الإعلام العراقي: مستويات غير مسبوقة من التحريض الطائفي

26 يونيو 2014
الحكومة تدعم قنوات ذات توجه طائفي مكشوف (Getty)
+ الخط -

لم يكن في العراق، قبل عام 2003، غير قناتين تلفزيونيتين أرضيتين وأخرى فضائية، إضافة إلى ثلاث صحف رسمية يديرها "حزب البعث"، وبضع صحف اسبوعية أسسها نجل الرئيس العراقي الراحل، عدي صدام حسين، لتعطي انطباعا عاما بالانفتاح وعدم الجمود. لكنها ايضا، لم تستطع تجاوز الخطوط العامة، التي وضعتها مؤسسة "البعث" الحاكم، حينذاك. لكن ومنذ عام 2003، ووسائل الإعلام والصحافة العراقية تتكاثر "أميبيـّاً" بشكل لا سابق له.

يكاد لا يمر شهر او أسبوع دون أن يتم الإعلان عن نافذة إعلامية جديدة، سواء على مستوى الفضائيات التلفزيونية، او الصحف اليومية، او المجلات والمواقع الإلكترونية. وبقدر مضار الانغلاق المرَضي، وخطورة حجب المعلومة واحتكارها سابقا، صار التوسع الهائل في الميديا العراقية، وانفتاحها، لا يقلان خطراً عن ذلك الانغلاق، بل وأسهمت كثير من الوسائل الإعلامية في تغذية وإدامة النزاع الطائفي، الذي تختبره البلاد منذ سنوات. ورغم الحديث العريض عن التمسك بمعايير المهنة والشرف الصحافي، تقترب النسبة الغالبة من وسائل الإعلام العراقية، وخاصة الفاعلة، من الغرق في المياه الطائفية والاثنية والقومية. ولم يشاهد المتلقي العراقي الا القليل النادر من المؤسسات، التي تتبنى خطاباً متوازناً. وقد كشفت ازمة الموصل ومناطق غرب العراق الاخيرة عن مستويات غير مسبوقة من التحريض الطائفي الإعلامي.

تعددت الأسباب  

الضعف الجوهري وعدم فاعلية القطاع الاقتصادي الخاص إحدى أهم مشاكل دولة ريعية نفطية مثل العراق، وهذا الضعف ينعكس سلبا على ظهور وسائل إعلام مستقلة، يملكها ويمولها رجال الاعمال، وكان، إلى جانب التمويل الخارجي للإعلام الحزبي، من الاسباب المهمة في عدم ظهور وسائل إعلام مهنية بعيدة عن الانحيازات الطائفية والاثنية. وحتى بعض المؤسسات، التي اسسها صحافيون او رجال اعمال، ابتليت بالميول الطائفية والحزبية، بل ان مؤسسة ضخمة مثل "الزمان"، التي تتضمن مجموعة قنوات "الشرقية" المملوكة للصحافي البارز، سعد البزاز، غالبا ما اتهمت من كثيرين بـ "ابتزاز" المواقف السياسية للحصول على تمويلها، كما تتهم بالانحياز، وبتمثيلها لمصالح دول خليجية معينة، باعتبار ان تلك الدول راعية وممولة جزئيا للمؤسسة.

ويرى عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد، الدكتور هاشم حسن، ان "الإعلام مرآة عاكسة لما يجري على الارض من انقسام مجتمعي".

 ويضيف حسن، الذي تحدث مع"العربي الجديد"، قائلاً:" لم يظهر الانقسام في الإعلام العراقي في الخطاب الشمولي والموحد سابقا، لأن الجماهير المنقسمة اجتماعيا، لم تكن تملك وسائل إعلام لتظهر انقسامها، أما اليوم، ومع وجود هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام المختلفة، يغرق الجميع في الانقسام ويعبّر عنه".

ويتابع:"الإعلام المستقل لم يوجد حتى هذه اللحظة. المثقفون والصحافيون المستقلون مهمشون حاليا، وكل جهة تسعى إلى جرّهم الى ساحتها".

اما مدير تحرير ملاحق صحيفة "المدى"، علي حسين، فيقول لـ"العربي الجديد": "لا توجد لدينا مؤسسات إعلامية حقيقة، وإعلامنا مجرد إعلام حزبي".

 ويتابع:"الازمات، التي تضرب بالبلاد، تكشف بوضوح عن هذا النوع من الإعلام المؤدلج، وفي وسعنا رصد التخندق الطائفي والاثني عند مفترق كل ازمة".

 

عين الرضا الحكومية

المفارقة ان الحكومة العراقية، وبدلا من ان تكون الجهة المتعالية عن الانحياز، ومراقبة وسائل الإعلام عبر مؤسساتها القانونية بحياد تام، انخرطت في لعبة "الغرق الطائفية". ففي الوقت، الذي تضّيق فيه الخناق على قنوات ذات انحياز طائفي، مثل قنوات "العباسية" و"التغيير" و"الرافدين"، وتطردها خارج العراق، وتضغط ماليا على دول عربية وعلى ادارة قمر "نايل سات" لوقف بثها، تدعم بقوة قنوات ذات توجه طائفي مكشوف، مثل قناة "العراقية" شبه الرسمية، اضافة إلى قناة "آفاق" التابعة لـ"حزب الدعوة الاسلامية" بزعامة رئيس الوزراء، نوري المالكي، فضلا عن دعمها مؤسسات صحافية اخرى، تعتمد الترويج الطائفي والحزبي اساسا لعملها.

وبمعنى من المعاني، اسهمت السياسات الإعلامية الحكومية المنحازة في تعزيز مشكلة الاصطفافات الطائفية في الميديا العراقية، وليس في معالجتها، بل وسعت، في بعض الاحيان، الى قمع "الرأي المختلف"، حتى لو كان بعيدا عن الانحياز الطائفي ووجّه سهام نقده إلى رئيس الوزراء فقط. ويتذكر الوسط الصحافي، في العراق، كيف اقدم رئيس الوزراء، قبل نحو 6 سنوات، على رفع دعوة قضائية ضد موقع "كتابات" الإلكتروني، لأنه انتقد المالكي بشكل شخصي. ويأتي غلق قناة "البغدادية" عبر الضغط على الحكومة المصرية ضمن السياق نفسة، ذلك ان "البغدادية" معروفة بانتقادها الشديد للمالكي وليس بنهجها الطائفي.

 

 

 

دلالات
المساهمون