في سنة 1967 أصدر أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا لين وايت، مقاله الجدلي "الجذور التاريخية لأزمتنا البيئية" (The Historical Roots of Our Ecological Crisis)، الذي يزعم فيه أن الأزمة الإيكولوجية الحالية قد نتجت من الأديان الموحدة وبشكل خاص من الديانتين المسيحية واليهودية. وكما هو متوقع توالت ردود الأفعال بشكل متواصل من قبل ممثلي هذه الديانات أمام هذا النقد اللاذع، وبدأ العلماء والأكاديميون يحللون ويبحثون بعمق حول ما جاء في كتبهم عن أديانهم، خصوصاً في ما يتعلق بالأمور البيئية.
العلماء المسلمون كغيرهم من علماء الديانات الموحدة، تطرقوا إلى هذا الموضوع في إطار ما يسمى "الحركة البيئية الإسلامية" أو "الإسلام البيئي"، وهو مصطلح متعارف عليه في الخارج وفي الأوساط الأكاديمية أكثر مما هو معروف في الخطابات السائدة في العالم العربي، وذلك لأن هذا التيار نشأ لدى مفكرين وأكاديميين مسلمين ولدوا وترعرعوا في بلد عربي انتقلوا لاحقا إلى بلدان أوروبية أو أميركية أو من آسيا القصوى.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نشير إلى حالة ديدلك لاغارّيغا (باحث وشاعر ومحرر إسباني من مواليد 1976، أسلم سنة 2003 وأصبح يدعى "عبد اللطيف بلال بن سمر") وهو يمثل حالة فريدة من نوعها، إذ إنه قبل إصدار كتابه "الجهاد البيئي: انفتاح الوعي من خلال الإيكولوجيا والاستهلاك الحلال"، لم تعرف المكتبات الإسبانية أي عمل موجه للقارئ العادي حول موضوع الإسلام "الأخضر". ولا شك أن هذا العنوان قد جاء في وقت ملائم جدا، نظرا لازدياد اهتمام البلد الإيبيري بالتبادل التجاري مع العالم الإسلامي بصورة عامة وخاصة بما يتعلق بمنتجات "الحلال". وأفضل دليل على هذا، الاهتمام الراهن بتنظيم المؤتمر العالمي الأول للاستهلاك الحلال، الذي انعقد في مدينة قرطبة الشهر الماضي، ومعرض منتجات الحلال الدولي الذي سيعقد في مدريد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
يقدم لاغارّيغا في كتابه أمثلة وشواهد حقيقية تثبت نظريته وتشرح للقارئ كيفية تطبيقها في حياته اليومية. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول إن هذا الكتاب موجه للمسلمين-وهو دعوة لتحليل القرآن والأحاديث النبوية من المنظور البيئي- وموجه لغير المسلمين في الآن ذاته، فالتأمل في الأمور البيئية يمس جميع البشر. ويؤكد لاغارّيغا أن إعادة قراءة المراجع الإسلامية مع مراعاة الجانب البيئي لا تتطلب جهودا متكلفة أو متصنعة، وذلك لكون المصحف يزخر بالآيات التي تشير إلى ضرورة الحفاظ على البيئة والاستدامة واحترام الحيوانات والأرض وغيرها من المسائل الإيكولوجية التي أصبحت في أيامنا هذه تشغل الحكومات عالميا. وفي سنة 2009 أشار أولاف كيورفين (Olav Kjorven)، مدير مكتب سياسات التنمية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أهمية الإسلام في القضية الإيكولوجية قائلا إن "الإسلام قد يلعب دورا حاسما في بناء مستقبل مستدام للعالم".
ويميز لاغارّيغا في كتابه بين ثلاثة محاور ترسم هويتنا كبشر بغض النظر عن معتقداتنا الدينية أو مذاهبنا الفكرية: الأول هو المحور العمودي ويتمثل في أننا "مخلوقات الله". والمحور الثاني أو الأفقي هو "إننا أبناء أمهاتنا". والمحور الثالث أو الدائري هو "إننا نتاج الظروف المحيطة والسياق". وبحسب المؤلف، فإن من المحبذ أن نسعى لتحقيق التوازن بين هذه المحاور وحمايتها من الفوضى التي ستخل حتما بالتوازن الضروري لضبط علاقة الفرد بـالمجتمع، والمجتمع بالفرد، مما قد يؤدي إلى ظهور مشاكل من أنواع متعددة.
ويقول الكاتب إنه ابتداء من القرن العشرين قدمت المناطق الجغرافية ذات الأكثرية المسلمة أملا كبيرا في التطور الاقتصادي والتحضر الاجتماعي، مما دفع الزعماء إلى التركيز على سياسات الدول الإمبرالية التي كانت تمشي يدا بيد مع نموذجيْ "التقنوقراطية والاستهلاك" (أي حيث تغلّب المحور الثالث على غيره من المحاور). وأدت هذه الحالة إلى انفصال بين المبادئ الروحانية الإسلامية والتصرفات اليومية على كل من الصعيد الفردي والاجتماعي. ويطلق لاغارّيغا على هذه الظاهرة مصطلح "التخلي الازدواجي"، إذ نجد فيه محاولة انسجام طرفين مختلفين وهما التصوف الروحاني والاستهلاك المادي المتزايد.
وينعكس "التخلي الازدواجي" في تصرفات عديدة يقوم بها المسلمون اليوم: ففي شهر رمضان المبارك، مثلا، وهي الفترة التي من المفروض أن يبتعد المؤمن فيها عن الإسراف والتبذير والاستهلاك المبالغ فيه، نشهد أزديادا حادا في شراء المواد الغذائية (أو مجرد الشراء)؛ كما نلاحظ أن بقايا الإفطارات الجماعية (التي تُقدّم في صحون وكؤوس بلاستيكية) تنتهي مرمية في صناديق الزبالة. وهنا يبدو أن هذا التقليد الإسلامي الأمثل والذي يُعتبر من أبرز الأحاديث النبوية الشريفة، قد أصبح فعالا داخل حدود البيوت فحسب، وكأن المسلم لا يدرك أن دوره الفردي الأساسي هو في الحفاظ على بيئة الجميع، وهنا يتساءل الكاتب، ألن يظل المسلم محتاجا إلى ماء أو تراب نقي للوضوء هو وأولاده؟
وبعرض هذه المواقف يسعى لاغارّيغا إلى توضيح وإظهار أهمية التوازن بين المحاور الثلاثة كمبدأ لتسيير حياتنا اليومية بطريقة منطقية. ومن ثم يبرر اختيار كلمة "الجهاد" كعنوان لكتابه، فالعادات المبنية على الاستدامة ليست ضمانا لصحتنا فقط، بل هي أمر واجب وحتمي على المسلمين.
(كاتبة إسبانية)
العلماء المسلمون كغيرهم من علماء الديانات الموحدة، تطرقوا إلى هذا الموضوع في إطار ما يسمى "الحركة البيئية الإسلامية" أو "الإسلام البيئي"، وهو مصطلح متعارف عليه في الخارج وفي الأوساط الأكاديمية أكثر مما هو معروف في الخطابات السائدة في العالم العربي، وذلك لأن هذا التيار نشأ لدى مفكرين وأكاديميين مسلمين ولدوا وترعرعوا في بلد عربي انتقلوا لاحقا إلى بلدان أوروبية أو أميركية أو من آسيا القصوى.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نشير إلى حالة ديدلك لاغارّيغا (باحث وشاعر ومحرر إسباني من مواليد 1976، أسلم سنة 2003 وأصبح يدعى "عبد اللطيف بلال بن سمر") وهو يمثل حالة فريدة من نوعها، إذ إنه قبل إصدار كتابه "الجهاد البيئي: انفتاح الوعي من خلال الإيكولوجيا والاستهلاك الحلال"، لم تعرف المكتبات الإسبانية أي عمل موجه للقارئ العادي حول موضوع الإسلام "الأخضر". ولا شك أن هذا العنوان قد جاء في وقت ملائم جدا، نظرا لازدياد اهتمام البلد الإيبيري بالتبادل التجاري مع العالم الإسلامي بصورة عامة وخاصة بما يتعلق بمنتجات "الحلال". وأفضل دليل على هذا، الاهتمام الراهن بتنظيم المؤتمر العالمي الأول للاستهلاك الحلال، الذي انعقد في مدينة قرطبة الشهر الماضي، ومعرض منتجات الحلال الدولي الذي سيعقد في مدريد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
يقدم لاغارّيغا في كتابه أمثلة وشواهد حقيقية تثبت نظريته وتشرح للقارئ كيفية تطبيقها في حياته اليومية. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول إن هذا الكتاب موجه للمسلمين-وهو دعوة لتحليل القرآن والأحاديث النبوية من المنظور البيئي- وموجه لغير المسلمين في الآن ذاته، فالتأمل في الأمور البيئية يمس جميع البشر. ويؤكد لاغارّيغا أن إعادة قراءة المراجع الإسلامية مع مراعاة الجانب البيئي لا تتطلب جهودا متكلفة أو متصنعة، وذلك لكون المصحف يزخر بالآيات التي تشير إلى ضرورة الحفاظ على البيئة والاستدامة واحترام الحيوانات والأرض وغيرها من المسائل الإيكولوجية التي أصبحت في أيامنا هذه تشغل الحكومات عالميا. وفي سنة 2009 أشار أولاف كيورفين (Olav Kjorven)، مدير مكتب سياسات التنمية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أهمية الإسلام في القضية الإيكولوجية قائلا إن "الإسلام قد يلعب دورا حاسما في بناء مستقبل مستدام للعالم".
ويميز لاغارّيغا في كتابه بين ثلاثة محاور ترسم هويتنا كبشر بغض النظر عن معتقداتنا الدينية أو مذاهبنا الفكرية: الأول هو المحور العمودي ويتمثل في أننا "مخلوقات الله". والمحور الثاني أو الأفقي هو "إننا أبناء أمهاتنا". والمحور الثالث أو الدائري هو "إننا نتاج الظروف المحيطة والسياق". وبحسب المؤلف، فإن من المحبذ أن نسعى لتحقيق التوازن بين هذه المحاور وحمايتها من الفوضى التي ستخل حتما بالتوازن الضروري لضبط علاقة الفرد بـالمجتمع، والمجتمع بالفرد، مما قد يؤدي إلى ظهور مشاكل من أنواع متعددة.
ويقول الكاتب إنه ابتداء من القرن العشرين قدمت المناطق الجغرافية ذات الأكثرية المسلمة أملا كبيرا في التطور الاقتصادي والتحضر الاجتماعي، مما دفع الزعماء إلى التركيز على سياسات الدول الإمبرالية التي كانت تمشي يدا بيد مع نموذجيْ "التقنوقراطية والاستهلاك" (أي حيث تغلّب المحور الثالث على غيره من المحاور). وأدت هذه الحالة إلى انفصال بين المبادئ الروحانية الإسلامية والتصرفات اليومية على كل من الصعيد الفردي والاجتماعي. ويطلق لاغارّيغا على هذه الظاهرة مصطلح "التخلي الازدواجي"، إذ نجد فيه محاولة انسجام طرفين مختلفين وهما التصوف الروحاني والاستهلاك المادي المتزايد.
وينعكس "التخلي الازدواجي" في تصرفات عديدة يقوم بها المسلمون اليوم: ففي شهر رمضان المبارك، مثلا، وهي الفترة التي من المفروض أن يبتعد المؤمن فيها عن الإسراف والتبذير والاستهلاك المبالغ فيه، نشهد أزديادا حادا في شراء المواد الغذائية (أو مجرد الشراء)؛ كما نلاحظ أن بقايا الإفطارات الجماعية (التي تُقدّم في صحون وكؤوس بلاستيكية) تنتهي مرمية في صناديق الزبالة. وهنا يبدو أن هذا التقليد الإسلامي الأمثل والذي يُعتبر من أبرز الأحاديث النبوية الشريفة، قد أصبح فعالا داخل حدود البيوت فحسب، وكأن المسلم لا يدرك أن دوره الفردي الأساسي هو في الحفاظ على بيئة الجميع، وهنا يتساءل الكاتب، ألن يظل المسلم محتاجا إلى ماء أو تراب نقي للوضوء هو وأولاده؟
وبعرض هذه المواقف يسعى لاغارّيغا إلى توضيح وإظهار أهمية التوازن بين المحاور الثلاثة كمبدأ لتسيير حياتنا اليومية بطريقة منطقية. ومن ثم يبرر اختيار كلمة "الجهاد" كعنوان لكتابه، فالعادات المبنية على الاستدامة ليست ضمانا لصحتنا فقط، بل هي أمر واجب وحتمي على المسلمين.
(كاتبة إسبانية)