الإسلام الجديد

07 ديسمبر 2015
+ الخط -
في اجتماعه مع قيادات مُؤسّسات إسلامية وأئمة مساجد في فرنسا، دعا وزير الداخلية الفرنسي إلى إسلام مستنير تقدمي، واجباً مناطاً ومُحتّماً مُلقى على عاتق القادة، لكي يواجهوا به الفكر المتطرف الذي تنتهجه داعش، غير أنّ السياسي الفرنسي لم يفصح عن مضمون ذلك الإسلام الذي يُراد له أن يكون.
بالتأكيد، تحمل تلك المصطلحات مراوغة وتزييفاً للحقيقة، فالإسلام الذي جاءت به الرسالة المحمدية هو نفسه من لحظة انبلاج نوره حتى يومنا هذا، فليس هو موضع الخلل وموطن العلة، إذ عاش المسلمون في مراحل منه ازدهار وحضارة بلغت الآفاق، وفي أخرى انحطاط وتردي مريع، إنه التفسير والتأويل دوماً هو من يتحمل وزر الفشل أو النجاح.
وفي السياق نفسه، المحموم بوصفات العلاج للتطرف والتخلف الذي يعتري واقع المسلمين، خرجت الدعوة من مفكرين مسلمين في الغرب بالنقد الجذري للثقافة والدين الإسلامي، لكي يتواءم مع الحداثة، ومسار الحديث يمضي عن دمقرطة الإسلام أو أسلمة الديمقراطية.
لو أمعنا النظر إلى واقع اليوم، سنجد مقولة الإمام محمد عبده ماثلة للعيان، حينما قال: "وجدت في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين، ووجدت في بلدي إسلاماً بلا مسلمين"، فوجود الإسلام في حياة أبنائه ضئيل، حتى وإنْ ادعت بعض البلدان بتطبيقه، ومن يُعبّر عن قراءة متشددة لم تكن لتعرف البقاء، إلا لكونها رافعة لمشروع سياسي غايته جعل السلطة حق إلهي لمن يمسك بزمامها، ولا يعدو أتباعه سوى قطرة في بحر تعداد المسلمين، حتى الجماعات المتطرفة لم تحظى يوماً بحركة جماهيرية داعمة، فآليات التطور والتحديث موجودة في الإسلام لكن السلبية الناجمة عن الإحباط هي ماتجعلها خاملة بلا تأثير، وعلى سبيل المثال تعطيل الاجتهاد مع كونه من مصادر التشريع وكذلك الإجماع الذي تم تكييفه وفق رؤية أحادية متحجرة، فخرج من كونه صيغة توافقية تقريبية إلى فرض الرأي الواحد، وصبغه بقدسيّة مع كونه تأويل بشري لنص ديني.
الحضارة يبنيها الإنسان لخير الإنسانية، فكيف يُراد لمن يرزح تحت وطأة الجهل والفقر وغيرها من العلل الاجتماعية أن يصنع حضارة، وتلك ليست إلا عوارض لمرض الاستبداد والقهر الذي يحياه غالبية المسلمين، فالإحباط واليأس هي عناصر أوليّة لصناعة متطرف عدميّ.
العالم المتحضر مشارك في جرم فادح الأثر بحق تلك الشعوب، حيث دعم أنظمة إجراميّة متوحشة، أدمت أدميّة الإنسان وجعلت تفكيره بالحرية والديمقراطية والعدالة جريمة لا تُغتفر، فإذا أحصيت قتلى الحروب واللاجئين ومن هم تحت رحمة طغاة مستبدين، فستجد للمسلمين نصيب الأسد فيها، بل حتى الانتهاكات بحقهم لا تستفز ضمير العالم الذي يصف نفسه بالمتحضر، من فلسطين مروراً بأفريقيا الوسطى، وصولا إلى الروهنجيا في بورما، حيث يُقتلون ويُبادون على يد متطرفين من أديان أخرى وبكل همجيّة وبربرية، في حين لو أصيب بضعة أفراد من أقليّة في بلاد المسلمين لبكى العالم عليهم دماً! أليس ذلك النفاق المأفون جزء من صناعة التطرف؟
حينما يحق لهذه الشعوب أن تعرف الكرامة والعدل ويكون للإنسان قيمة، سيجد طريقه لإصلاح واقعه وسيجهد بفكره لجعل دينه رافداً لنهضته، ويخلق واقعا سيشكل هويّة ثقافية متفاعلة مع الحداثة وقِيم الحضارة، حيث لن يجد حاجة ليموت منتحراً بإرادته، لأنه بات يدرك أنّ لحياته ووجوده قيمة، وأنه قادر على صناعة مستقبله.
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)