الإعلام الجديد.. حصان طروادة الجاليات العربية

01 نوفمبر 2015
من جلسة حوار فلسطيني في المهجر(العربي الجديد)
+ الخط -
كانت فاطمة تناقش قبل أسابيع على شاشة التلفزة الدنماركية شخصية سياسية مرموقة وذات توجه يميني واضح وصريح ومعجب بدافيد بن غوريون أشد إعجاب، حاول هذا السياسي باستعلائية واضحة أن يفهم فاطمة بأنها "صغيرة وتجهل التاريخ". لم تقاطعه لحظتها، رفعت يدها أمام مدير الحلقة لتأخذ دورها. فاطمة التي سردت على اسبرسن ما يستحقه من معرفة في التاريخ صدمته وهي تزيد بهدوء: "زميلك في حزبك موينز كامر قال قبل فترة بأن المذيع، الذي ولد هنا من أب وأم تركيين، كان يحاور وزير الشؤون الاجتماعية في بلدنا وهو من أصل هندي، ما دخل هذين القردين الأجانب بشؤوننا؟. قل لي الآن هل تفهم المواطنة على أساس
العرق؟ لا شك عندي بأنك ومن تمثل تؤمنون بذلك، هل تعلم لماذا؟ لأنكم في الحقيقة شربتم من ذات نبع الفكر الصهيوني الذي تعشقه والذي قسم شعبي في تعريفات غير علمية إلى شركس وأرمن ومسيحيين ومسلمين وبدو ودروز والى آخر القصة التي تخفيها عن المشاهدين وأنت تعشق ديمقراطية إسرائيل. دعني أخبرك بشيء آخر، أنا ابنة هذا المجتمع، أبي عربي وأمي من قرية صغيرة في أقصى شمال بحر الشمال"... وحين لم تكمل وراح ذلك السياسي يقاطعها مشوشا قالت بكل بساطة: "هل لك أن تصمت ودعني أكمل أيها الديمقراطي...".

الانتفاضة عنوان
مثل فاطمة تجد عشرات الآلاف ممن يتخذون من وسائل التواصل الاجتماعي منابر ليس فقط للتعبير عن الرأي وقياساته التي تتسابق إليها وسائل إعلام غربية تقليدية للبحث عما يدور بين هذا الجيل.
الآلاف من الفلسطينيين وشباب عربي مولود في المهاجر يستخدمون اليوم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار "بكل مصداقية وخصوصا ما يحدث في فلسطين، وبعض الوسائل الغربية باتت تنقل عنهم لأنهم يتحدثون بلغتها ولغة الأرقام والوقائع وليس الشعارات". إن الجيل الجديد تحديدا يقدم مادة مذبحة مغيبة واعتداءات فظيعة على المدنيين في الضفة والقدس كما يحدث هذه الأيام، أشياء ربما لا يغطيها الإعلام الغربي المحلي. " لكن الملاحظ أنه وخلال دقائق ينتظم الآلاف في صفحة على فيسبوك ويقنبلون تلك الوسائل بمواد حقيقية محتجين على التعاطي غير المهني بتغييب الوقائع. نجح كثيرا هذا الجيل في فرض تغطية وتقديم اعتذار من وسائل الإعلام الرسمية على أخبار فيها كذب وتشويه نقلا عن الرواية الإسرائيلية. لي صديقات كثيرات سافرن إلى فلسطين مع مدارسهن بوفود رسمية فجرى إعادتهن من مطار بن غوريون بناء على نشاطهن على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك رغم ما حمله من ألم لمنعهن من رؤية فلسطين مثل رفاقهم الغربيين، إلا أنه يقلب الطاولة على الاحتلال لأن ذلك يتحول أيضا
إلى مادة عن أبرتهايد وعنصرية الاحتلال وعدم تحمله الحقيقة".
مثلما شكلت وسائل التواصل نقلة في الربيع العربي منذ 2010 فإن استفادة الشباب الفلسطيني ورغم مضايقات القائمين على تلك الوسائل، بإغلاق صفحاتهم، إلا أنهم يتحدون ويفتتحون أخرى لتكون منصة مثلا لدعوة إلى التجمع أو الاعتصام وهو ما حدث بالفعل في عدد من الدول وبالأخص تلك التي أعرفها في كل من الدنمارك والسويد. فقد لا يعلم الكثيرون بأن الآلاف ممن خرجوا في مظاهرات خلال شهر أكتوبر دعما لفلسطين أمام البرلمان الدنماركي لم تكن سوى من تنظيم الشباب والشابات على صفحة فيسبوك. وهو الأمر الذي ينطبق على جمعية مرحبا بالسوريين حيث يجري اجتماع 20 ألف إنسان بدعوة ومبادرة على صفحة تواصل اجتماعي، ما يفرض على وسائل الإعلام التقليدية أن تنصاع وتذهب للتغطية بينما لو كانت الدعوة قبل عقد ونصف العقد لجرى تجنب التغطية وربما لم يحضر كل ذلك العدد.

الواقع يقول بأن إجادة الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني لاستخدام وسائل التواصل الحديث في تظهير صورة المحتل وجنوده كقتلة بدم بارد بعرض أشرطة غير تقليدية يعتبره هؤلاء الشبان وسيلة فعالة لاستثمار الكفاح في سبيل قضية عادلة، بل هم يكسبون متعاطفين من كل العالم وسياسيين وبرلمانيين يتسابقون للمشاركة بإلقاء كلمات بحشود يعرفون بأنهم أوروبيون بالجنسية ولكنهم ورغم ولادتهم في تلك الديار ينافحون عن قضية عادلة تذكر بعض هؤلاء السياسيين أنفسهم كيف وقفوا يتعاطفون مع شعب فيتنام وشعوب قهرتها أميركا.
القضية ليست قضية تظاهر فحسب بل حملات مقاطعة بضائع دولة محتلة، وحملات ترفع شعارات سياسية بامتياز "انتفاضة عالمية"، كانتفاضة إلكترونية تضع لها منهجا وأهدافا واضحة في طبيعة التحرك شبه اليومي.

وسيلة للتصدي
يقول رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين في المملكة المتحدة، فؤاد شعث إن "وسائل الاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي منحت الشباب الفلسطيني المقيم في بريطانيا، فرصة رائعة لدعم مقاومة أهلنا في الأراضي المحتلة، وذلك عبر توعية الرأي العام البريطاني بحقيقة ما ترتكبه سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين من جرائم بحق الشعب الفلسطيني". ويضيف شعث: "في السابق كنا نشعر بالعجز التام ونحن نرى آلة الحرب الصهيونية تُنكل بأهلنا ومقدرات وطننا، وكانت وسائل الإعلام محتكرة بشكل تام من قبل رؤوس الأموال الصهيونية أو تلك المؤيدة لإسرائيل، تعمد إلى ترويج خطاب إعلامي منحاز لإسرائيل مع تغييب معاناة الشعب الفلسطيني، اليوم وبفضل امتلاك الأفراد لوسائط إعلام مثل الهاتف الجوال والحاسوب، وسهولة التواصل عبر مواقع مثل "فيسبوك" و"تويتر" بات بمقدورنا رفع الصوت الفلسطيني وإطلاع الرأي العام على حقيقة الاحتلال وممارسته، حتى أصبحنا نشعر وكأننا نشارك في المواجهات كل من موقعه".
أما الشابة تالا عبد الحي، فرأت في الإعلام الاجتماعي نافذة رائعة من أجل، أولاً: التواصل مع الأهل في الوطن والاطمئنان عليهم، ثم نقل أخبارهم إلى العالم الخارجي. واعتبرت الطالبة الجامعية أن أي تقصير من قبل الجاليات العربية والفلسطينية في تعريف الرأي العام البريطاني وإطلاعه على مجريات الأحداث في فلسطين لم يعد مقبولاً، وليس لأي شخص عذر في عدم المساهمة في دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته عن طريق المشاركة الإعلامية، وهذا أضعف الإيمان".
عن مدى فاعلية الإعلام الجديد في تنشيط الجاليات الفلسطينية، يقول الخبير في الإعلام الاجتماعي والفلسطيني المقيم في بريطانيا منذ أكثر من 15 سنة، إياد بركات: ”وسائل الاتصال والإعلام الجديد هي نعمة كنا نفتقدها في السابق، حيث كنا نتعب في إيصال صوتنا للرأي العام البريطاني، لاسيما أن إمكاناتنا كانت متواضعة، بينما كانت المنظمات الصهيونية
تمتلك الأموال والمقدرات للتأثير على الرأي العام، لقد كان الصوت الفلسطيني محاصرا في حدود البيانات المطبوعة والموزعة على نطاق ضيق، وكانت التظاهرات متواضعة من حيث أعداد المشاركين لصعوبة الحشد والتواصل مع أبناء الجالية وأنصار فلسطين المنتشرين في المدن الكبيرة. أما اليوم فقد اختلف الحال بشكل كبير، فقد بات بمقدور الرسائل الإلكترونية الوصول إلى آلاف الأشخاص في وقت قصير جدا، وبات الحشد والتوعية ونشر المعلومات بالصور والفيديوهات متاحا للأفراد ولا يحتاج إلى إمكانات مادية مرتفعة أو إمكانات تقنية معقّدة. لقد بات العمل الجماهيري لتوعية الرأي العام الأجنبي، والتأثير في دوائر صناعة القرار، أسهل بكثير من السنوات الماضية.
وترى السيدة الفلسطينية أماني الزويدي أن الإعلام الجديد المتاح في يد كل شخص، ساهم بشكل كبير في دعم صمود الشعب الفلسطيني خلال الحروب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وخلال الانتفاضة الحالية في الضفة الغربية.
وفي ذات السياق يقول الرئيس السابق لرابطة الجالية الفلسطينية في بريطانيا، رجب شملخ، إن قدرة الجيل الثاني أو ربما الثالث من الفلسطينيين في بريطانيا على توظيف "سلاح" الإعلام الجديد في مواجهة الدعاية الصهيونية، التي طالما نشطت في تضليل الرأي العام وقلب الحقائق مستفيدة من غياب الرواية الفلسطينية.

ضد التغييب
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للعرب في أميركا أهمية قصوى، خاصة أنهم مغيبون عن وسائل الإعلام السائدة. وغالبا ما يكون ظهورهم مرتبطاً بانتمائهم الديني أو القومي ومتعلقاً بقضايا "إرهاب" أو اعتداءات عنصرية ضدهم، إن وصلت إلى تلك الوسائل أصلا. وتشير التجارب إلى أنهم أجبروا، في أكثر من مناسبة، وسائل الإعلام السائدة على تناول قضايا غيبتها. ولعل أشهر تلك القضايا مؤخرا كان مقتل الشبان المسلمين الثلاثة على يد متطرف
عنصري أبيض في ولاية نورث كارولاينا، وهم ضياء بركات ويسر ورزان أبو صالحة، وجميعهم كانوا يدرسون الطب. وعند الإعلان عن مقتلهم غابت قصصهم عن أغلب وسائل الإعلام الأميركية خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى، مع بعض الاستثناءات، وفقط بعد انتشار أوسمة على التويتر تتناول القضية ووصولها إلى قائمة الأكثر تداولا بدأت وسائل الإعلام الأميركية التطرق للموضوع. وتعود أهمية وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للعرب والمسلمين الأميركان كذلك إلى فتحها أمامهمإامكانية نشر نوعية مقالات، بديلة لما هو سائد في الإعلام الأميركي، إضافة إلى أنها تعطيهم الفرصة لتناول مواضيع كالفن أو الموسيقى، وغيرها من الأمور التي لا علاقة لها بشكل مباشر بهويتهم الجماعية.

شارك في الملف: (نواف التميمي ، ابتسام عازم، أميرة ناصر، ناصر السهلي)
المساهمون