم مهدّد بالفصل من عملي وتعميم اسمي على كل الجهات الأمنية كأيّ مجرم أو قاتل. كذلك سوف أحرم من التصرّف بممتلكاتي وإن كنت لا أملك سوى منزل صغير، فأنا لن أتمكن من البيع أو الشراء أو إبرام عقد إيجار أو القيام بأيّ معاملة رسمية في حال لم ألتحق بالخدمة قريباً جداً".
ويتابع نشأت: "لو فرضنا أنّني التحقت بالخدمة، فكيف تكون حال عائلتي؟ راتب الخدمة لا يكفي كمصروف شهري لابني الذي لم يكمل عامه الأول. أنا أعمل كذلك في المساء ولساعات طويلة، وعلى الرغم من كلّ ذلك أضطر إلى الاستدانة في أغلب الأشهر من دون أن أتمكّن من تأمين حاجات أساسية كثيرة لعائلتي". ويشير إلى أنّ "الذين يلتحقون بقوات النظام يمضون بمعظمهم أشهراً عدّة من دون الحصول على رواتبهم".
من جهته، يقول مؤيد، الذي توظّف قبل سبعة أعوام بعد نيله شهادته الجامعية لـ"العربي الجديد"، إنّه "بعدما وصلني أكثر من تبليغ من شعبة التجنيد للالتحاق بالخدمة الاحتياطية وصدور قرار حكومي يقضي بفصل جميع الموظفين غير الملتحقين بالخدمة، لم يعد أمامي من خيار سوى الالتحاق". يضيف أنّ "دخلي الوحيد هو راتبي الوظيفي ولا أستطيع السفر، كذلك لا أملك مكاناً ألجأ إليه خارج دمشق. وفي حال جلست في المنزل، كيف أطعم أولادي؟". ويتابع: "لم أحبّ السلاح يوماً، وخدمتي العسكرية كانت من أسوأ أيام حياتي. وأنا أعلم أنّ الخدمة في الجيش تعني الذهاب إلى المجهول. فأنا لا أعلم متى تنتهي تلك الخدمة، وأين يكون موقعي، وما هو شكلها، وإذا كنت سوف أحصل على إجازات أم أنّني سوف أضطر إلى التغيّب لأشهر قبل أن يُسمح لي بالعودة لرؤية أطفالي. لكنّني لا أملك سوى خيار القبول بالأمر الواقع".
أمّا شادي، وهو موظف في إحدى الدوائر الحكومية في دمشق، فلا يتوقّع أن يعيد تجربة الخدمة العسكرية، بحسب ما يؤكد لـ"العربي الجديد"، ويقول: "لم يتطلب اتخاذي قرار الامتناع عن تلبية دعوة الخدمة الاحتياطية تفكيراً طويلاً، فذاكرتي مليئة بالتجربة القاسية مع هذه المؤسسة. وهذا يجعلني لا أفكر بتكرار التجربة مرة أخرى". يضيف: "عندما علمت بأنّ اسمي عُمّم على الحواجز الأمنية بسبب عدم التحاقي بالخدمة العسكرية الاحتياطية، انقطعت مباشرة عن العمل وانتقلت إلى قريتي. فهي تبقى أكثر أماناً من المدينة". ويلفت شادي إلى أنّه "إلى جانب وظيفتي، كنت أقوم بأعمال إضافية. فراتب الدولة لم يكن يكفي لشراء الخبز مثلما يقال، لذلك لا أسف عليه"، مؤكداً أنّه "لو أعطوني 10 أضعاف راتبي لما التحقت بقوات النظام. والموضوع غير مرتبط بالخوف من الموت، بل يعود إلى غياب الثقة بالنظام وبإدارة المعركة والهدف منها، بالإضافة إلى عدم ضمان مستقبل عائلة من يُقتل في المعارك. العائلة قد تنتظر لأشهر طويلة قبل الحصول على التعويضات أو الراتب، في حين يُحكى عن تكريم لأفراد العائلات يأتي بأشكال سخيفة كالصور والساعات والمواد التموينية البخسة. والحال ليست أفضل بالنسبة إلى الجرحى، ونجد مصابي حرب كثيرين يعانون ويبحثون وعائلاتهم عن جهات تساعدهم".
إلى هؤلاء، تسأل أم عمران، وهي مدرّسة متقاعدة وأمّ لأربعة شبان مطلوبين للخدمة العسكرية الإجبارية والاحتياطية: "بأيّ شرع أو حق يريدون أخذ أبنائنا إلى الموت، إلى هذه المسرحية التي نخسر فيها أبناءنا بلا أيّ جدوى. نحن نربّي أبناءنا بالفقر ونعلمهم ليصبحوا رجالاً، وهم يرمونهم في الموت من دون أيّ تقدير. وبعدما يحصل الشاب على وظيفة ويتزوّج ويبدأ حياته، يأتون إليه ويريدونه أن يذهب إلى الخدمة العسكرية، ولا أحد يفكّر بمصير أسرته وماذا يعني أن يفقد طفل ابنه أو أم ابنها". تضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "اثنَين من أبنائي فُصلا من وظيفتيهما على الرغم من أنّهما يعملان في التدريس، من أجل زجّهما في القتال، وكأنّما التعليم لا يُعَدّ معركة ضدّ الإرهاب".
في السياق، يقول الناشط الاجتماعي أبو عبد الله الشامي (اسم مستعار)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سياسة تجنيد الموظفين التي يعتمدها النظام، يحاول من خلالها تعويض النقص الشديد الذي يعاني منه في عدد المقاتلين. فهذا النقص هو الذي جعله يعتمد على المليشيات، خصوصاً أنّه فقد السلطة والقدرة على إجبار الشبان الصغار على الالتحاق بالخدمة العسكرية مثلما كان يفعل من قبل". ويشرح أنّ "هذا ما جعله يركّز على الموظفين، فهو يستطيع الضغط على هؤلاء بلقمة عيشهم. لكنّ كثيرين ضحّوا بلقمة عيشهم في مقابل عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية، وهو الأمر الذي زاد الشرخ بين المجتمع والنظام".
ويلفت إلى أنّ "النظام يحاول التضييق على الموظفين والشبان حتى لا يبقى أمامهم سوى القتال مصدراً للرزق. وهذا يؤدّي إلى نتائج سلبية إن لم نقل إنّه لا يصل إلى ما يرغب فيه، والدليل وجود عشرات آلاف الشبان على أقلّ تقدير من الرافضين للخدمة، كذلك ثمّة عناصر يتركون يومياً أماكن خدمتهم ويلجأون إلى منازلهم وبلداتهم". ويشدّد على أنّ هذا "الملف شائك وهو قنبلة موقوتة قد تكون لها آثار سلبية كثيرة اجتماعية واقتصادية".