الإعلام السعودي والإماراتي وإسكات الصوت الآخر

01 يونيو 2017
حملة لتشويه صورة قطر (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -





لم يبقَ لبعض وسائل الإعلام السعودية والإماراتية هذه الأيام موضوعٌ سوى الهجوم على قطر، ومن يتابع قنواتٍ وصحفاً بعينها يجد أنها وضعت برنامج عملٍ مدروساً يضع شيطنة قطر في الصدارة.

وعلى مدى أسبوع برزت خلايا عمل شغلها الأساسي هو تشويه قطر، الذي جرى التمهيد له باختراق وكالة الأنباء القطرية ليلة الرابع والعشرين من الشهر الماضي.

يثير هذا التركيز على بلد جارٍ وشقيقٍ عضو في مجلس التعاون الخليجي عدة ملاحظات أخلاقية ومهنية، ويستدعي وقفة تأملٍ من قبل الذين لا يزالون يقفون في صف العقل، من أجل رفع الصوت عالياً لوقف الإسفاف الذي بات يثير الغثيان لما يبثه من رداءة، وما يرمي إليه من إرهاب الصوت المختلف.

الملاحظة الأولى هي أن الصحافة في منطقة الخليج العربي حققت تقدماً في ربع قرن، وباتت تحظى بالتقدير العالمي، بالنظر إلى ما راكمته من خبرات مهنية، وما أتاحته من حيز للتعبير وحوار الآراء، وصارت بعض الصحف والقنوات الفضائية مصدراً يتم الاستشهاد به من طرف أوساط سياسية وإعلامية دولية، حين يجري الحديث عن الإعلام الجديد في عالم اليوم.


إن زجّ الصحافة في خلافات بينية، مهما كان طابعها، هو عمل يسيء إلى الصحافة والمشتغلين بها، لأنه يحولها عن مهمتها النبيلة في تنوير الرأي العام، ويجرها إلى معارك وحسابات ضيقة.

والملاحظة الثانية، لا يعيب الصحافة أن تدخل في جدال الأفكار وحوار الآراء، ولكن للصحافة لغتها وأساليبها وحدودها وقوانينها، التي تحرم النزول إلى مستوى الغش والتزوير والشتائم، فذلك أمر مذموم يشكل إساءة للصحافة وأهلها، وضرب لمصداقيتها، وهذا ما بدأ يستشري في بعض المنابر منذ أسبوع، من خلال رفع منسوب الحملة ضد قطر، وضد الدكتور عزمي بشارة، الذي يتعرض لهجومٍ غير مسبوق لا تخفى خلفياته على أحد، حيث تبرز البصمات الإسرائيلية واضحةً من وراء ذلك من جهة، ومن جهة ثانية استهداف موقفه من ثورات الربيع العربي، وما يمثله المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره، وما تشكله مؤسسة "العربي الجديد" من مكانة لدى الرأي العام العربي.

أما الملاحظة الثالثة، فهي مشاركة بعض المنابر المصرية في الحملة، وهذا أمر يدل على مدى تهافتها وضحالتها. فهذه المواقع التي لا تستحق حتى التصنيف بأنها صفراء، كان واضحاً أن تأسيسها هو من أجل القيام بالغسيل الوسخ، وتفضحها كل يوم الفبركات التي ترى في القارئ شخصاً لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والكذب.

إن هدف الحملة واضح ولم يفاجئ أحداً، وليس غريباً أو جديداً استهداف دور قطر التي لا تزال تقف مع ضحايا القمع والإرهاب في مصر، وتساند ثورة ليبيا بوجه أنصار القذافي الذين يعملون للعودة بشتى السبل، وهذا ما يفسر استنفار أصوات الماضي الأسود مثل أحمد قذاف الدم، الذي لا يرى في الأزمة الليبية غير مساندة قطر لثورة 11 فبراير، ويسقط من حسابه الأدوار وعدوان طيران السيسي ضد سيادة بلاده.

بعض وسائل الإعلام قالت بصراحة إن قطر "لم تلتزم بوقف التحريض على مصر"، وهذا أمر لا يحتاج إلى تأويلات، والقصد من ذلك نقد سياسات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الكارثية، وإعطاء ضحايا القمع منبراً للتعبير عن رأيهم.

أن تساعد بعض الحكومات العربية النظام المصري اقتصادياً، وتقف إلى جانب خياراته السياسية هذا من حقها، ولكن أن تستكثر على معارضي هذا النظام حق التعبير عن الرأي فهذا أمر يدعو إلى العجب، حيث لم نعرف هذا الموقف حتى خلال أشد فترات الدكتاتورية سواداً، بل إن نظام الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، لم يسبق له أن مارس هذا التضييق على معارضيه، في الوقت الذي بقيت فيه القاهرة ملاذاً للمعارضين العرب.

تكشف الحملة أننا مقدمون على أيام سوداء، إذا ما انتصرت نظرية الصوت الواحد التي يبشر بها بعض الإعلام السعودي والإماراتي، وما على الصحافيين والباحثين المستقلين والديموقراطيين إلا أن يحضّروا أنفسهم لكسر أقلامهم والاستقالة من مهمة مواجهة الظلام والدكتاتورية.

الإرهاب ليس فقط عبوة ناسفة تقتل الأبرياء، بل هو أيضاً إسكات الرأي الآخر ومصادرته.