الاتحاد الأوروبي ومنتجات المستوطنات الإسرائيلية

14 نوفمبر 2015
+ الخط -
تقوم اتفاقات التعاون والشراكة التي يوقعها الاتحاد الأوروبي مع الدول على قاعدة المنشأ، وفحواها أن المزايا التفضيلية التي تمنح لمنتجات ما، بموجب هذه الاتفاقات، تكون على أساس أن هذه المنتجات تأتي بالفعل من تراب البلد الموقع على الاتفاقية، أي أنها وطنية المنشأ، ولا تأتي من طرف ثالث، وهذا لتجنب تصدير دول منتجات مستوردة على أنها محلية، أو قادمة من أراضٍ يعتبرها الاتحاد محتلة. وهي قاعدة تقوم عليها كل الاتفاقيات الدولية للتعاون والتبادل التجاري الحر، مثل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية. ويواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة في تطبيق هذه القاعدة في اتفاقاته مع إسرائيل. فعقب الخلاف بين الإتحاد الأوروبي وإسرائيل في 1997 حول منشأ المنتجات الإسرائيلية، ندّد تقرير للمفوضية الأوروبية، صدر في 13 مايو/أيار 1998، بانتهاك إسرائيل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الطرفين. ويتعلق الأمر بمشكلة الواردات الأوروبية من إسرائيل، وخصوصاً من الأراضي العربية المحتلة، وبإعاقة إسرائيل تنفيذ الاتفاق الاقتصادي الانتقالي بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية. وتمنح الاتفاقيات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ومنها اتفاق الشراكة الموقع في 1995، والذي دخل حيز التنفيذ في 2000 (وإن كانت بعض أحكامه دخلت حيز التنفيذ قبل هذا التاريخ، بموجب اتفاق انتقالي بين الطرفين) نظام مزايا تفضيلية للمنتجات الإسرائيلية ينسحب على أراضي إسرائيل في حدود 1967، ولا ينطبق على الأراضي العربية المحتلة (الضفة والقطاع والقدس الشرقية والجولان). بيد أن إسرائيل صدّرت منتجات آتية من المستوطنات، على أنها منتجات تغطيها هذه الاتفاقات الاقتصادية. لذا، طالب الاتحاد الأوروبي إسرائيل باحترام بنود الاتفاقيات التي وقعت عليها. وكان رد فعل إسرائيل قوياً آنذاك، حيث اعتبرت حكومة نتنياهو، حينها، أنه لا يحق للاتحاد الأوروبي تحديد حدود إسرائيل عبر أدوات اقتصادية، وأن أي قرار أوروبي سيحد من دور الاتحاد في عملية السلام، لكن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ إجراءات حازمة مثل التي اتخذها في 1994حيال المغرب، بسبب الخلاف حول الطماطم المغربية المصدرة إلى الاتحاد، وضد موريتانيا في 1996 بسبب الخلاف حول موضوع الصيد البحري. بل تدعم التعاون (الاقتصادي والتجاري والعلمي) بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

وبقي ملف قاعدة المنشأ مسألة خلافية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، على الرغم من تعميق التعاون بينها في كل المجالات. وتوجب انتظار نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ليتخذ الاتحاد الأوروبي قرار وضع ملصقات محددة للمنشأ على المنتجات (في مقدمتها الخضر والفواكه، وزيت الزيتون والعسل والخمور) الآتية من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (بما في ذلك القدس الشرقية) والسورية (الجولان) المحتلة عام 1967 لتمييزها عن بقية المنتجات الإسرائيلية، على أساس أن المستوطنات غير شرعية من منظور القانون الدولي.
التداعيات الاقتصادية لهذا القرار نسبية للغاية، ذلك أن تقديرات المفوضية الأوروبية تفيد بأن المنتجات الإسرائيلية المعنية بهذا القرار لا تتجاوز 1% من المبادلات التجارية بين أوروبا وإسرائيل، والتي بلغت قيمتها 30 مليار يورو في 2014 (مع عجز تجاري لإسرائيل التي تستورد ما قيمته 17 مليار يورو من الاتحاد وتصدر إليه 13 مليار يورو). وإن كان القرار يعني أن الاتحاد سيدقق عملياً في منشأ البضائع الإسرائيلية التي تدخل أراضيه. أما تداعياته السياسية فقوية، على الأقل من الناحية الرمزية، ذلك أن الاتحاد يعطي بعداً سياسياً واضحاً للاتفاقيات الاقتصادية التي يوقعها مع إسرائيل، على الرغم من علاقته التعاونية المميزة معها، ويصرّ على ضرورة احترامها هذه الاتفاقيات، فالقرار يتوافق تماماً ومضامين الاتفاقات الموقعة بين الطرفين، فاتفاق الشراكة، مثلاً، ينص في أكثر من مادة على أن المنتجات المعنية بنظام المزايا التفضيلية ينسحب على المنتجات الآتية من تراب الطرفين (تراب إسرائيل وتراب دول الاتحاد الأوروبي)، وبما أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الضفة والقطاع والقدس الشرقية والجولان محتلة، فهو يقصي منتجات المستوطنات الإسرائيلية من نظام المزايا هذا. ومن ثم فقراره محاولة لفرض تطبيق بنود الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والحد من التفافها على هذه البنود، بتصديرها منتجات قادمة من المستوطنات، على أنها منتجات إسرائيلية آتية من داخل حدودها الدولية المعترف بها.
لم يكن قرار الاتحاد الأوروبي تطبيق قاعدة المنشأ مفاجئاً لإسرائيل، لأن القضية قديمة، فضلاً عن عودتها إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، وتم إرجاؤها أكثر من مرة، إلى أن تحرك الاتحاد، في نهاية الأمر، بعدما طلبت 16 دولة من دوله الأعضاء في ربيع 2015 بضرورة اتخاذ قرار في هذا الشأن. بالطبع، أثار هذا القرار سخط إسرائيل التي تستخدم الحجج نفسها منذ سنوات: القرار سيقوّض عملية السلام (وكأنه تبقى ما يمكن تقويضه من هذه العملية!) وأنه سيحد من دور أوروبا في هذه العملية، وسيشجع على مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بل ويشجع على الإرهاب. وهي حجج تسويقية، قصدها تخويف الاتحاد الأوروبي، للعدول عن قراره. ويوظف نتنياهو الذي كان في الحكم حين تأزمت العلاقة بين الاتحاد وإسرائيل في 1997 حول الموضوع نفسه، الحجج نفسها.