احتفل الإيرانيون بالاتفاق النووي مع الغرب، وعمت فرحتهم الشوارع، فيما يأمل كثيرون من بينهم أن يجلب الاتفاق نتائج إيجابية على المستوى الشعبي، خصوصاً لناحية إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد؛ وهو الهم الأساسي الذي أثقل كاهل الشعب الإيراني لسنوات طويلة.
من ناحية أخرى، فإنّ الترقب والقلق يسيطران على الكثير من الإيرانيين. فهؤلاء يخافون من عدم رفع العقوبات. وهي النقطة ذاتها التي يركز عليها بعض المسؤولين خصوصاً المحافظين. كما أنّ أبناء التيار المحافظ يشكلون شريحة لا يستهان بها في إيران على المستوى الشعبي. وهؤلاء لا يثقون بالغرب عموما وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص، ويرفضون تقديم تنازلات مصيرية.
ويدخل الإيرانيون في تفاصيل دائرة الانتظار تلك، وتخرج تساؤلات من قبيل: "كيف ستلغى العقوبات؟"، و"هل ستلغى تدريجيا أم بشكل فوري؟"، و"هل سيمنح هذا الامتياز لطهران بعد التأكد من إيفائها بوعودها المكتوبة في الاتفاق؟".
تقول السيدة الأربعينية ابتهاج إنها فرحت بالاتفاق المعلن عنه من سويسرا، فهي تريد لبلادها أن تبدأ مرحلة تعامل جديدة مع العالم. وتشير إلى أنّ الأهم بالنسبة لها هو إلغاء العقوبات الاقتصادية، فتحسن الظروف المعيشية هو ما سيكفل تحسن المجتمع على كافة المستويات بحسب تعبيرها. ومع ذلك، تضيف أنّه بعد مرور فترة من الإعلان عن الاتفاق باتت تأمل أن يلتزم الغرب بالبنود الملقاة على عاتقه. كما تطالب الحكومة الإيرانية بالسعي الحثيث لتخليص الإيرانيين من ضغط المعيشة، مع الاحتفاظ بحق طهران النووي في الوقت نفسه.
أما الثلاثيني حامد فيبدي عدم تفاؤله بما سيحمله المستقبل للبلاد. ويقول إنّ الظروف الإقليمية تتجه نحو التأزم، وكل هذا سينعكس سلبا على إيران. ويتابع أنّ انتهاء أزمة النووي لا يعني تخلص إيران من ثقل كل الملفات الأخرى، ما سيؤثر على الوضع الاقتصادي أيضا، وربما يمنع الغرب من إلغاء قرارات العقوبات. ويضيف أنّ تشعب الملفات سيجعل الجبهة التي تقابل إيران أكثر شراسة ما يعني أنّ الضغط سيزداد.
أما بالنسبة للشابة سحر فهي تعتبر أنّ الاتفاق يعني فتح الآفاق أمامها على المستوى الشخصي. وتشير إلى أنّ كل زملائها في الجامعة من الجيل ذاته يرى أنّ الاتفاق يعني فتح باب العلاقات الإيرانية مع الدول الأخرى أيضا، كما يعني إيجاد فرص عمل للشباب خصوصاً للخريجين.
الأمل والتفاؤل في بعض الأحيان، والواقعية في نظرة الإيرانيين في أحيان أخرى، هو حال أبناء المجتمع الإيراني الذي يترقب بغالبيته ما ستحمله الأشهر الثلاثة المقبلة للبلاد، والتي يعتبرونها فترة حاسمة.
من جهتهم، يرى الخبراء أنّ توقيع أي اتفاق سينعكس على الفور وبشكل إيجابي على المجتمع الإيراني. فالمشاكل الاجتماعية ناجمة بالأساس عن تظافر عوامل أخرى أنتجتها السياسات الخارجية والداخلية للحكومة الإيرانية؛ والتي تؤثر على الاقتصاد أيضاً. وكل هذا ينعكس على المجتمع انعكاساً مباشراً.
وفي هذا الإطار، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة طهران سعيد معيدفر لـ "العربي الجديد" إنّ فصل المجتمع عن باقي الملفات في إيران أمر صعب، ولا سيما أنّ غالبية المشاكل الاجتماعية ناجمة عن عوامل أخرى لا تتعلق بثقافة المجتمع ذاته. ويشير إلى أنّ الاتفاق سينعكس على الفور على حياة الإيرانيين، وهو ما شهدته السوق الإيرانية من نشاط في الأيام الأولى التي تلت الإعلان عنه. ويتابع أنّ تحسن الاقتصاد يعني التحكم بأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، والتحكم بنسبة التضخم الاقتصادي. وبالتالي ستتغير الظروف المعيشية للإيرانيين وستتحرك باتجاه الأفضل، والأهم هو انعكاس هذا الاتفاق على حلّ مشكلة البطالة.
ففي إيران ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، معظمهم من الشباب والخريجين الجامعيين. والبطالة خلال السنوات الماضية كانت السبب الرئيسي لمشكلات اجتماعية أخرى، من قبيل ارتفاع نسب الطلاق والإدمان على المخدرات، بحسب تقارير رسمية إيرانية.
ويعتبر معيدفر أنّ حصول أي فرد على فرصة عمل ملائمة تزيد إحساسه بالمسؤولية كما تزيد طاقته الإيجابية، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على حياة كل أسرة، وبالتالي على حياة المجتمع الإيراني ككل. ويوصي الأكاديمي السلطات الإيرانية بالاهتمام بهذه النقطة على وجه الخصوص. ويقول إنّ الاتفاق سيفتح الباب أمام الاستثمار الداخلي والخارجي؛ وهو ما سيزيد فرص العمل من جهة، ويؤثر على كل المجتمع ومشاكله من جهة أخرى.