الإرهاب في العالم العربي: السياق والخلفية والآفاق

17 يوليو 2016
(في حلب، تصوير: إبراهيم أبو ليث)
+ الخط -

يعتبر الإرهاب أبرز ظاهرة في القرن الواحد والعشرين، حيث يسلّط كل الاهتمام على هذا المفهوم من أجل تحليله وتفسيره ومعالجته. والمثير في الأمر أن هذه الظاهرة تخطت كل الحدود الجغرافية والمجالية، فلم يعد الإرهاب مرتبطًا بمنطقة ما أو بمجال معرفي محدد كالسياسة أو المجتمع، بل أصبحنا أمام ظاهرة معولمة تخص كل الأقطار في بقاع العالم ويدرسها الساسة، الاقتصاديون، نشطاء المجتمع المدني، رجال الدين، خبراء علم النفس، المثقفين والكتاب.

ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وما تلاها من تداعيات كبيرة لموجة الإرهاب تمثلت في انتشار التنظيمات العابرة للحدود، تنوع الإرهاب، كثرة الانتحاريين، وعلى الجانب الآخر، صياغة الاستراتيجيات الأمنية لمكافحة الإرهاب، القيام بالحرب على الإرهاب، إرساء سياسات عامة مختلفة موجهة نحو مواجهة هذه الظاهرة واقتلاعها من جذورها؛ أصبح الإرهاب منطلق السياسات العالمية وعائقا أمام التنمية الإنسانية الشاملة.

على هذا النحو، تبقى المنطقة العربية محط اهتمام بليغ في ما يخص هذه الظاهرة، خاصة وأنها تتهم كبؤرة لتواجد الإرهابيين ومشتل لرعاية الانتحاريين والمتطرفين، وهذا راجع بالأساس، لأنها منطقة حروب بامتياز؛ فلم تهنأ المنطقة العربية بسلام ولا استقلال تام لحد الساعة ولطالما تم اتهام حركتها المقاومة بالإرهابية من طرف الرأي العام الغربي، كما أنها كانت منبعًا  لأغلب التنظيمات الإرهابية العالمية كالقاعدة وداعش اللذين قدّما أطروحات لمريدهما حول رغبتهما في تحرير الأراضي المحتلة ونصر الدين، خاصة في منطقة تعتمد على الدين والوطنية في تحفيز الناس وتقوية الجبهة الداخلية.

ومع التحول الكبير الذي عرفه العالم العربي في بداية عام 2011 عبر حركات احتجاجية سلمية تنادي بالتغيير الديمقراطي وإقامة مجتمع المواطنة والحرية، تراجعت الخطابات الإرهابية ونكص المنهج التطرفي، وعلى العكس من ذلك، أظهرت مختلف أطياف المجتمع رغبتها الجامحة في خلق مناخ ديمقراطي يحفظ الحريات العامة، الحقوق الأساسية، الكرامة الإنسانية، ويؤسس لدولة الحق والتنمية.

لكن، سرعان ما عادت التوجهات المتطرفة للساحة وتصدرت التنظيمات الإرهابية المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، خاصة مع موجات الثورة المضادة وعودة الأنظمة السابقة بما تحمله من وجوه استبدادية، ملامح قمعية ورغبات انتقامية تمثلت في تغليب الهاجس الأمني عبر تضخيم الأجهزة الأمنية والعسكرية، اغتيال المشروع التنموي عبر الفساد الإداري والمالي وغياب رؤية للمشاكل الاقتصادية كالبطالة، ارتفاع الأسعار، الفقر والتهميش الاجتماعي، ناهيك عن قتل الربيع الديمقراطي باعتقال الشباب، حل مجموعة من الأحزاب والتنظيمات السياسية.

بذلك، عاد الإرهاب في أشكال متعددة مستندًا إلى أحادية المشروع والرؤية في أن مستقبل المنطقة العربية في حكمه لها، كما استيقظت خلاياه في باقي المعمور فتعددت العمليات الإرهابية والانتحارية في تركيا، فرنسا، بلجيكا والولايات المتحدة الأميركية.

بناءً على ما سبق، لا بد من الغوص في ظاهرة الإرهاب والبحث في أسبابها، أنواعها، أشكالها، وكيفية تعاطي القوانين الدولية معها، وكذلك، تسليط الضوء على آفاقها في المنطقة العربية وفي العالم أجمع.

يعرف الإرهاب على أنه عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية. ويشير الإرهاب إلى منهج حُكم وإما إلى طريقة عمل مباشر ترمي إلى إثارة "الرهبة"؛ أي إلى إيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان، وهو بذلك عبارة عن تقنية عمل عنفية تستعملها مجموعةٌ سرِّيةٌ ضد مدنيين بهدف تسليط الضوء على مطالب سياسية معينة.

إن خاصية الاستراتيجية الإرهابية هي إتاحتها الفرصة، عبر أبسط الوسائل التقنية، للاحتيال على وسائل الردع العسكري ذي الإمكانات التقنية الأكثر تطورًا وإفشالِها. ويصنف الإرهاب إلى إرهاب جماعي وآخر فردي؛ ويتخذ الأخير عدة أشكال:

إرهاب فكري، الضغط النفسي، التسفيه، التحقير والقذف، العنف الجسدي، التفكير وهدر الدم، كما يرتكز هذا النوع من الإرهاب على الحصول على المبتغى بشكل يتعارض مع القانون أو المفاهيم الاجتماعية السائدة، وكذلك على أسباب دينية أو مذهبية.

أما الإرهاب الجماعي فينقسم إلى منظم وغير منظم، فالإرهاب الجماعي غير المنظم تقوم به عصابات غير منظمة لتحقيق مآرب خاصة من خلال أعمال التخريب، النهب، السطو المسلح، العنف الجسدي والقتل الجنائي، والإرهاب الجماعي المنظم هو الإرهاب الذي تمارسه جماعات منظمة تمولها وتشرف عليها مؤسسات أو هيئات أو دول معلنة أو غير معلنة، سعياً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو مذهبية، ناهيك عن الإرهاب الدولي فذلك الذي تمارسه دولة واحدة أو أكثر عن طريق تسخير إمكاناتها الدبلوماسية أو العسكرية لتحقيق هدف سياسي، أو الاستيلاء على مكتسبات أو ثروات غيرها من الدول، ويستعمل الإرهاب الدولي الضغط الدبلوماسي، الحصار الاقتصادي، القوة العسكرية والقتل المنظم للمدنيين.

وعلى المستوى القانوني، فعلى الرغم من أن موضوع مكافحة الإرهاب مدرجٌ في جدول أعمال منظومة الأمم المتحدة منذ عقود من الزمن، فإن الاعتداءات التي شنت على الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001، دفعت مجلس الأمن إلى إصدار القرار 1373، الذي أنشأ للمرة الأولى لجنة مكافحة الإرهاب.

بعد ذلك بخمس سنوات، وافقت جميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة للمرة الأولى على الإطار الاستراتيجي المشترك لمكافحة آفة الإرهاب، من خلال استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب. وتشكل هذه الاستراتيجية أداة فريدة لتعزيز جهود المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب وفق الدعائم الأربع التالية:

معالجة الأوضاع التي تساعد على انتشار الإرهاب، منع الإرهاب ومكافحته، بناء قدرات الدول الأعضاء على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد، وضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون باعتبارهما الركن الأساسي لمكافحة الإرهاب.

عربيًا، تأخر الجهد العربي في مكافحة الإرهاب حتى عام 1998 عندما أُبرمت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والتي تنص على أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف، أو التهديد به أياً كانت بواعثه، أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، وبهدف إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

واعتبرت الاتفاقية أن الجريمة الإرهابية هي الجريمة أو الشروع فيها التي ترتكب لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها، أو ممتلكاتها أو مصالحها، وعلى أن تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في المعاهدات الدولية عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة، أو التي لم تصادق عليها.

عالميًا، لم يفرد المشرع الفرنسي قانوناً خاصاً لمكافحة الإرهاب، إنما عالج هذه المسألة ضمن نصوص قانون العقوبات وحدد أفعالًا معينة مجرمة أخضعها لقواعد أكثر صرامة باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام بصورة جسيمة عن طريق التخويف والترويع، كما عرف المشرع الفرنسي الإرهاب بأنه خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب.

تربط تشريعات الولايات المتحدة الأميركية الإرهاب بالأفراد؛ فحسب الاتجاه الفقهي السائد يذهب إلى تعريف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أو من الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة.

وقد سن المشرع الأميركي عدة قوانين لمكافحة الإرهاب، منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971. كما سن الكونغرس جزاءات تفرض على البلدان التي تعاون الإرهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذاً في عام 1976.

وقد عرّفت وزارة العدل الأميركية عام 1984 الإرهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف.

بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطراً على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة، غير أن المشرع الأميركي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب.

ويعتمد الإرهاب في العالم العربي على مجموعة من الأسباب، فالحالة السياسية الرديئة بما تحمل في طياتها من استيلاء على السلطة دون إشراك المواطنين في صناعة القرار الوطني، انعدام الثقة في المؤسسات العامة ثم ارتهان الحركات السياسية سواء كانت في السلطة أم المعارضة.

وقد لاحظنا كيف فشلت الحركات الشبابية الديمقراطية في تأطير الشباب وتوجيههم نحو العمل السياسي السلمي والبناء، بدلاً من الاتجاه نحو الاٍرهاب والعنف، فقد شوهد العديد من الشباب الانتحاري مؤخراً في تنظيمات شبابية بعد ثورات الربيع العربي، كالعمليات الانتحارية لكن فشل هذه التنظيمات في احتوائه وتوجيهه دعاه إما للمبادرات الفردية العنفية أو الانتماء لتنظيمات إرهابية كداعش ومن على شاكلتها.

بالإضافة إلى ذلك، يساهم الضعف الاقتصادي في خلق الاحتقان الاجتماعي، فتدني مستوى العيش، استفحال البطالة ورداءة الخدمات الصحية، السكنية والتعليمية تغييب العدل عن المجتمع، تستباح الكرامة وتزرع بذور الكراهية والتطرف.

علاوة على ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الخطر الحقيقي للإرهاب هو فكر يبيح القتل والدمار ويفضي إلى الخوف وعدم الاستقرار، يدفع العديد من الشباب إلى الهجرة في التاريخ فراراً من اليأس والبؤس، للخلاص في الآخرة، بعد أن أصبحت الدنيا جحيماً في أعينهم، فيتجهون نحو التطرف الديني والإرهاب، لذلك فالمقاربة الأمنية غير كافية لمواجهة الإرهاب، إذ يستلزم الأمر إصلاحا سياسيا، تنمية اقتصادية ونهضة ثقافية تصحح المفاهيم الخاطئة من خلال منظومة تربوية قويمة وإعلام هادف لا يكون محتواه عبارة عن حشو المجال العام بأضغاث أفكار لا قيمة لها ولا يكون وسيلة إعدام معنوي ومنصة عقوبة لمعارضي السلطة.


(المغرب)