الاحتفال بعيد "النوروز" يتخطى كورونا والقمع الأمني في سورية

21 مارس 2020
يشارك المحتفلون بالرقص والغناء حول شعلة النار(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
يحتفل الأكراد في سورية بعيد "النوروز" في 21 مارس/ آذار من كل عام، وهو يوم الاعتدال الربيعي، وبات يُعتبر يوم عطلة في كل البلاد اعتباراً من سنة 1986، عندما قام الأكراد في دمشق بتظاهرة ضخمة أمام القصر الجمهوري احتجاجاً على منعهم من الاحتفال بالعيد، فأصدر الأسد الأب مرسوماً رئاسياً بجعل اليوم عطلة رسمية، ولكن بمناسبة عيد الأم، وذلك بعد سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين، على الرغم من أنه من المعروف أنّ الاحتفال بعيد الأم في سورية كان يحصل في 13 مايو/أيار من كلّ عام.
وكلمة "نوروز" كلمة مركبة في اللغة الكردية مكونة من مقطعين: "نو" وتعني الجديد و"روز" وتعني اليوم، وبذلك يكون معناها "اليوم الجديد"، حيث يعود احتفال الأكراد بهذا اليوم إلى عهود تاريخية قديمة.
وفي مدينة القامشلي، وعلى الرغم من منع الإدارة الذاتية للتجمعات بسبب المخاوف من انتشار فيروس كورونا، إلا أن الأهالي تجمعوا في الشوارع للاحتفال، حيث تقول نوجين شيخاني (25 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كل عام أحتفل مع عائلتي وأصدقائي بالنوروز، وعادة أقوم بشراء ثوب تقليدي مزركش، ولا نقوم كفتيات بإشعال النيران، فمهمة إشعالها تقع على عاتق الشباب، إلا أننا نشارك بحلقات الرقص والغناء ليلة العيد حول شعلة النار، وفي يوم العيد نخرج لأحضان الطبيعة، حيث نلتقي بأصدقائنا ونرقص ونغني، ونتابع الفرق المسرحية التي تقوم عادة بعرض أعمال مسرحية تراثية واسكتشات تمثيلية ناقدة وتقدم فقرات غنائية وراقصة".
ويقارن بختيار فرج (42 عاماً) بين فترة القمع وبين الواقع الحالي، حيث يقول لـ"العربي الجديد": "الآن نمارس ونشارك كل طقوس النوروز بحرية شبه مطلقة، بينما أتذكر أننا كنا سابقاً، وأقصد قبل الثورة، نتعرض لضغوطات أمنية والتحقيق على يد عناصر الفروع الأمنية، وكنا مهددين بالفصل من المدارس والجامعات، أو بالطرد من الوظيفة، وتم اعتقال الكثيرين لفترات متفاوتة تتراوح بين أيام وسنوات، وحرمانهم من كلّ حقوقهم المدنية والقانونية".
بدوره، يذكر كيفورك كره بيت (45 عاماً) لـ"العربي الجديد"، كيف كان يلاحَق من قبل قوات الأمن التابعة للنظام، وعلى الرغم من أنه أرمني إلا أن الاحتفال بعيد النوروز كان يشكّل مناسبة لا يمكن له تفويتها، ويقول: "لست كردياً. أنا أرمني، لكنني كنت أشارك زملائي وأصدقائي في الحي بالاحتفال بليلة النوروز، كنا نشعل النار وكنا نتعرض للملاحقة من الأمن ونضطر للهروب، وأذكر أنهم كانوا يلاحقوننا بسيارات الإطفاء، وتم إلقاء القبض علي ذات مرة، وتعرضت للتوبيخ والصفع على وجهي، والإهانة اللفظية والجسدية، وأذكر أنهم كانوا يخشون من الحالة الوطنية والوعي الوطني، فكان مهم جداً للنظام أن تبقى كل قومية أو مكون قومي أو طائفي وديني ضمن شرنقته متقوقعاً على نفسه ليسهل لهم التعامل مع الحالة".
ويضيف كره بيت: "بعد قيام الثورة، تفاءلنا خيراً، وتظاهرنا دعماً لأطفال درعا وحمص والغوطة، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نحتفل بالنوروز سوياً كعيد وطني سوري، مع أبناء دمشق وحمص ودرعا وكل المدن السورية، فالتنوع قوة والتفرقة ضعف".
وعلى الرغم من الظروف الصعبة، تصرّ الستينية أم شيرين على التمسك باحتفال عيد النوروز، وتؤكد لـ"العربي الجديد" عزمها على مواصلة هذا الأمر وتقول: "سوف نحتفل بالنوروز مهما ساءت الظروف، فكل سنوات القمع والتنكيل لم تمنعنا من الاحتفال سراً أو علانية، سواء داخل المنازل أو بإشعال شمعة أو بالخروج لأحضان الطبيعة، ولن يمنعنا وباء الكورونا أيضاً، سوف نتخذ كلّ الاحتياطات الوقائية الممكنة وسوف نجعله فرحة كبرى ويوماً رائعاً للاحتفال".
وفي جلسة في فبراير/ شباط 2010، قرّرت منظمة "اليونسكو" إدراج عيد النوروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، كما اعترفت بيوم 21 مارس/آذار بوصفه "يوم نوروز الدولي".
ويكتسب العيد عند الأكراد خصوصية ويعتبرونه عيداً قومياً ووطنياً تعود جذوره التاريخية إلى أسطورة يعتقدون بها تقول إنّ ملِكاً ظالماً كان يحكم كردستان، اسمه أزدهاك (الضحّاك)، وكانت هناك أفاعٍ على كتف الملك، واقترح عليه مستشاروه أن يطعمها دماغ شاب أو شابين كل يوم. وقام أحد الحدّادين وكان اسمه (كاوا)، وهو واحد من الأطفال الذين تم تهريبهم سراً واخفاؤهم في الجبال على يد أحد الحكماء، بتقديم أدمغة الخراف بدلاً من أدمغتهم، وحين اشتد عودهم وكثرت أعدادهم أعطوا إشارة البدء بالثورة، بإشعال النار ليلة 20 مارس/ آذار فوق قمة الجبال، ليفتح لهم أبواب القصر ويقوموا بقتل الملك الظالم (الضحاك) صبيحة 21 مارس/ آذار. وهذه الأسطورة تمّ سردها وتناقلها عبر أجيال، حيث اعتبر كاوا الحداد محرر الشعب الكردي من ظلم الملك الضحّاك.
وكانت الإدارة الذاتية قد اتخذت إجراءات للوقاية من فيروس كورونا، منها حظر التجوال وإغلاق المدارس والمعابر، إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع الأهالي من الاحتفال بعيد النوروز في مناطق سيطرتها.
المساهمون