الإعلام التونسي أمام مفترق طرق مع بداية العام

07 يناير 2019
من الاشتباكات بالقصرين إثر انتحار المصور التونسي(حاتم صالحي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن شهر يناير/ كانون الثاني 2019 سيكون حافلاً بالأحداث الكبرى التي سيعرفها الإعلام التونسي والتي ستحدد مساره المستقبلي. ففي الـ14 من هذا الشهر، من المزمع تنفيذ إضراب عام دعت له النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين على خلفية مطالب مهنية واجتماعية عدة.
ولعلّ أهمّ تلك المطالب، وقف نزيف المشاكل الاجتماعية التي يتخبّط بها القطاع من تأخير لصرف الرواتب وأشكال تشغيل هشة لا تضمن للصحافيين حقوقهم كان من نتائجها إحالة الكثير من الصحافيين إلى البطالة الإجبارية، وعدم خلاص أجور البعض منهم وإحالتهم على التقاعد المبكر مثلما حصل في دار "سنيب لابراس" العمومية (الرسمية). لكنّ الحدث الأخطر هو إقدام مصور تلفزيوني يعمل فى قناة "تلفزة تي في" على الانتحار حرقاً في محافظة القصرين بالوسط الغربي التونسي بسبب ظروفه المادية الصعبة.

هذه الإشكاليات المتراكمة منذ سنوات قد تجد لها النقابة مخرجاً من خلال الإضراب العام للضغط على الحكومة التونسية حتى تستجيب لمطالبها التي تعتبرها النقابة أكثر من ضرورية وملحة للمحافظة على القطاع الإعلامي من تدخل المال الفاسد والمال السياسي في سنة انتخابية مهمة في تونس.

لكن التحدي الأكبر الذي يعيش عليه الإعلام التونسي يتمثل في إعداد اتفاقية مشتركة للقطاع الإعلامي تضمن حقوق العاملين فيه. ووفقاً لعضوة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، فوزية الغيلوفي، هناك مساعٍ للانتهاء من صياغة الاتفاقية وتقديمها للحكومة التونسية والمطالبة بالموافقة عليها وإحالتها على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليها وهو أمر إن تحقق سيؤدي إلى نقلة نوعية للقطاع الإعلامي.

ومن التحديات الأخرى التي يجري الإعداد لها الإعلان عن التركيبة الرسمية لمجلس الصحافة، وهو مجلس قال نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، إنّه "سيعمل على استعادة ثقة الجمهور التونسي بوسائل إعلامه كما سيُكرّس حرية الصحافة واحترام حقوق الإنسان". المجلس الذي سيضم في تركيبته ممثلين عن النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والمجتمع المدني وممثلين رسميين سيكون من أهم أدواره إنقاذ قطاع الصحافة الورقية من الاندثار، وذلك بالإشراف على تنظيم توزيع الإعلانات التجارية العمومية (الرسمية) من خلال اعتماد معايير مضبوطة لتوزيع هذه الإعلانات ترتكز على مدى احترام وسائل الإعلام لأخلاقيات المهنة وحرصها على نشر صحافة ذات جودة ونوعية بعيدًا عن ما يحصل الآن من حالة الفوضى التي يعرفها القطاع الإعلامي في تونس.

كما من المنتظر في بداية السنة أن تضع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) حدًّا لحالة الانفلات التي تشهدها بعض القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية واصطفافها المعلن خلف الفرقاء السياسيين. إذ تصطفّ بعض وسائل الإعلام خلف الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي (مثل قناة "نسمة" الخاصة) وتصطف أخرى خلف رئيس الحكومة يوسف الشاهد (مثل قناة "التاسعة" الخاصة). هذه الوضعية اعتبرها الكثير من المراقبين للشأن الإعلام التونسي أكبر خطر يهدد حرية الإعلام في البلاد، وهو ما يتطلب من "الهايكا" القيام بالأدوار الموكولة لها في تعديل المشهد السمعي البصري من الانحرافات التي يعرفها منذ مدة. كما حمّل المراقبون الإعلام العمومي (الرسمي) مهمة الحفاظ على الحياد لأن تمويلاته تأتي من دافعي الضرائب، وبالتالي عليه القيام بدوره بكل حياد واستقلالية سواء في الخلافات بين الفرقاء السياسيين أو في تعاطيه المستقبلي مع فعاليات الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي بدأ الجدل حولها في مختلف المنابر الإعلامية.

ويعيش الإعلام التونسي في مطلع العام لحظات مفصليّة قد تؤثر على مساره في السنوات المقبلة، خصوصاً إذا لم تستجب الحكومة التونسية للمطالب التي ترفعها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد التونسي للشغل، كبرى المنظمات النقابية التونسية).
المساهمون