تكررت ظاهرة انقطاع الكهرباء في السودان، خلال الفترة الأخيرة، ما أثار مخاوف من آثار سلبية ومخاطر عديدة على مختلف القطاعات الإنتاجية والاستثمارية في البلاد، حسب خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد".
وفوجئ السودانيون في كل ولايات البلاد، يوم الثلاثاء الماضي، بإطفاء كامل في شبكة الكهرباء، استمر لفترة زمنية تفاوتت من منطقة إلى أخرى، ووصل في بعض المناطق لنحو خمس ساعات.
واجتاحت حالة من الغضب الشارع السوداني، خاصة وأن الإطفاء الكامل جاء دون إعلان مسبق في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، حسبما اعتادت عليه شركة الكهرباء. وما فاقم الغضب الوعود المتكررة من وزارة الكهرباء بإنهاء مشكلة الانقطاعات نهائياً.
ولم يكن هذا الإطفاء هو الأول من نوعه في السودان، خلال السنة الحالية 2018، إذ سبقه إطفاء مماثل في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، وبعد نحو عشرة أيام من ذلك، وقعت حالة إطفاء ثانية، ما أثار تساؤلات حول انقطاع الكهرباء بهذه الصورة 3 مرات في غضون نحو 50 يوماً فقط.
وفي هذا السياق، قالت نائب رئيس لجنة الطاقة والتعدين بالبرلمان السوداني، رجاء علي أبوزيد، في تصريحات صحافية، إن الإطفاء الكامل، حدث بسبب خطأ عفوي غير مقصود، معلنة عزم لجنتها عقد اجتماع خلال وقت قريب لمناقشة انقطاع الكهرباء وتحديد كيفية التعامل مع هذا الأمر.
من جانبه، قال الأمين العام للغرفة الصناعية السودانية الفاتح عباس لـ"العربي الجديد"، إن تأثيرات الإطفاء الكامل على القطاع الصناعي واضحة جدا ولا تحتاج لشرح طويل حتى يدركها المسؤولون عن قطاع الكهرباء.
وأضاف أن ذلك الإطفاء يترتب عليه أضرار فادحة وخسائر على القطاع الصناعي المكتوي بنيران تعرفة كهربائية مبالغ فيها، مشيرا إلى أن غياب الطاقة لفترات طويلة عن أية منشاة صناعية، يفقد صاحبها مواد خام إنتاجية ويهدر عليه وجود طاقات بشرية يدفع لها المصنع حقوقها بغض النظر عن عملهم.
ونوه الأمين العام للغرفة الصناعية السودانية إلى تأثيرات أخرى تتعلق بالجانب الأمني والتأميني لأن الانقطاع الفجائي للتيار عن ماكينة تعمل لحظتها بكامل قدرتها، يتسبب في ضرر وخلل الماكينة، وحتى إذا عادت الكهرباء تعود بخسائر في المواد الخام التي كانت داخل الماكينة قبل الإطفاء.
وأضاف عباس، أن الانقطاعات المتكررة بصورة عامة تفقد الثقة في استقرار الإمداد الكهربائي وهذا ما يؤثر سلباً، حسب تقديره، على مناخ الاستثمار في البلاد لان الطاقة من أهم الأمور الجاذبة للمستثمرين الأجانب.
ووجه الأمين العام للغرفة الصناعية، انتقادات واسعة لسلطات الكهرباء التي تستغل احتكارها لخدمة الكهرباء في السودان لفرض شروط إذعان على المستهلك السوداني، بدءاً من شراء عدادات الكهرباء وأدواته وإجباره على التنازل عنها لصالح شركة الكهرباء.
وطالب عباس بمراجعة تعرفة الكهرباء للقطاع الصناعي لأنها قائمة على تكلفة غير حقيقية، كما طالب بتحسين الخدمات.
ومع تزايد الانتقادات، خرج وزير الموارد المائية والري والكهرباء، معتز موسى، إلى العلن، أول من أمس، ليؤكد تشكيل لجنة من خبراء ومتخصصين من داخل وخارج الوزارة، للتحري حول أسباب حدوث الانقطاع الكامل للكهرباء، وكلف اللجنة برفع تقريرها المفصل في أقرب وقت.
ونفى الوزير، بصورة قاطعة، وجود مشكلة في الوقود التي تعمل به الماكينات او وجود نقص في المال أو الكادر المؤهل لتشغيل الكهرباء.
من جهته، قال عضو الغرفة التجارية حسن عيسى لـ"العربي الجديد" إن انقطاعات التيار الكهربائي تلقي بظلال سالبة على مجمل العملية الإنتاجية خاصة الصناعية والتجارية.
وأشار إلى أن تلك الانقطاعات تعطل الدورة الحياتية بالكامل، وتضاعف التكلفة تماماً لأن المستثمرين يلجؤون لبدائل كالمولدات الكهربائية التي تعمل بالوقود في القطاع التجاري مما يؤثر في التكلفة، فضلا عن إضعاف إقبال المواطنين على الشراء في الساعات الليلية.
وأكد أن تجار الفواكه والخضروات هم الأكثر تضررا في المجال التجاري لاستخدامهم المبردات في تخزين سلعهم.
وأضاف عيسى، أنه من الصعب تحديد جملة الخسائر التي تحدثها انقطاعات الكهرباء نسبة لاستحالة الحصول على تقديرات في الاقتصاد السوداني، لكنه أشار الى أن الخسائر في الصيف غالباً ما تكون أكثر فداحة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
إلى ذلك، عزا القيادي السابق بالهيئة القومية للكهرباء المهندس جون جندي لـ"العربي الجديد" ما يحدث في مجال الكهرباء إلى القرارات التي اتخذتها الحكومة بإلغاء وجود الهيئة القومية للكهرباء، وتوزيع مهامها على 5 شركات حكومية هي: توزيع الكهرباء، التوليد المائي، التوليد الحراري، نقل الكهرباء، سد مروي.
ولفت إلى أن كل ذلك أدى إلى تضخم إداري زاد من تكلفة إنتاج الكهرباء وأدى إلى ضعف في الكوادر العاملة، وتراجع المقدرات الفنية والخدمة التي تقدمها للجمهور.
وأكد جندي أن المشكلة الكبرى ظهرت خلال الزيادات الكبيرة في رسوم الكهرباء لكل القطاعات المنتجة.
ونبه إلى أن الانقطاعات المتكررة تضعف الانتاج وتؤدي إلى خلل كبير في القطاعات السكنية، ودعا جندي إلى تغيير شبكة الكهرباء الحالية بصورة أكثر حداثة، وقبل ذلك إلغاء نظام الشركات، وإعادة الهيئة القومية للكهرباء كما كانت في السابق.
ومع كل مرة يحدث فيها أعطال في الكهرباء يسترجع السودانيون الوعود الحكومية بإنهاء مشكلة الكهرباء بعد إنشاء سد مروي في شمال السودان الذي اكتمل في عام 2009، ويتساءلون عن جدوى هذا السد الذي بتقديرهم لم يحل مشكلة الكهرباء في البلاد.
لكن وزير الكهرباء أكد أنه لولا سد مروي لكان السودان في مشكلة تاريخية، بحجة أن السد ينتج حاليا 50% من الكهرباء.
وينتج السودان نحو 3 آلاف ميغاواط من الكهرباء من مصادر مائية مثل خزان سنار والروصيروص وسد مروي، إضافة إلى مصادر حرارية في بورتسودان وأم دباكر.
ويتوقع الوزير زيادة كمية الكهرباء في يوليو/ تموز المقبل بدخول محطة توليد جديدة تشرف على إنشائها شركة "سيمنز" الألمانية، والمقرر أن تنتج حوالي 930 ميغاواط، ما يحدث بحسب التقديرات فائضا بنسبة 20%.
كما تخطط الحكومة السودانية للاستفادة من الطاقة الكهربائية التي سينتجها سد النهضة الإثيوبي، فضلا عن التخطيط لإنتاج 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية.