تتعزّز مقوّمات الدولة البوليسيّة يومياً في لبنان، فتنتشر القوى الأمنيّة على اختلاف أجهزتها في الشوارع ليلاً نهاراً، بين جنود وعناصر ببدلاتهم وعناصر آخرين بلباس مدني. بينما تستمرّ السلطة في مواجهة الشعب، عبر اتفاقات محاصصة وطائفيّة ووصاية في الحكومة المشكّلة حديثاً برئاسة حسان دياب، ومحاولات تمرير مشاريعها، كالموازنة في مجلس النواب. أما الإعلام، فلا يزال عاجزاً عن اللحاق بالأحداث وبسقف المطالب، وهو لا يرتقي في كثيرٍ من الأحيان لمجال الصحافة الحقيقيّة التي تسائل وتحاسب وتضع النقاط على الحروف.
تحكم العمل الصحافي في لبنان العلاقات الشخصيّة بين الإعلاميين ورجال السياسة والأمن. في كثيرٍ من الأحيان، ينصاع صحافيون لتوجيهات "مصادر" و"معلومات" (تنتشر هي نفسها على كلّ الشاشات والمواقع بفارق توقيتٍ بسيط)، من دون حتى توجيه أسئلةٍ عن معنى تلك المعلومات. فقبيل تشكيل حكومة "الوكلاء" (تضمّ مستشاري الوزراء السابقين وأشخاصاً مرتبطين بأحزاب ودول ويعملون وفق مخطط حكومة سعد الحريري نفسه التي أسقطها الشارع)، حكمت التغطية الإعلامية "معلومات" كانت تتبدّل كلّ ساعةٍ تقريباً، من دون تفاصيل تشرح حقيقة معناها. وإثر اجتماع أمني في بعبدا أيضاً، أعلن المراسلون من القصر الجمهوري للبنانيين أنّ الأجهزة الأمنية اتفقت على أن تقضي على "المجموعات التخريبية التي باتت كل المعلومات عنها متوافرة لدى تلك الأجهزة"، من دون أن يشرح أي صحافي منهم البعد الحقيقي لذلك، لناحية تشريع اقتحام البيوت للقبض على متظاهرين.
ارتفعت وتيرة العنف في وسط بيروت منذ تلك الفترة، وهي مستمرة حتى اليوم، بقبضةٍ أمنيّة شديدة. فالاشتباكات التي دارت في العاصمة، والاعتداءات على المتظاهرين خارجها، بالإضافة إلى البيانات الإعلاميّة لقوى الأمن والجيش اللبناني، كلّها تحدّثت عن "ضبط أقنعة غاز" وطلبت "إخلاء الساحات" وأعلنت نيّة "القبض على المتظاهرين الموجودين في الساحة" (خلافاً للقانون) بالإضافة إلى بيانات استباقيّة لتحرّكات شعبيّة هدّدت بالقمع والاعتقال وطالبت بـ"الالتزام بالنظام العام حفاظاً على سلامتهم". تزامن ذلك مع وتيرةٍ مرتفعة للاعتداء على المراسلين الميدانيين، وتحديدًا المصوّرين الذين يقفون خلف الكاميرا ويصطادهم عناصر أمنيون لا يريدون توثيق قمعهم ومخالفتهم للقانون. تمّ ضرب الصحافيين، ومنعوا من التغطية، كما أصيبوا برصاص مطاطي، عدا عن تسجيل عشرات حالات الاختناق بالغاز (الوسائل الإعلامية لم تؤمن لمراسليها أقنعة واقية). ووصل الأمر إلى طلب القوى الأمنية من الصحافيين ارتداء سترات عليها "صحافة" لتمييزهم عن المدنيين المحتجين، ما يُكرّس اعتبار الساحات الشعبية "ساحات حرب" (وهو ما رفضه عدد واسع من الصحافيين اللبنانيين).
في التغطية الميدانية، يختلف أداء الإعلاميين في لبنان، ليس وفقاً للواقع وما يحصل، بل وفقاً لتوجهات كلّ شخص. فهناك صحافيون ومصوّرون ومراسلون يرفضون الاعتداء على حقوق الإنسان والوحشية في التعامل مع المتظاهرين، خصوصاً في حالات الاعتقال. في المقابل، يشجّع مراسلون آخرون تلك القبضة الأمنية ويهلّلون لها، فيغطّون الأحداث من خلف العناصر الأمنية فقط، وينقلون البيانات بحرفيتها من دون الإشارة إلى المعلومات المغلوطة فيها، فيما يستخدم آخرون تعابير كـ"تطهير" الساحة في إشارتهم إلى القمع الأمني للتظاهرات الشعبيّة. هذا فيما يستغلّ البعض الآخر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض على المتظاهرين وتحميلهم مسؤولية الوضع الأمني والاقتصادي، أو حتى التحريض على مَن اقتنى قناعاً يقي من الغاز المسيل للدموع، والذي أفرغت القوى الأمنية مئات القنابل منه على المشاركين في الاحتجاجات خلال الأسبوع الماضي.
لا يمكن فصل هذا التهليل الإعلامي عن القبضة الأمنية الشديدة في البلاد، والتي تنعكس على الصحافيين أنفسهم، خصوصاً خلال التغطية الميدانيّة. فخلال محاولة متظاهرين لبنانيين منع أعضاء البرلمان من الوصول إلى مقرّه (المسيّج بعوائق حديدية وإسمنتية وبالسياج الشائك والمحروس بمئات عناصر الجيش وقوى الأمن)، أمس الإثنين، لمناقشة مشروع موازنة 2020، عمد العناصر إلى ضرب المتظاهرين بالهراوات وملاحقتهم في شوارع بيروت، محاولين منع الصحافيين من تغطية المشهد.
ترسم كل هذه المعطيات وغيرها مشهد "ممنوع التظاهر" بعد اليوم في لبنان، فالعنف الأمني يبدأ باكراً بهدف إخلاء الساحات، ومساحة الساحات تُقضم يومياً، فيما يتكثّف الانتشار الأمني، وترتفع وتيرة الاعتداء على الإعلاميين... كلّ ذلك، يُلخّصه اللبنانيون في الشوارع وعلى جدران بيروت: إنّهم تلامذة البعث.
ارتفعت وتيرة العنف في وسط بيروت منذ تلك الفترة، وهي مستمرة حتى اليوم، بقبضةٍ أمنيّة شديدة. فالاشتباكات التي دارت في العاصمة، والاعتداءات على المتظاهرين خارجها، بالإضافة إلى البيانات الإعلاميّة لقوى الأمن والجيش اللبناني، كلّها تحدّثت عن "ضبط أقنعة غاز" وطلبت "إخلاء الساحات" وأعلنت نيّة "القبض على المتظاهرين الموجودين في الساحة" (خلافاً للقانون) بالإضافة إلى بيانات استباقيّة لتحرّكات شعبيّة هدّدت بالقمع والاعتقال وطالبت بـ"الالتزام بالنظام العام حفاظاً على سلامتهم". تزامن ذلك مع وتيرةٍ مرتفعة للاعتداء على المراسلين الميدانيين، وتحديدًا المصوّرين الذين يقفون خلف الكاميرا ويصطادهم عناصر أمنيون لا يريدون توثيق قمعهم ومخالفتهم للقانون. تمّ ضرب الصحافيين، ومنعوا من التغطية، كما أصيبوا برصاص مطاطي، عدا عن تسجيل عشرات حالات الاختناق بالغاز (الوسائل الإعلامية لم تؤمن لمراسليها أقنعة واقية). ووصل الأمر إلى طلب القوى الأمنية من الصحافيين ارتداء سترات عليها "صحافة" لتمييزهم عن المدنيين المحتجين، ما يُكرّس اعتبار الساحات الشعبية "ساحات حرب" (وهو ما رفضه عدد واسع من الصحافيين اللبنانيين).
في التغطية الميدانية، يختلف أداء الإعلاميين في لبنان، ليس وفقاً للواقع وما يحصل، بل وفقاً لتوجهات كلّ شخص. فهناك صحافيون ومصوّرون ومراسلون يرفضون الاعتداء على حقوق الإنسان والوحشية في التعامل مع المتظاهرين، خصوصاً في حالات الاعتقال. في المقابل، يشجّع مراسلون آخرون تلك القبضة الأمنية ويهلّلون لها، فيغطّون الأحداث من خلف العناصر الأمنية فقط، وينقلون البيانات بحرفيتها من دون الإشارة إلى المعلومات المغلوطة فيها، فيما يستخدم آخرون تعابير كـ"تطهير" الساحة في إشارتهم إلى القمع الأمني للتظاهرات الشعبيّة. هذا فيما يستغلّ البعض الآخر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض على المتظاهرين وتحميلهم مسؤولية الوضع الأمني والاقتصادي، أو حتى التحريض على مَن اقتنى قناعاً يقي من الغاز المسيل للدموع، والذي أفرغت القوى الأمنية مئات القنابل منه على المشاركين في الاحتجاجات خلال الأسبوع الماضي.
لا يمكن فصل هذا التهليل الإعلامي عن القبضة الأمنية الشديدة في البلاد، والتي تنعكس على الصحافيين أنفسهم، خصوصاً خلال التغطية الميدانيّة. فخلال محاولة متظاهرين لبنانيين منع أعضاء البرلمان من الوصول إلى مقرّه (المسيّج بعوائق حديدية وإسمنتية وبالسياج الشائك والمحروس بمئات عناصر الجيش وقوى الأمن)، أمس الإثنين، لمناقشة مشروع موازنة 2020، عمد العناصر إلى ضرب المتظاهرين بالهراوات وملاحقتهم في شوارع بيروت، محاولين منع الصحافيين من تغطية المشهد.
ترسم كل هذه المعطيات وغيرها مشهد "ممنوع التظاهر" بعد اليوم في لبنان، فالعنف الأمني يبدأ باكراً بهدف إخلاء الساحات، ومساحة الساحات تُقضم يومياً، فيما يتكثّف الانتشار الأمني، وترتفع وتيرة الاعتداء على الإعلاميين... كلّ ذلك، يُلخّصه اللبنانيون في الشوارع وعلى جدران بيروت: إنّهم تلامذة البعث.