هذه المرة بقوة، عاد موضوع المثلية الجنسية إلى الإعلام العربي. دفعة واحدةً، شغل الموضوع وسائل الإعلام من لبنان وصولاً إلى الأردن فتونس والمغرب...
المغرب أخيراً
نبدأ من الحدث الأخير، من غلاف أسبوعية "ماروك إيبدو" الذي أثار موجة غضب عارمة في المغرب وامتدت إلى باقي العالم. في التفاصيل أن المجلة نشرت في عددها الأخير صورة لشابين مثليين في أحد المسابح الخاصة، وكتبت بالعنوان العريض على الغلاف: "هل يجب حرق المثليين؟". ساعات قليلة بعد انتشار الغلاف، بدأت الحملات ضد الأسبوعية بسبب تحريضها الواضح وغير المباشر ضدّ المثليين، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اتهامها بالدعوة إلى قتل المثليين. بسرعة تصدر غلاف الأسبوعية عناوين الصحف العالمية، تحديداً في فرنسا. كذلك أعيد نشر الغلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان. هكذا سحب العدد من السوق، فيما نفى مدير نشر أسبوعية "ماروك إيبدو"، محمد سلهامي، أية نيّة عند جريدته لإحداث إثارة مجانية بين القراء. مشيراً إلى أن الملف تناول تحليلات بشأن هذه الفئة من المجتمع، بينما العنوان كان عبارة عن تساؤل بريء لا يقصد التحريض ضد أي طرف.
وأصدرت مطبوعة "ماروك إيبدو" بياناً جاء فيه، إنها قررت سحب نسخ عددها من الأكشاك والمكتبات، بسبب "ردود الفعل القوية التي قوبل بها العدد، خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت".
وجاء هذا الغلاف من المجلة بعد مجموعة أحداث طالت المثليين جنسياً في البلاد، تحديداً تظاهرة قام بها بعض الشباب، أمام منزل أحد المثليين داعين إلى طرده من منزله وإلى معاقبته. وهو الفيديو الذي انتشر بدوره على مواقع التواصل. وقبل هذه التظاهرة، صعد المغني البريطاني وعازف الغيتار ستيفان أولسيدال، خلال حفل فرقته بلاسيبو الشهيرة على خشبة مسرح مهرجان موازين في المغرب، موجهاً رسالة ضمنية تطالب بإلغاء البند 489 من القانون الجنائي المغربي، الذي يجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس، من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". وأمام جمهور بلغ عشرات الآلاف، كتب أولسيدال رقم البند على صدره العاري مشطوباً عليه بخطين متقاطعين، فيما لوّن غيتاره بالألوان التي ترمز، عالمياً، إلى علم خاص بالمثليين جنسياً.
تونس والإعلام
وقبل المغرب كان دور تونس، حيث فتح ملف المثلية الجنسية على مصرعيه. البداية كانت من خلال قناة "نسمة تي في"، التي فاجأت مشاهديها بعرض برنامج حواري عن المثلية الجنسية، والتي قيل فيها، إن "أربعين في المائة من التونسيين هم من المثليين جنسياً". وبعيداً عن الأرقام التي ألقيت في الحلقة والتي لا تستند إلى أي دراسة علمية، فإنها كانت ربما المرة الأولى التي يتجرأ فيها إعلامي على طرح الملف بهذه الطريقة المباشرة، وحتماً المرة الأولى التي يطل فيها ضيف بوجه مكشوف ليتحدّث عن مثليته الجنسية، وعن احترام الحريات الشخصية والجنسية في دولة مدنية مثل تونس.
وبعد الحلقة تحرّكت كل الأطراف في البلاد للتدقيق في موضوع إنشاء جميعة تدافع عن حقوق المثليين، فدعا مفتي الجمهورية وعدد من الأحزاب والمنظمات إلى حلّها، لتعارض وجودها مع الدستور التونسي، رفعت جمعية تونسية اسمها "جمعية النهوض بشباب تونس"، أول من أمس الاثنين، قضية استعجالية لدى المحكمة لحل وإيقاف هذه الجمعية. أما على مواقع التواصل، فبدأت تخرج أصوات تدعو إلى كسر التابوهات الجنسية والاجتماعية.
لبنان.. قبل عامين
من المغرب العربي، إلى المشرق. لعل لبنان كان أول بلد عربي يفتح نقاش المثلية الجنسية قبل سنوات على شاشات التلفزيون، بسبب مناخ الحريات الذي يعتبر الأكبر في العالم العربي، أو أقله، هكذا كان الوضع في السنوات السابقة. لكن قبل ثلاث سنوات ربما أو أربع سنوات، كانت المرة الأولى التي يطرح فيها الموضوع من باب حقوقي وليس من باب "فضائحي". نذكر مثلاً الوثائقي الذي صوره المراسل في قناة "الجديد"، رياض قبيسي، بعنوان "مثلي مثلك". ثمّ كان دور نشرات الأخبار التي واكبت كل الاعتداء على حق المثليين، من رجال الأمن، فسلطت عليها الضوء، وهاجمت الأجهزة الأمنية بسبب انتهاك حقوق الإنسان تحديداً في موضوع الفحوصات الشرجية، التي كانوا يتعرضون لها في المخافر تحديداً في "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال" مع مقدمة إخبارية هي الأشهر، بعنوان "جمهورية العار". والحملة الإعلامية أدت إلى إصدار نقابة الأطباء يومها، تعميماً يمنع إجراء هذه الفحوصات في المخافر "لأنها بلا فائدة ولا دلالة علمية لها". وبالتوازي مع هذه الحملات الإعلامية بدأت جميعة "حلم" المدافعة عن حقوق المثليين تكثف نشاطاتها على الأرض، وبدأ المثليون يكشفون عن وجوههم، في المقابلات الصحافية.
مصر والإعلامية "المخبرة"
منى عراقي، الاسم وحده يحيلنا إلى القضية الأشهر في العام الأخير: قضية باب البحر، يوم ذهبت منى عراقي برفقة رجال الأمن لتصوّر المداهمة والقبض على مجموعة من الشباب بتهمة "ممارسة الرذيلة والشذوذ الجنسي". صورتهم عراقي، وتباهت بحلقتها وبصورها. شنّت حملة إعدام معنوي ضد عراقي، وصفت بالمخبرة، وبـ"الأمنجية". وزادت النقمة ضدها، بعدما حكم القضاء المصري ببراءة كل الموقوفين في الحادثة، ثمّ انتحر أحد الشباب الذين أطلق سراحهم بعد "تدمير حياته" نتيجة توقيفه.
أما قبل أيام، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تحرش جماعي بشاب في الشارع في القاهرة "بسبب مظهره الأنثوي". لم يتحرّك أي طرف لمحاسبة المتحرشين، لم تتحرّك وسائل الإعلام أمام هذا العنف، بل اكتفى الناشطون ــ وهم أنفسهم لا يتغيرون ــ بالدفاع عن حق أي شخص في الحرية الشخصية والخيارات الجنسية.
الأردن: ذهول تام
أيام مرت على انتشار خبر حضور السفيرة الأميركية في الأردن، أليس ويلز، نهاية الشهر الماضي، اجتماعاً عقدته مجموعة من المثليين الأردنيين بمناسبة اليوم العالمي ضد رهاب المثلية، وطالبت قوى سياسية وحزبية واجتماعية أردنية بطرد السفيرة عقب إعلان حضورها الاجتماع، حيث وصفت بـ"سفيرة المثليين". كذلك آزر قسم كبير من الأردنيين هذه الدعوات بذهول تام أمام "سعي السفيرة إلى تدمير القتاليد والعادات الأردنية".
هذا هو المشهد العربي حالياً، ولعل الحديث عن الحريات الشخصية لا يزال بعيداً جداً، لكن اللافت أن الشائك والمحرم بدأ يعرف، كيف يجد طريقه إلى الإعلام.
المغرب أخيراً
نبدأ من الحدث الأخير، من غلاف أسبوعية "ماروك إيبدو" الذي أثار موجة غضب عارمة في المغرب وامتدت إلى باقي العالم. في التفاصيل أن المجلة نشرت في عددها الأخير صورة لشابين مثليين في أحد المسابح الخاصة، وكتبت بالعنوان العريض على الغلاف: "هل يجب حرق المثليين؟". ساعات قليلة بعد انتشار الغلاف، بدأت الحملات ضد الأسبوعية بسبب تحريضها الواضح وغير المباشر ضدّ المثليين، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اتهامها بالدعوة إلى قتل المثليين. بسرعة تصدر غلاف الأسبوعية عناوين الصحف العالمية، تحديداً في فرنسا. كذلك أعيد نشر الغلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان. هكذا سحب العدد من السوق، فيما نفى مدير نشر أسبوعية "ماروك إيبدو"، محمد سلهامي، أية نيّة عند جريدته لإحداث إثارة مجانية بين القراء. مشيراً إلى أن الملف تناول تحليلات بشأن هذه الفئة من المجتمع، بينما العنوان كان عبارة عن تساؤل بريء لا يقصد التحريض ضد أي طرف.
وأصدرت مطبوعة "ماروك إيبدو" بياناً جاء فيه، إنها قررت سحب نسخ عددها من الأكشاك والمكتبات، بسبب "ردود الفعل القوية التي قوبل بها العدد، خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت".
وجاء هذا الغلاف من المجلة بعد مجموعة أحداث طالت المثليين جنسياً في البلاد، تحديداً تظاهرة قام بها بعض الشباب، أمام منزل أحد المثليين داعين إلى طرده من منزله وإلى معاقبته. وهو الفيديو الذي انتشر بدوره على مواقع التواصل. وقبل هذه التظاهرة، صعد المغني البريطاني وعازف الغيتار ستيفان أولسيدال، خلال حفل فرقته بلاسيبو الشهيرة على خشبة مسرح مهرجان موازين في المغرب، موجهاً رسالة ضمنية تطالب بإلغاء البند 489 من القانون الجنائي المغربي، الذي يجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس، من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". وأمام جمهور بلغ عشرات الآلاف، كتب أولسيدال رقم البند على صدره العاري مشطوباً عليه بخطين متقاطعين، فيما لوّن غيتاره بالألوان التي ترمز، عالمياً، إلى علم خاص بالمثليين جنسياً.
تونس والإعلام
وقبل المغرب كان دور تونس، حيث فتح ملف المثلية الجنسية على مصرعيه. البداية كانت من خلال قناة "نسمة تي في"، التي فاجأت مشاهديها بعرض برنامج حواري عن المثلية الجنسية، والتي قيل فيها، إن "أربعين في المائة من التونسيين هم من المثليين جنسياً". وبعيداً عن الأرقام التي ألقيت في الحلقة والتي لا تستند إلى أي دراسة علمية، فإنها كانت ربما المرة الأولى التي يتجرأ فيها إعلامي على طرح الملف بهذه الطريقة المباشرة، وحتماً المرة الأولى التي يطل فيها ضيف بوجه مكشوف ليتحدّث عن مثليته الجنسية، وعن احترام الحريات الشخصية والجنسية في دولة مدنية مثل تونس.
وبعد الحلقة تحرّكت كل الأطراف في البلاد للتدقيق في موضوع إنشاء جميعة تدافع عن حقوق المثليين، فدعا مفتي الجمهورية وعدد من الأحزاب والمنظمات إلى حلّها، لتعارض وجودها مع الدستور التونسي، رفعت جمعية تونسية اسمها "جمعية النهوض بشباب تونس"، أول من أمس الاثنين، قضية استعجالية لدى المحكمة لحل وإيقاف هذه الجمعية. أما على مواقع التواصل، فبدأت تخرج أصوات تدعو إلى كسر التابوهات الجنسية والاجتماعية.
لبنان.. قبل عامين
من المغرب العربي، إلى المشرق. لعل لبنان كان أول بلد عربي يفتح نقاش المثلية الجنسية قبل سنوات على شاشات التلفزيون، بسبب مناخ الحريات الذي يعتبر الأكبر في العالم العربي، أو أقله، هكذا كان الوضع في السنوات السابقة. لكن قبل ثلاث سنوات ربما أو أربع سنوات، كانت المرة الأولى التي يطرح فيها الموضوع من باب حقوقي وليس من باب "فضائحي". نذكر مثلاً الوثائقي الذي صوره المراسل في قناة "الجديد"، رياض قبيسي، بعنوان "مثلي مثلك". ثمّ كان دور نشرات الأخبار التي واكبت كل الاعتداء على حق المثليين، من رجال الأمن، فسلطت عليها الضوء، وهاجمت الأجهزة الأمنية بسبب انتهاك حقوق الإنسان تحديداً في موضوع الفحوصات الشرجية، التي كانوا يتعرضون لها في المخافر تحديداً في "المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال" مع مقدمة إخبارية هي الأشهر، بعنوان "جمهورية العار". والحملة الإعلامية أدت إلى إصدار نقابة الأطباء يومها، تعميماً يمنع إجراء هذه الفحوصات في المخافر "لأنها بلا فائدة ولا دلالة علمية لها". وبالتوازي مع هذه الحملات الإعلامية بدأت جميعة "حلم" المدافعة عن حقوق المثليين تكثف نشاطاتها على الأرض، وبدأ المثليون يكشفون عن وجوههم، في المقابلات الصحافية.
مصر والإعلامية "المخبرة"
منى عراقي، الاسم وحده يحيلنا إلى القضية الأشهر في العام الأخير: قضية باب البحر، يوم ذهبت منى عراقي برفقة رجال الأمن لتصوّر المداهمة والقبض على مجموعة من الشباب بتهمة "ممارسة الرذيلة والشذوذ الجنسي". صورتهم عراقي، وتباهت بحلقتها وبصورها. شنّت حملة إعدام معنوي ضد عراقي، وصفت بالمخبرة، وبـ"الأمنجية". وزادت النقمة ضدها، بعدما حكم القضاء المصري ببراءة كل الموقوفين في الحادثة، ثمّ انتحر أحد الشباب الذين أطلق سراحهم بعد "تدمير حياته" نتيجة توقيفه.
أما قبل أيام، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تحرش جماعي بشاب في الشارع في القاهرة "بسبب مظهره الأنثوي". لم يتحرّك أي طرف لمحاسبة المتحرشين، لم تتحرّك وسائل الإعلام أمام هذا العنف، بل اكتفى الناشطون ــ وهم أنفسهم لا يتغيرون ــ بالدفاع عن حق أي شخص في الحرية الشخصية والخيارات الجنسية.
الأردن: ذهول تام
أيام مرت على انتشار خبر حضور السفيرة الأميركية في الأردن، أليس ويلز، نهاية الشهر الماضي، اجتماعاً عقدته مجموعة من المثليين الأردنيين بمناسبة اليوم العالمي ضد رهاب المثلية، وطالبت قوى سياسية وحزبية واجتماعية أردنية بطرد السفيرة عقب إعلان حضورها الاجتماع، حيث وصفت بـ"سفيرة المثليين". كذلك آزر قسم كبير من الأردنيين هذه الدعوات بذهول تام أمام "سعي السفيرة إلى تدمير القتاليد والعادات الأردنية".
هذا هو المشهد العربي حالياً، ولعل الحديث عن الحريات الشخصية لا يزال بعيداً جداً، لكن اللافت أن الشائك والمحرم بدأ يعرف، كيف يجد طريقه إلى الإعلام.