وبحسب التقرير، فقد تراكم في ميزانية دولة الاحتلال مبلغ 58 مليون شيقل منذ أواسط التسعينات، بفعل عدم إرجاع هذه الأموال التي كان يفترض بأصحابها استعادتها، خاصة في الحالات التي كانت الغرامة القضائية النهائية التي ألزموا بدفعها أقل من الكفالة التي تم إيداعها، أو في الحالات التي تم فرض فيها دفع كفالة مالية عالية لضمان مثول المواطن الفلسطيني، في حالة مخالفات جنائية أو مخالفات سير، أمام المحكمة، حتى بعد إطلاق سراحه دون تقديم لائحة اتهام ضده.
وفي كل الأحوال، فإن الأموال التي دفعها الفلسطينيون ظلت محتجزة لدى الاحتلال، وكان على الفلسطيني العادي أن يمر بدروب من الحواجز البيروقراطية والقانونية، والحواجز الفعلية للاحتلال، لمتابعة تحصيل حقه وماله.
ووفقا للتقرير الذي يعتمد على معلومات من "مصدر أمني"، فإنه لا يوجد أي توثيق لحجم الأموال المشابهة التي دفعها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة قبل سنوات التسعينات، ولا أين ذهبت هذه الأموال وما هو مصيرها.
ويكشف التقرير عن أن أول إشارة لهذه الأموال جاءت في تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي الأخير، نشر في الشهر الماضي، في الفصل الخاص بعمل المحاكم العسكرية، حيث كان حجم الأموال الفلسطينية التي أودعت في هذه المحاكم 56.9 مليون شيقل، بعدما أعيد في العامين الأخيرين جزء من هذه الأموال.
ويشير التقرير إلى أن "الإدارة المدنية" تضع عراقيل بيروقراطية هائلة حتى أمام نشطاء يسار إسرائيليين، وجمعيات لحقوق الإنسان، حاولت مساعدة المواطنين الفلسطينيين في استعادة أموالهم، مثل اشتراط إبراز قسيمة الدفع، ثم قرار من المحكمة العسكرية بإلغاء الغرامة أو الكفالة، ثم أمر مصدّق بعدم وجود مانع من إعادة المال لصاحبه الفلسطيني، مع ما يلزم ذلك من مراجعات لدوائر مختلفة في "الإدارة المدنية"، وما يلزمه ذلك من إصدار تصاريح لاجتياز الحواجز العسكرية الإسرائيلية، ثم أخيرا تعقيدات إدارية في تحويل المبلغ لفرع البنك الذي يتعامل معه المواطن الفلسطيني.
ووفقا للتقرير، فإن الإدارة المدنية اعترفت ببدء تراكم المال الفلسطيني منذ سنوات التسعينات، لكن دون أية معطيات عن السنوات التي سبقت ذلك.
وتبين مثلا أن حجم هذه الأموال بلغ 40 مليون شيقل (أكثر من 11 مليون دولار أميركي) عام 2011، ارتفعت عاما بعد عام لتصل في يونيو/ حزيران الحالي إلى 58 مليون شيقل.
ولفتت الصحيفة إلى أن موقع منسق نشاطات الاحتلال في الضفة والقطاع عدل في موقعه الرسمي إشارة إلى ما سماه "جبل المال الفلسطيني"، مع شرح حول هذه الأموال وطرق الوصول إليها لاستعادتها.
ومع أن 7000 شخص دخلوا هذه الصفحات، إلا أن المصدر الأمني الإسرائيلي أبلغ صحيفة "هآرتس" أن مئات فقط تجاوبوا وأرسلوا تفاصيل لمحاولة فحص استحقاقهم لأموال كانوا دفعوها، وسبل استعادتها.
ووفقا للتقرير، فقد كان حجم هذه الأموال قد بلغ العام الماضي 62 مليون شيقل (17.30 مليون دولار)، وتراجع هذا العام إلى 58 بعد أن تمكن المئات من الفلسطينيين من استعادة أموال أودعوها في المحاكم العسكرية والدوائر المختلفة للاحتلال في سنوات سابقة.
وبحسب التقرير، أعاد الاحتلال الأسبوع الماضي فقط نحو 5 ملايين شيقل لنحو 3000 مواطن فلسطيني. وفي العام 2017 أعاد الاحتلال 2.4 مليون شيقل من هذه الأموال لأصحابها، مقابل 400 ألف شيقل فقط تمت إعادتها عام 2016.
قدورة فارس: دولة لصوص
وقال رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "الكفالات تؤخذ من الأسير في كثير من الأحيان عن قضايا بسيطة لا وزن لها، وتكون شرطا للإفراج، وحينما تدفع ويفرج عن الأسير تبقى هناك إجراءات محاكمة، وتتم تبرئة الأسير من التهم الموجهة له، لكن تبقى المماطلة في استرداد قيمة الكفالة، والتي قد تستمر لنحو تسعة أشهر".
وشدد فارس على أن "آلية إعادة الكفالة لأصحابها معقدة، لدرجة أن المحامين يتعبون في متابعتها، حتى تصل بأصحابها درجة الملل وإمكانية التخلي عنها، لأن ذلك يستنزفهم، وقد يكلفهم دفع مبالغ تفوق قيمتها قيمة الكفالة نتيجة المتابعة".
وأشار رئيس نادي الأسير الفلسطيني إلى أن "تلك الكفالات تراكمت نتيجة تلك المماطلات، وهو أمر ينسجم مع أن دولة الاحتلال هي دولة لصوص بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فإسرائيل تسعى دائما إلى إثقال كاهل الشعب الفلسطيني".
من جانبه، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدري أبو بكر، في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن سنتابع مع المحامين كيفية رفع دعاوى من أجل استرجاع هذه المبالغ، التي قد تكون قيمتها أكثر من هذا المبلغ، ولكن نحن غير قادرين على تحديد قيمتها"، مشيرا إلى أن هذه الأموال الأصل فيها أن تعود إلى أصحابها، أو إعادتها للسلطة الفلسطينية لإعادتها إلى أصحابها.