الإعلام المصري من ابن الثورة إلى ابن السلطة

26 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
منذ خمس سنوات، كان أحد أهداف الثورة المصريّة تعزيز حريّة التعبير. لكنّ هذا الإعلام عاد إلى حضن السلطة، وانحاز إليها ضدّ الشعب. وفي الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، عادت وسائل الإعلام المصرية لتكون نسخةً موحّدة، تجمعه سياسة "التضليل الإعلامي"، فيما مصير من يخالف ذلك السجن.

نكسة الإعلام
اعتبر خبراء ومتخصصون في الإعلام، أن وسائل الإعلام المصرية، التي كانت نبراس نور لثورة 25 يناير، وكانت حريته من أهم مكاسب الثورة، انتقل معظمها إلى معسكر الانقلاب والارتماء في حضن السلطة.

وأكد خبراء الإعلام أن الوضع الحالي للإعلام دفع كثيرا من القنوات للاتجاه إلى الدول الأكثر تحرراً لتبث منها، حيث قالت الدكتورة فاطمة الزهراء، أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة، إن مصر انتهكت كل المواثيق الإعلامية المتواجدة حيث أن من أهم بنود مواثيق الشرف احترام حرية الصحافيين وحرية انتقالهم. من جهتها قالت الدكتورة أمل رضا أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة: "الإعلام في مصر أصبح ابن السلطة بعد أن كان ابن الثورة، فالمجلس العسكري أدرك أهمية الإعلام وتأثيره على الشعب وخاصةً بعد قيادته لثورة الخامس والعشرين من يناير، فاستغل مكانته وأصبح يتحكم به بشكل كامل فحول الإعلام الخاص ليصبح موالياً له وفي نفس الوقت مارس كل التضييقات الممكنة على الإعلام المعارض لهم".

وذكرت أن وسائل التضييق التي تمتلكها أي دولة لقمع حريات الإعلام تتمحور في أحد الأساليب التالية إما أن تضيق على الوسيلة المصادر، فلا تمدها بالأخبار وتضطهد أي مصدر يفيد هذه الوسائل بالمعلومات أو أن تقوم الدولة بالتشويش عليها من خلال القمر الصناعي أو أن تغلقها تماماً.

وحسبما أكد تقرير المرصد العربي لحرية الإعلام أن عام 2015 شهد مقتل أربعة صحافيين مصريين، وحكماً بالإعدام على صحافي والمؤبد لـ15، واعتقال 18 آخرين، وتعرض 45 مراسلاً ميدانيا لاعتداء بدني، و60 آخرين لاعتداء لفظي وتعامل خشن، ومنع 1850 من التغطية خلال عام 2015 فقط.

وأبرز الانتهاكات في حق القنوات الإعلامية ظهر في اقتحام قوات الأمن قناة الجزيرة مباشر مصر، وإلقاء القبض على طاقمها على الهواء مباشرة بعد الانقلاب، وتكرار اقتحام المكتب والاعتداء على طاقم العمل أكثر من مرة إلى جانب التشويشات المستمرة على تردداتها كما اعتقلت طاقم قناة "مصر 25".

كما اعتقلت السلطات الصحافي أحمد أبو دراع مراسل "المصري اليوم"، التي يعرف عنها تأييدها للنظام، أثناء تغطيته أحداث سيناء بتهمة نشر أخبار كاذبة، وحكمت عليه المحكمة العسكرية بـ6 شهور حبسا مع إيقاف التنفيذ. كما قتل الصحافي تامر عبد الرؤوف مراسل جريدة "الأهرام" في البحيرة في كمين للجيش.

وفي 2015 صدر بمصر 14 قراراً بحظر النشر في قضايا تشغل الرأي العام، مخالفين بذلك النص الدستوري بحرية تدفق وتداول المعلومات، وتم إيقاف طباعة نسخ من جريدة اليوم السابع ليوم 30 ديسمبر، كما حجب موقع "العربي الجديد" عن المتصفحين في مصر.
وأشار الدكتور سليمان صالح أستاذ الصحافة بكلية إعلام القاهرة إلى أن الإعلام المضاد يؤرق النظام ويرعبه، خصوصاً بعد الثورة المعلوماتية الهائلة ورواج صحافة المواطن. واعتبر أن الدولة التي لا تحتوي الإعلام الحقيقي الذي يعبر عن الثورة ويعد أهم مكاسبها هي دولة فاشلة ومصيرها الانتهاء.

اقرأ أيضاً: رغم الاعتراف باليأس..."رموز" الثورة المصرية: "لسّاها ثورة يناير"


فشل سياسة "التضليل الإعلامي"

على المقلب الآخر، اعتبر خبراء إعلاميون وسياسيون مصريون أن "التضليل الإعلامي" فشل في توحيد سياسة المصريين تجاه النظام، ولم يحقق أي نتائج إيجابية على أرض الواقع. وأشاروا إلى أن سياسية الإعلام المصري وراء ضياع نتائج "ثورة 25 يناير 2011" حتى اليوم بسب نشر الأكاذيب، وترويج الشائعات، وإثارة الفتن، والتحريض على سفك الدماء.

وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم، إنّ "الإعلام المصري فشل في إدارة الأزمة التي تمر بها بالبلاد منذ قيام ثورة 25 يناير حتى اليوم، بسبب سياسية التطبيل التي لا تقوم ببناء بلد". ورأى أن الشعب فقد الثقة كثيرًا فيما يقدمه الإعلام، وسياسة "تلميع النظام" في وسائله المختلفة، والدليل على ذلك عزوف الشعب المصري عن التوجه إلى صناديق الاقتراع خلال الانتخابات البرلمانية الماضية حيث لم يخرج سوى 5% فقط من المواطنين.

وقال العالم إن الشعب المصري كان وما زال يعي حقيقة إعلامه، وهذا الأمر دفع الكثير من جموع الشعب إلى التوجه إلى الفضائيات العربية والأجنبية؛ لأنهم لا يثقون بإعلامهم المتهالك والمنهار والفقير في معلوماته ومادته الشحيحة التي تعيدنا بالذاكرة إلى إعلام الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

وأشار إلى أن الإعلام المصري نجح بامتياز في نشر ثقافة الكراهية بين طبقات الشعب، وتحويل الظالم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم، واتباع حرب الشائعات بهدف تغييب الشعب عن الحقيقة المرة التي تتخبط بها السياسة المصرية حاليًا، موضحًا أن الإعلام المصري صنع مصائب كبرى لمصر التي مازالت مستمرة حتى اليوم في تضخيم الأعمال التي تقوم بها الحكومة التي لا يلمسها المواطن العادي على أرض الواقع.

ورأى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور يسري العزباوي، أن الإعلام المصري ما زال مرتبطًا بالسياسات العامة للنظام، مشيرًا إلى أن سياسة الإعلام تجاه النظام أصبحت معروفة لدى الجميع، وبالتالي المواطن المصري دائمًا يردد كلمة "كلام جرايد أو كلام إعلام"، وهو نوع من فقد الثقة بكل ما يقال أو ينشر، مؤكدًا أن قُرب المؤسسات الإعلامية من صنّاع القرار والسلطة كارثة.

وقال رئيس الحزب الاشتراكي المصري بهاء الدين شعبان إن تهجم الإعلام المستمر على ثورة 25 يناير أدى إلى عزوف عدد كبير من المثقفين والشباب على متابعته، مؤكدًا أن الإعلام أفقد الكثير من الناس ثقتهم بالنظام نتيجة ممارساته وتجاوزاته الصارخة التي معظمها "كاذبة"، منوهًا أن مصر مقسمة إلى ثلاث جهات نفوذ؛ هي: "الجيش والشرطة ورجال الأعمال"، والإعلام يعمل لمصالح هؤلاء فقط دون أي اهتمام بمشاكل الشعب، الأمر الذي جعل الناس تطالب بثورة جديدة على غرار ثورة 25 يناير للمطالبة بحقوقهم التي أُهدرت خلال السنوات الأخيرة، ولم تحقق الثورة النتائج المرجوة التي كان يتطلع إليها الشعب بسبب العسكر.
وقال شعبان إن رجال الأعمال يمتلكون التأثير الأكبر على وسائل الإعلام أكثر مما يمتلكه الطرف الثاني النظام الحالي، ولا يمكن لأي صحافي أو إعلامي أن يتحرك وينتقد وزارة الداخلية من دون الحصول على "ضوء أخضر" من أصحاب القنوات، وأضاف أن "الأذرع الإعلامية" تحركها تعليمات صريحة وواضحة من مكتب جهات مخابراتي.



اقرأ أيضاً: عبد الرحمن منصور: لم ننتصر.. ولم ينتصروا أيضا