الأوليغارشيون الجدُد في الجزائر... إعادة إنتاج زواج المال بالسياسة

25 اغسطس 2019
دعوات لا تتوقف لفصل السياسة عن المال بالجزائر(العربي الجديد)
+ الخط -
يشترط رجل الأعمال الجزائري حسان خليفاتي، قبل العودة إلى تنظيم منتدى رؤساء المؤسسات الذي غادره قبل 4 أشهر، "انسحاب ممثلي حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) وبقية رجال الأعمال الممارسين للسياسة عبر أحزاب أو حتى من لديهم مقاعد برلمانية، تدعم كياناتهم وتمنحهم امتيازات"، كما يقول الخمسيني الذي يدير شركة "أليانس للتأمينات"، مضيفا في إفادته لـ"العربي الجديد" أن "بعض الوجوه التي جمعت بين المال والسياسة غادرت المنتدى مع بداية حراك 22 فبراير، إلا أن الوجوه الجديدة مجرد امتداد للأفلان".

وانتخب الأربعيني سامي عقلي والذي يسيّر مجمع "عقلي" للصناعات الغذائية، والكادر في حزب جبهة التحريرالوطني رئيسا جديدا لمنتدى رؤساء المؤسسات، الذي يضم رجال أعمال وأرباب عمل (تأسس عام 2000) في 24 يونيو/حزيران الماضي، خلفا لرجل الأعمال علي حداد، ثاني أكبر أثرياء الجزائر وفق تصنيف مجلة "فوربس" الصادر في 7 يونيو/حزيران من عام 2018، والذي يقبع حاليا في السجن بتهم فساد، كما سبق أن ترشح عقلي للانتخابات التشريعية في الجزائر عام 2017، للظفر بمقعد برلماني باسم الأفلان في ولاية بسكرة.


أسماء جديدة بعد الحراك

يترأس عقلي أكبر تنظيم "باترونا" (أرباب عمل) في الجزائر، إذ يضم 4 آلاف رجل أعمال ويسيّر 40 مليار دولار حسب الحصيلة الأخيرة للمنتدى المنشورة على موقعه الإلكتروني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وبالرغم من دعوات فصل السياسة عن المال المتصاعدة منذ يونيو/حزيران 2017 والتي أطلقها رئيس الحكومة الأسبق عبد المجيد تبون، حصل انتخاب نواب رئيس منتدى رؤساء المؤسسات من المتحزبين، وهم زرقون رحمون الذي يعد كادرا في حزب الأفلان، المسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان بالجزائر، ومهدي بن ديمراد من حزب الحركة الشعبية الجزائرية (أحد الأحزاب التي دعمت العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة).

ويعد مالك مجموعة "صحراوي للبناء" عبد المالك صحراوي، وعبد الكريم مباركية صاحب شركة "جيانت إلكترونيك"، مثالان عن رجال الأعمال من كوادر الأفلان، ولم ينف سامي عقلي وجود كوادر حزبية ضمن تنظيم أرباب العمل الذي يترأسه، إذ قال لـ"العربي الجديد": "الجميع حر في اختيار الحزب الذي يريده، وبإمكانهم ممارسة السياسة، فالمهم عدم ممارسة السياسة داخل منتدى رؤساء المؤسسات، وألا يتم استغلال هذا التنظيم لتحقيق أغراض سياسية، وألا تدعم الأحزاب تواجد رجال أعمال داخله". ويشتكي 40 عضوا انسحبوا منذ بداية الحراك الشعبي (وتحديدا في 2 مارس/آذار) من تداخل المال والسياسة بتنظيم منتدى رؤساء المؤسسات، منهم المرشح السابق لرئاسته حسان خليفاتي، والرئيس المؤقت للمنتدى سابقا صاحبي عثماني.

ويقول خليفاتي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "رجال الأعمال الذين تقف وراءهم أحزاب سياسية، يتمتعون بامتيازات تمكنهم من الحصول على مناصب قيادية بهذا المنتدى". ويضم المكتب التنفيذي لمنتدى رؤساء المؤسسات 48 عضوا، وفقا لما تمخص عن الاجتماع الانتخابي في يونيو الماضي، من بينهم أعضاء ينتمون إلى أحزاب سياسية موالية للسلطة في الجزائر، وهي الأفلان والتجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي) وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، كما يقول حسان خليفاتي. ويعد أبرز القياديين المتحزبين سامي عقلي وزرقون رحمون، وحسين متيجي، وبايري محمد، عن حزب جبهة التحرير الوطني، وصلاح الدين عبد الصمد ومهدي بن ديمراد عن الحركة الشعبية الجزائرية، في حين يتحفظ بقية الأعضاء عن التصريح بانتمائهم الحزبي وفق ما وثقته معدة التحقيق.



غرفة التجارة والسياسة

من بين الوجوه الجديدة التي برزت بعد الحراك الشعبي، عبد القادر قوري، أحد كوادر حزب جبهة التحرير الوطني، إذ تم انتخابه على رأس غرفة التجارة والصناعة الجزائرية في 15 يونيو المنصرم، خلفا لمحمد العيد بن عمر، صاحب مجمع "عمر بن عمر" للعجائن الغذائية، ورابع أغنياء الجزائر وفقا لمجلة "فوربس". ويقول قوري لـ"العربي الجديد": "فعلا كنت منخرطا بحزب الأفلان منذ سنة 1997، ثم بعدها بسنوات تحولت إلى حزب الأرندي (الجناح الثاني للسلطة) ولكني منذ مايو 2012 انسحبت من السياسة وتفرغت لمجال الأعمال، والقوائم الخاصة بالحزبين في ولاية وادي سوف تثبت ذلك، مضيفا أن "هذا لا يعني أن قطاع الأعمال يمنعني من ممارسة السياسة، فقد أختار أي حزب آخر بعد الحراك، فرجل الأعمال مثل بقية المواطنين، من حقه الانتماء للحزب الذي يختاره، والمهم عدم الاستقواء بالحزب داخل غرفة التجارة والصناعة".


زواج المال والسياسة

زواج السياسة بالمال في الجزائر، يثير حفيظة عضو القيادة الجماعية والناطق باسم حزب جبهة التحرير الوطني حسين خلدون، الذي اعتبر أن الأصل في السياسة النضال من أجل بناء الدولة الجزائرية، والجمع بين المال والسياسة فساد للاثنين، مصرحا لـ"العربي الجديد" بأن "المرحلة التي عاشها حزب جبهة التحرير الوطني منذ ولوج رجال أعمال للحزب أفسدت العمل السياسي داخله". ويرصد خلدون بداية تغلغل المال الفاسد في حزب الأفلان، قائلا إن "رجال أعمال دخلوا الحزب بقوة سنة 2002 بحثا عن غطاء سياسي للوصول إلى مآربهم، ومراكز صنع القرار وهو ما تمخض عنه تراجع المناضلين الحقيقيين". ومن بين العوامل التي ساعدتهم للوصول إلى هذه الأحزاب وجود قيادة غير شرعية، تضخم نفوذها في حقبة الأمين العام السابق جمال ولد عباس، (المودع الحبس المؤقت بتهم تتعلق بتبديد أموال عمومیة وإبرام صفقات مخالفة للتشريع المعمول به وإساءة استغلال الوظیفة والتزوير في محررات عمومیة، من طرف قاضي تحقيق المحكمة العليا، بتاريخ 7 يوليو/تموز 2019، وابنه الوافي متهم بقضية رشوة من طرف رجال أعمال، ومنح امتيازات غير مستحقة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2017، وصدرت مذكرة توقيف بشأنه في 8 يوليو)، إذ ساهم الشخصان بحسب خلدون في جلب العديد من المقاولين وأصحاب رؤوس الأموال المشكوك في مصدرها للحزب، وتكريس نمط اقتراع القائمة المغلقة الذي سمح بشراء المقاعد في البرلمان، وانتشار الرشوة. "ومكّن وصول رجال أعمال دون "أخلاق سياسية" إلى الأفلان من التطبيل للعهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إذ تحول الحزب كما يقول خلدون إلى سوق كبير للبيع والشراء، ومن إجمالي 500 عضو في اللجنة المركزية، 200 عضو فقط لا علاقة لهم بالمال والأعمال"، وفق تأكيد القيادي في الحزب.



صراع الأجنحة

يشهد الأفلان منذ سنوات صراع أجنحة بين مدافع عن جمع المال بالسياسة ومعارض لوجود رجال أعمال بمحافظات الحزب. واشتدت حدة الصراع في الأشهر الأخيرة، ويدافع عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، حسام فارح عن رجال المال الممارسين للسياسة قائلا لـ"العربي الجديد": "نحن لم ولن نفضلهم عن عامة المناضلين، كما لن نمنعهم من النضال شرط أن يستوفوا شروط الانخراط وأن يلتزموا بضوابط الحزب وتزكيهم الخلية ثم القسمة (وهما أصغر هياكل الحزب بالمحافظات والبلديات)".

ودافع فارح عن وجوه الطبقة الأوليغارشية الجديدة بالقول: "نحن في الأفلان فقط مع رجال المال والأعمال النزهاء، لا من أتى بهم نظام بوتفليقة لنهب المال العام والثراء غير المشروع". وفي الجناح المقابل، يرى القيادي في الحزب حسين خلدون، أن الحل لتطهير جبهة التحرير الوطني من رجال الأعمال يكمن في مراجعة قانون الاقتراع، كما يدعو لمراجعة قانون تأسيس الأحزاب السياسية، خاصة بعد صدور قرارات متتالية منذ شهر مايو بتوقيف 10 رجال أعمال جزائريين، يقبعون حاليا في السجن، من بينهم علي حداد الرئيس السابق لتنظيم منتدى رؤساء المؤسسات، ومحمد بايري نائب رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، الذي جاء في الوثيقة الصادرة عن النيابة العامة بتاريخ 19 يوليو، بأنه ساهم في تمويل الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وموّل حزب الأفلان، والإخوة كونيناف، من حزب جبهة التحرير، المتهمين بالتورط في تهريب العملة الصعبة للخارج، وفقا لما تضمنه بيان النيابة العامة الصادر بتاريخ 1 إبريل/ نيسان الماضي، فيما تتمثل تهم بقية الموقوفين في الحصول على امتيازات غير مشروعة والتلاعب بالصفقات والتواطؤ مع وزراء ومسؤولين في الدولة وتهريب العملة واستغلال مؤسسات وهيئات حكومية، وأيضا تمويل أحزاب سياسية، وهو ما تثبته مراسلات وبيانات النيابة العامة التي استلمت معدة التحقيق نسخا عنها، والصادرة بين شهري إبريل ويوليو 2019.


ويرى المحامي إبراهيم بهلولي أستاذ القانون في جامعة الحقوق والعلوم القانونية بالجزائر، والمعتمد لدى المحكمة العليا أن العامل الرئيسي الذي يقف وراء تجاوز رجال الأعمال للقوانين، هو "زواج المال والسياسة"، بحيث أصبح من يشرع هو من يعاقب وهو من يأمر المراقب المالي، ما ساهم في تشكيل تنظيم متعمد لنهب المال العام. وتستمر انقسامات منظمات الباترونا في الجزائر، إذ يؤكد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات بالنيابة، منصف عثماني، والمستقيل منذ شهر مايو المنصرم، لـ"العربي الجديد" أنه لا مجال لعودته إلى التنظيم الذي لا يزال إلى يومنا هذا مرتبطا بالأفلان، قائلا: "من يريد ممارسة الاقتصاد، وترأس تنظيم الباترونا، يجب أن يبتعد كليا عن السياسة، فلا يمكن الجمع بين النضال في حزب ورئاسة منظمة أرباب العمل، ومن يفعل ذلك يقع في المحظور".