وتواجه المعارضة السورية استحقاقات هامة خلال شهر أغسطس/آب الحالي، وشهر سبتمبر/أيلول المقبل، في ظل تبدلات كبرى طرأت على الملف السوري، ربما تفرض على الهيئة العليا للمفاوضات، أبرز عنوان سياسي للمعارضة، القيام بـ"قراءة مؤلمة" لواقع سياسي جديد يبعدها شيئاً فشيئاً عن مبتغاها في إجراء تغيير سياسي "عميق" في البلاد يقوم على انتقال سياسي من دون بشار الأسد، وأركان حكمه.
وأجهضت منصتا "القاهرة"، و"موسكو" محاولة من الهيئة العليا للمفاوضات لعقد اجتماع في مقر الأخيرة بالعاصمة السعودية الرياض منتصف الشهر الحالي لبحث إمكانية توحيد وفد المعارضة المفاوض في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة. واعترض رئيس منصة موسكو، قدري جميل، على مكان عقد الاجتماع، مفضلاً أن يلتقي أطرافه في مدينة جنيف السويسرية، في حين أن منصة القاهرة "طلبت التريث" لإجراء مشاوراتٍ قبل عقد الاجتماع، وهو ما أدى إلى تأجيله وربما إلغائه.
ولم ينتظر المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، طويلاً بعد تعثر لقاء الرياض، فدعا إلى اجتماع تقني في سويسرا يجمع الهيئة العليا للمفاوضات، ومنصتي "القاهرة"، و"موسكو" في الثاني والعشرين من الشهر الحالي، لمناقشة السلال الثلاث المتعلقة بالحل السياسي في سورية، وهي: الدستور، والانتقال السياسي، ونظام الحكم.
وأشار المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الموفد الأممي "دعا إلى متابعة اللقاءات التقنية بين منصتي موسكو والقاهرة من جهة، وبين الهيئة العليا من جهة ثانية وليس إجراء حوار بينها". وكانت لقاءات تقنية بين الأطراف الثلاثة قد جرت في مدينة لوزان السويسرية قبيل الجولة السابقة من جولة جنيف التفاوضية، وتم التوافق على بعض النقاط، وخصوصاً العملية الدستورية. وترى هذه الأطراف أن مسألة كتابة الدستور خاصة بالشعب السوري، وترفض مسودة دستور روسي وضعه خبراء روس، عرضته موسكو على المعارضة في مسار أستانة، وحاولت فرضه بشتى السبل.
ويبدو أن الموفد الأممي يحاول جسر هوّة الخلاف الكبير بين الأطراف الثلاثة حول مجمل القضايا الكبرى التي تخص التوصل لحل سياسي في سورية. كما يسعى إلى توحيد المعارضة السورية في وفد تفاوضي واحد من خلال ضم منصتي القاهرة وموسكو إلى وفد الهيئة العليا.
ويأتي مسعى الموفد الأممي بالتزامن مع جهود روسية تهدف إلى "تطعيم" وفد المعارضة بشخصيات تتماهى تماماً مع رؤية موسكو للحل في سورية والقائم على إعادة إنتاج النظام. وتصرّ الهيئة العليا للمفاوضات على أنها الجهة الوحيدة المخولة إقليمياً ودولياً لمفاوضة النظام والتوصل لحلول سياسية قابلة للصمود في سورية. وتطرح فكرة إشراك المنصتين في وفدها المفاوض، بشرط الموافقة على المحددات السياسية للهيئة المتعلقة بالتفاوض، وهو ما ترفضه المنصتان اللتان تقدمان قراءة مختلفة للقرارات الدولية ذات الصلة، وتتهمان الهيئة العليا بمحاولة الهيمنة على قرار المعارضة السورية.
وذكرت مصادر في الهيئة العليا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التواصل "لم ينقطع مع منصتي "القاهرة"، و"موسكو"، مشيرة إلى أن الهدف "هو الوصول إلى رؤى سياسية مشتركة، اعتماداً على المحددات الرئيسية للمعارضة السورية المقرة في مؤتمر الرياض1"، الذي عقد أواخر عام 2015، وتمخض عن الهيئة العليا للمفاوضات.
وأشارت المصادر إلى أن أولى هذه المحددات استحالة إجراء انتقال سياسي بوجود بشار الأسد، وأركان نظامه في السلطة، موضحة أن المحددات تنص على "إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، ومحاربة الإرهاب، وخروج المليشيات الأجنبية، وفصل السلطات". وأكدت المصادر أنه في حال التوافق على هذه المحددات "يمكن تطوير العلاقة مع المنصتين"، مشيرة إلى أن هناك نقطتين يجب التوافق عليهما مع "القاهرة"، و"موسكو"، وهما: مصير بشار الأسد، والاعلان الدستوري.
وتصر الهيئة العليا على رحيل بشار الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية، وإيقاف العمل بدستور عام 2012، الذي كتبه النظام والاعتماد على إعلان دستوري مؤقت يحكم المرحلة الانتقالية، قبيل وضع دستور دائم للبلاد تجري على أساسه انتخابات.
وتُتَّهم منصتا "موسكو"، و"القاهرة" بالمهادنة مع النظام في العديد من نقاط الخلاف، أبرزها مصير بشار الأسد، إذ لا يعتبر هذا الأمر شرطاً مسبقاً لدى المنصتين اللتين لا تملكان أي حضور فاعل في الشارع السوري المعارض، وهو ما يقوّي موقف الهيئة العليا التي تؤكد أنها ستظل أمينة على مبادئ الثورة، وأهمها استبعاد بشار الأسد عن أي حل سياسي.
لكن الهيئة العليا التي تستعد لمؤتمر الرياض2 في أكتوبر/تشرين الأول المقبل تقف على مفترق طرق صعب، لا سيما أن سياسة "اللاءات" التي تنتهجها ربما لم تعد مجدية في ظل تبدلات كبرى طرأت على الملف السوري. ويرى دبلوماسي سوري معارض أن هناك تفاهماً روسياً أميركياً على حل سوري يقوم على تقاسم نفوذ وتثبيت للنظام، ولو بوجه جديد يخدم أغراض من له القدرة على فرض مستقبل سورية.
ويرى الدبلوماسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تراخي إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما "سمحت للروس والإيرانيين بخلق وقائع لا يمكن القفز فوقها في سورية من قبل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب"، وهو ما يفرض على المعارضة إجراء مراجعات "واقعية"، وفق المصدر.
ومن المرجح أن تعقد جولة ثامنة من مفاوضات جنيف بين المعارضة والنظام في سبتمبر/ أيلول المقبل، في محاولة جديدة للتوصل إلى رؤية مشتركة لحل سياسي، ترى المعارضة أنه "لا يزال بعيد المنال"، مرجحةً أن يكون مصير الجولة الجديدة أقرب إلى مصير التي سبقتها، إذ يصر النظام على أولوية مناقشة موضوعة "الإرهاب" كي يتهرب من الاستحقاق الأبرز وهو الانتقال السياسي وفق بيان جنيف1، والقرار 2218، وقرارات دولية أخرى.
وتسبق جولة جنيف الثامنة، جولة جديدة من مسار مباحثات أستانة أواخر الشهر الحالي لتثبيت اتفاقات أبرمتها روسيا مع المعارضة السورية تخص ثلاثاً من مناطق خفض التوتر الأربع، وهي: جنوب سورية، والغوطة الشرقية، وشمال حمص. وبقيت المنطقة الرابعة وهي محافظة إدلب، التي من المرجح أن تأخذ حيزاً من محادثات أستانة، لا سيما إثر سيطرة هيئة تحرير الشام المستبعدة من الاتفاقات عليها. ويشكل مصير محافظة إدلب تحدياً كبيراً للمعارضة السورية التي تحاول تفادي الأسوأ والمتمثل بعودة القصف الجوي الذي ينال من المدنيين، والمرافق الحيوية أكثر من أن ينال من مقاتلي الهيئة المذكورة.