يمضي الاحتلال الإسرائيلي بتشريد الفلسطينيين من بيوتهم في القدس المحتلة عبر هدمها واستصدار قرارات إخلاء.
لم يختر الشقيقان المقدسيان معتصم ومنتصر أبو فرحة من حيّ رأس العمود، شرقيّ البلدة القديمة، مصير عائلتَيهما المؤلفتَين من ثمانية أفراد واللتَين صارتا الأربعاء الماضي في العراء. والقدس تعاني وأهلها من جرّاء ما تُقدِم عليه آلة الهدم الإسرائيلية، إذ إنّ قوات الاحتلال لا تتوانى عن تدمير أيّ منزل أو بناء ملحق أضيف إلى منزل عائلة توسّعت لجهة عدد أفرادها.
وكانت أسرتا الشقيقَين أبو فرحة قد انتظرتا 48 ساعة بعد إجبارهما على إخلاء شقّتَيهما في المبنى المؤلّف من طبقتَين، قبل أن تعمل جرّافات الاحتلال الإسرائيلي صباح الأربعاء على هدم جدران المبنى وتحويله إلى ركام. فالأمر الصادر عن رئيس بلدية الاحتلال اليميني المتطرف نير بركات كان يقضي بهدم المبنى من دون إبطاء، وذلك بالتأكيد من دون الاكتراث لمصير العائلتَين، خصوصاً أطفالهما الستّة. يُذكر أنّ العائلتَين كانتا قد نجحتا في استصدار أمر مؤقت قبل يوم واحد، يرجئ عملية الهدم لمدّة خمسة أيام.
يروي معتصم أبو فرحة لـ"العربي الجديد" كيف داهم الجنود المدججّون بالسلاح محيط المنزل ومنعوه وشقيقه من الاقتراب بينما تولّت الجرافات عملية الهدم. يضيف: "كانوا كالمجانين. أغلقوا مدخلَين يؤديان إلى المبنى ومنعونا من الاقتراب. كان ما شاهدناه مأساوياً وقد انهارت الجدران والأسقف بضربات الجرافات الضخمة. بالتأكيد، فإنّ أمراً مماثلاً لا يحدث في القدس الغربية ولا في المستوطنات المقامة على أراضينا هنا. بالعكس، هم يبنون مزيداً من الوحدات الاستيطانية في أحياء رأس العمود والشيخ جراح وسلوان. بالتالي، فإنّ الهدم لنا والبناء لمستوطنيهم".
ويشير أبو فرحة إلى أنّ المبنى المهدّم "شُيّد قبل أكثر من عام، ونحن حاولنا الحصول على رخصة بناء من دون جدوى. فبلدية الاحتلال تفرض شروطاً قاسية جداً على بناء الفلسطينيين في القدس، سواء بإجراءات الترخيص أو من خلال ما تفرضه من رسوم عالية تصل إلى أكثر من 50 ألف دولار أميركي للرخصة الواحدة". ويقول: "مرّة أخرى نعود اليوم إلى بيوت مستأجرة"، شارحاً أنّ "الإيجارات هنا مرتفعة وبالكاد يستطيع المواطن المقدسي تحمّلها. لكنّنا باقون هنا. بالعربي: مش طالعين من هون".
ليس بعيداً عن حيّ رأس العمود، تقع بلدة العيسوية شماليّ شرق القدس المحتلة، التي تُعَدّ واحدة من الأهداف المفضلة لبلدية الاحتلال. يقول محمد أبو الحمص من لجنة المتابعة في البلدة لـ"العربي الجديد" إنّه "لا يمرّ يوم تقريباً من دون أن تداهم طواقهم الهدم التابعة للبلدية بلدتنا وتسلّم مزيداً من إخطارات الهدم. وآخرها كان مساء الثلاثاء الماضي، عندما سُلّمت إخطارات عدّة تستهدف مباني حديثة وأخرى قيد الإنشاء وكذلك مباني كانت قد شُيّدت قبل سنوات طويلة. وهو ما يعني أنّ الأمر يأتي عشوائياً وكمجرّد سياسة انتقامية من قبل الاحتلال بات الكلّ يلمسها بوضوح بعد هبّة الأقصى الأخيرة".
وتفيد بيانات لمراكز حقوقية عدّة ترصد عمليات الهدم في القدس المحتلة، ومنها مركز معلومات وادي حلوة - سلوان، بأنّ قوات الاحتلال هدمت منذ بداية عام 2017 وحتى نهاية يوليو/ تموز من العام الجاري 2017 ما مجموعه 105 منازل ومنشآت سكنية وتجارية في مختلف قرى القدس المحتلة وبلداتها، كذلك سلّمت إخطارات بالهدم تشمل 214 منزلاً ومنشأة وأجبرت سبعة مقدسيّين على هدم منازلهم بأيديهم، فيما استولت مجموعات من المستوطنين على سبعة منازل في القدس المحتلة خلال المدّة نفسها. يُذكر أنّ عدد المباني التي هُدمت في العام الذي سبقه بلغ 123 منزلاً ومنشأة.
في السياق، تشير دراسة أعدّها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في عام 2016 إلى أنّ 180 أسرة فلسطينية - على أقلّ تقدير - في القدس الشرقية، رُفعت ضدّها قضايا إخلاء من منازلها بمبادرة من منظمات استيطانية يهودية. أمّا آخر عملية إخلاء جرت في حيّ الشيخ جراح في القدس، فكانت لأسرة شماسنة المقدسية التي تقيم في منزلها منذ عام 1964.
من جهتها، أفادت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية غير الحكومية بأنّ القدس الشرقية سجّلت خلال عام 2016 أعلى عدد من عمليات الهدم إذ وصل إلى 254 منزلاً ومنشأة، في مقابل 114 في عام 2015، و208 في العام 2014، و71 منزلاً في عام 2013، و208 في عام 2011، و124 في عام 2010. إلى ذلك، هُدِم 15 منزلاً بأيدي أصحابها خلال عام 2016، بعدما تلقّوا أوامر هدم من بلدية الاحتلال، وذلك حتى يتجنّبوا تسديد تكاليف الهدم والغرامات المالية التي تفرضها البلدية. وقد خلّفت عمليات الهدم في عام 2016 ما مجموعه 295 شخصاً من بينهم 160 قاصراً، بلا مأوى.