الاتفاق المائي الإسرائيلي-الفلسطيني: خطوة أولى في مخطط "السلام الاقتصادي"

15 يوليو 2017
التوقيع على الاتفاق المائي الإسرائيلي-الفلسطيني برعاية أميركية(رونين زفولين/فرانس برس)
+ الخط -
بات الحلم الإسرائيلي القديم قاب قوسين أو أدنى من التحقق، بعد توقيع اتفاق فلسطيني-إسرائيلي برعاية أميركية، يخصص للفلسطينيين 32 مليون متر مكعب من مياه مشروع "ناقل البحرين" (قناة البحرين الأحمر والميت)، لتنتهي بذلك آخر العثرات التي تقف أمام تنفيذ المشروع الذي كشفت الحركة الصهيونية مخططاته عام 1902، وليستقر اليوم أحد أسس "السلام" الإقليمي، عبر البوابة الاقتصادية، أو "السلام الاقتصادي" الذي تروج له الإدارة الأميركية في ما يصطلح على تسميته "صفقة القرن".

قناة البحرين التي أثارها مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، تيودور هرتزل، في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902، مشروع تشترك فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم مع الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية. يستند تنفيذ المشروع إلى مذكرة تفاهم وقّعتها الأطراف المعنية في ديسمبر/ كانون الأول 2013، في واشنطن، بشهادة وحضور كل من حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي، بقيمة تزيد عن مليار دولار.

وفور توقيع الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي، في مدينة القدس المحتلة، وبرعاية الممثل الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، المكلف بالمفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، بحضور رئيس سلطة المياه الفلسطينية، مازن غنيم، ووزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، تساحي هانغبي، خرج البيت الأبيض مهللاً للاتفاق كخطوة في إطار مساعي الإدارة الأميركية للتوصل إلى اتفاق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحصل توقيع الاتفاق في القدس المحتلة، بما يحمل من إشارات سياسية تتزامن مع زخم الحديث عن "صفقة القرن" التي تحضر لها الإدارة الأميركية، للتوصل إلى "سلام" إقليمي يمهد لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. وقال مازن غنيم إن "التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي تمّ برعاية أميركية"، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن "المفاوضات حول الحقوق المائية لم تبدأ بعد".

كذلك فإن الأردن "المتعطش" للمشروع لاعتبارات اقتصادية وسياسية، خرج ليشيد، على لسان وزير مياهه، حازم الناصر، بالاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي، واصفاً الاتفاق بـ"المكسب الكبير للفلسطينيين". وقبل ذلك وصفه رئيس الوزراء الأردني السابق، عبد الله النسور، في عام 2013، بـ"الصفقة الرابحة".

وحاولت دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ خمسينيات القرن الماضي تحويل المشروع من فكرة في كتاب هرتزل إلى واقع على الأرض. لكنها فشلت مراراً، ليعاد إحياؤه بعد توقيع "اتفاق أوسلو" مع الفلسطينيين عام 1993، و"معاهدة وادي عربة" مع الأردن عام 1994. وأطلق عليه حينها "أنبوب السلام" قبل أن يعود ليستقر على مسماه التاريخي "ناقل البحرين".

ويلخص المشروع بإنشاء خط ناقل للمياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت بطول 180 كيلومتراً، يجر ما مجموعة 200 مليون متر مكعب من مياه "الأحمر"، تتخلله إقامة محطة تحلية، توفر ما مقدراه 100 مليون متر كعب من المياه العذبة تتقاسمها الجهات الثلاث لسد احتياجاتها، على أن تصرف المياه المالحة، بعد عملية التحلية، باتجاه البحر الميت للمساهمة بإحيائه بعدما تراجع منسوبه بشكل خطير.

وبموجب الاتفاق ستحصل دولة الاحتلال على 50 بالمائة من المياه، فيما يتقاسم الأردن والسلطة الفلسطينية الـ50 بالمائة الأخرى، وهو ما يعتبره معارضو الاتفاق إضراراً بالمصالح الأردنية والفلسطينية، وهدراً للحقوق المائية التاريخية، وتساهلاً في إدارة ملف المياه حتى في حدود ما تضمنت معاهدات السلام مع إسرائيل. وبحسب ما هو معلن أردنياً، فإن المملكة لا تحتاج للمياه التي ستحلى من المشروع الواقع في جنوب المملكة، في وقت تحتاج فيه للمياه من أجل تلبية احتياجات محافظات الشمال الأربع (أربد والمفرق وجرش وعجلون). ووفقاً للحكومة الأردنية، فإنها ستقوم ببيع حصتها من المياه المحلاة في الجنوب لإسرائيل بسعر دينار للمتر المكعب، لتوفر على نفسها كلفة نقل المياه إلى الشمال، مقابل شراء المياه من بحيرة طبرية في الشمال بثلث السعر للمتر المكعب.

وهي أرقام محل تشكيك من قبل معارضي المشروع، والذين يحملون على الحكومة الأردنية لعدم شفافيتها، كما يقول المقرر العام السابق لبرنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة، سفيان التل، والذي يؤكد أن "ناقل البحرين هدف ومنفعة إسرائيلية بحتة، وكل الحديث عن استفادة أردنية فلسطينية ما هو إلا محاولات بائسة لتجميل المشروع وتسويقه شعبياً".

والفلسطينيون سيحصلون بموجب الاتفاق على 32 مليون متر مكعب من المياه (22 مليون متر مكعب للضفة الغربية و10 ملايين متر مكعب لقطاع غزة) مقابل 33 مليون دولار، وهي كميات في حال التزام إسرائيل بتوريدها لا تعبر عن الحاجة الفلسطينية المتنامية للمياه. ويغذي الشكوك الفلسطينية غياب الشفافية في التعامل مع المشروع، وتاريخ طويل من قيام الإسرائيليين بسرقة المياه الفلسطينية، حتى المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة.

وفي تصريحات سابقة يقول الأمين العام للمبادرة الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إنه "لا يوجد وضوح في ما يتعلق بناقل البحرين"، مشيراً إلى عدم تداول المشروع في المؤسسات الفلسطينية واحتكاره من قبل جهات محددة. ويلفت إلى أن منتوج المياه في الضفة الغربية يصل إلى 930 مليون متر مكعب سنوياً، تأخذ إسرائيل منها ما لا يقل عن 800 مليون متر مكعب، ويبقى للفلسطينيين منها 130 مليون متر مكعب فقط، وفق تأكيده.

والذريعة الأخرى للمشروع، بيئية، تفترض إنقاذ البحر الميت الذي ينخفض مستواه بمعدل متر سنوياً، وذلك من خلال ضخ المياه المالحة بعد عملية التحلية إليه. في المقابل، حذرت تقارير ودراسات بيئية من آثار المشروع "الكارثية" على خصائص البحر الميت. وفي هذا السياق، يؤكد سفيان التل أن البحر الميت بعد المشروع سيفقد كثيراً من خصائصه الفريدة نتيجة لاختلاط مياهه بالمياه المنقولة إليه، مشيراً إلى أن إسرائيل هي من تتحمل المسؤولية الكاملة عن الأضرار التي لحقت بالبحر وتمثلت بتراجع منسوبه، وذلك منذ سيطرتها على منابع نهر الأردن وتحويل روافده التي كانت تغذي البحر الميت.

يشار إلى أن البريطانيين طرحوا لأول مرة فكرة حفر قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت خلال خمسينيات القرن التاسع عشر بديلاً من قناة السويس.

المساهمون