الاتفاق النووي يتوكأ على عكازتين في الكونغرس الأميركي

24 يوليو 2015
بدأت مطرقة الكونغرس تتحسّس نقاط ضعف الاتفاق (الأناضول)
+ الخط -

بدأت مطرقة الكونغرس تتحسس نقاط ضعف الاتفاق النووي الدولي مع إيران مع بدء الجلسات الرسمية الأولى لمناقشة الاتفاق التي تخللها سخونة وحدة ناجمة عن أعضاء جمهوريين بارزين في مجلس الشيوخ والنواب بأن الاتفاق النووي مع إيران حولها من دولة منبوذة إلى دولة مقبولة وأصبح الكونغرس هو المنبوذ.

وعبر عن هذا الانطباع صراحة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السناتور، بوب كوركر، وهو الأمر الذي ولد شعوراً عاماً بأن الاتفاق سيظلّ طوال ما تبقى من الستين يوماً المخصصة لمراجعته يترنّح بين مطرقة مجلس الشيوخ، وسندان مجلس النواب جراء الثقة الغائبة في نيات القيادات الإيرانية.

ولوحظ عند قدوم وزير الخارجية جون كيري، للدفاع عن الاتفاق أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن الوزير لا يزال يتوكأ على عكازتين جراء الإصابة التي تعرض لها عند سقوطه من على دراجة هوائية في سويسرا أثناء إحدى جولات المفاوضات الصعبة مع إيران.

ولم تكف العكازتان اللتان يتوكأ عليهما كيري لإسناد الاتفاق النووي ذاته في الوقوف أمام مطارق الكونغرس التي يبدو أن معظمها من صنع إسرائيلي، حيث إن قوة طرقاتها كشفت وجود رغبة جامحة بين المؤيّدين لإسرائيل لإفشال الاتفاق بأي ثمن.

وعلى الرغم من أن دفاع كيري وصف بأنه قوي ومقنع إلا أن انطباعاً عاماً ساد في نهاية الجلسة بين المراقبين، بأن الجمهوريين وأنصار إسرائيل في الكونغرس لن يمرروا الاتفاق بالسهولة التي ينشدها جون كيري، بل ارتفع كذلك منسوب القلق بين المؤيدين للاتفاق وبين المعلقين السياسيين المستقلين من تلقي الاتفاق ضربة قاضية خلال جلسات الجدل المقرر استمرارها لشهرين.

وطبقاً لما يمكن فهمه من دفاع كيري عن الاتفاق، فإن العكازتين اللتين يتوكّأ عليهما الاتفاق يقتصران على حجة عدم وجود بدائل سلمية أخرى يمكن عن طريقها الوثوق بامتثال إيران لها وإجبار الإيرانيين على الإيفاء بها، إلى جانب إدراك قادة الكونغرس أن أي استمرار للعقوبات الأميركية على إيران سيكون بلا جدوى، بمعزل عن المجتمع الدولي، إذ إن بقية الدول الكبرى تتوق إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من استئناف النشاط الاقتصادي مع إيران، ولن تساير أميركا إذا ما قرّرت واشنطن التراجع عن الاتفاق.

أما نقاط الضعف القوية التي يعول عليها قادة الحزب "الجمهوري" في سعيهم لإجهاض الاتفاق فهي كثيرة وتتمثّل بدرجة رئيسية في ضعف مستوى الثقة بالقيادات الدينية الإيرانية، ليس من جانب المعارضين الجمهوريين للاتفاق فقط بل حتى بين أعضاء إدارة الرئيس باراك أوباما بمن فيهم كيري نفسه الذي لم يبدُ عليه الوثوق بإيران أثناء دفاعه عن الاتفاق معها.

وعلم "العربي الجديد" أن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر الموجود حالياً في المنطقة، كان أكثر تركيزاً على هذه النقطة في خطة تسويقه الاتفاق بين حلفاء الولايات المتحدة غير المقتنعين بفعاليته، فقد ذكر أكثر من مصدر أن كارتر لا يرى أي جدوى من الثقة بإيران ولا أي ضرر من عدم الثقة بها، بل يرى أن الأهم من ذلك هو إحكام الرقابة على مشروعها بموجب الاتفاق وعدم الركون للثقة أو الخوف من غيابها.

ويتماشى منطق كارتر مع الاتجاه السائد بين العامة في عدم الوثوق بالسياسيين بشكل مطلق بغض النظر عن البلدان التي ينتمون إليها، ولكن هذا المنطق يصطدم بعقبة أخرى أثارها بعض أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وهي عدم الثقة في مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ إن التجارب الأميركية معهم تنبئ بأن الحكومة الإيرانية قد تلجأ لاستغلال التباينات المتوقعة في الآراء بين الخبراء الأميركيين والخبراء الدوليين لتنفذ من خلالها محققة بعض الاختراقات لصالح مشروعها النووي.

ولأن كيري وقف أمام لجنة تشريعية له تاريخ حافل في عضويتها وفي رئاستها فهو يدرك بلا شك خلفيات الأسئلة التي يطرحها أعضاء اللجنة، ولذلك فقد شدّد في شهادته على أن الصفقة التي تم إبرامها مع إيران ليست كما يصفها المعارضون لها بأنها "مخادعة"، ولا كما يصفها آخرون بأنها نوع من الاستسلام التام من جانب إيران، بل اتفاق سياسي معقول لا يمكن لإيران انتهاكه من دون أن تواجه عواقب وخيمة.

وقال جون كيري خلال شهادته إن الاتفاق يضمن فرض رقابة محكمة وسيطرة على إنتاج اليورانيوم، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية، مضيفاً أن الإيرانيين قد حصلوا على ما يريدون خلال العشر سنوات الماضية التي كانت العقوبات مفروضة عليها فيها، والسؤال حالياً هو حول كيفية منعهم من إنتاج السلاح النووي، مشيراً إلى أن الاتفاق يحقّق هذا الهدف.

من جانبه، قال رئيس اللجنة السناتور بوب كوركر، لكيري "أعتقد أن الإيرانيين ابتزوكم"، وتابع "بهذه الصفقة حولتم إيران من دولة منبوذة، لتجعلوا الكونغرس هو المنبوذ".

واتهم كوركر إدارة أوباما بالتقوقع بين خيارين "إما الاتفاق أو الحرب"، وهو ما أيده في ذلك السيناتور الجمهوري عن ولاية آيداهو جيمس ريش، والذي سخر ممن يصفون الاتفاق بالجيد، وقال: "مع كل احترامي لهم، لقد تم خداعهم ولكنهم لن يدفعوا ثمن الخديعة التي تعرضوا لها بل إن الشعب الأميركي هو الذي سيدفع الثمن".

وعلى الرغم من أن الجمهوريين يتمتعون بمزايا حزب الأغلبية في مجلس الشيوخ إلا أنهم لا يمتلكون نسبة الثلثين في أي من مجلسي الكونغرس، وهي النسبة المطلوبة لتجاوز رأي الرئيس، ولهذا يحاول الجمهوريين استمالة بعض زملائهم من الحزب "الديمقراطي" للتصويت إلى جانبهم، فقد دعا السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب "الديمقراطي"، لمعارضة الاتفاق، ومن غير المستبعد وجود عدد من الديمقراطيين، وإن كان محدوداً، ممن لديهم استعداد لتلبية طلب يرضي رغبة أصلية لديهم.

ولوحظ خلال الأيام القليلة الماضية أن القنوات التلفزيونية الأميركية بمختلف توجهاتها السياسية بدأت تبث سيلاً من الإعلانات التلفزيونية تتضمن تحريضاً للرأي العام ضد الاتفاق النووي مع إيران، وتطالب الأميركيين بالضغط على ممثليهم في الكونغرس لرفض الاتفاق.

وأشارت مصادر إعلامية أميركية إلى أن لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) تقف وراء تنظيم هذه الحملة الإعلانية بمعية جماعات ضغط أميركية أخرى مؤيدة لإسرائيل.

ولفتت بعض التقرير إلى أن هذه الجماعات خصّصت ما قد يصل إلى أربعين مليون دولار لهذا الحملة الإعلانية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تواصل بحثها عن ثغرات في الاتفاق النووي الإيراني

المساهمون