الأوركسترا العراقية.. عزفٌ منفرد

31 اغسطس 2014
تصوير: طارق حسون
+ الخط -

تحاول "الأوركسترا السمفونية الوطنية العراقية" لمّ شملها لتقدّم للجمهور العراقي أعمالاً كلاسيكية رغم ما يعانيه العراق من خراب أمني وسياسي يحول دون انتظام عمل الفرقة.

من حال العراق، هكذا هو حال "الأوركسترا العراقية" التي تعرضت مكتبتها الموسيقية إلى نهب بعد الاحتلال عام 2003، كما تعرّض عازفوها للتهديد، وهرب عدد منهم مع موجة التطرف الديني التي اكتسحت البلاد وأقصت كلّ ما له علاقة بالغناء والفنون الأدائية المعاصرة.

كانت "الأوركسترا العراقية" أيضاً - وما زالت - دون مسرح يحتضن نشاطاتها، وبقي حلمها في دار للأوبرا مثل أحلام آلاف المشردين في بيت آمن. ولهذا شكّلت حفلتها الأولى مهمة شاقة، لا سيما وأنها انطلقت في عام 2003 نفسه وتوقّف نشاطها بعد أشهر قليلة.

واليوم، جمَعَ الموسيقار كريم وصفي شتات هذه الفرقة التي تأسست عام 1959، لتنير قليلاً مساءات بغداد وتعيد حقبة ازدهارها في الستينيات، مانحةً بعضاً من السكينة لشوارعها المذعورة التي اعتادت النوم مبكّراً طيلة سنوات لكي لا تسمع عزف العنف الطاغي.

خمسة وثمانون عازفاً على آلات موسيقية متنوعة انطلقوا من جديد في عملهم ليقدّموا للجمهور العراقي موسيقى كلاسيكية في خضمّ العنف الذي يحاصرهم من جهة، وفراغ المشهد الفني العراقي من جهة أخرى.

اعتاد محبّو الموسيقى الركون إلى "المسرح الوطني في بغداد" لتلبية رغباتهم والاسترخاء. هكذا صارت ليالي الخميس الأول من كلّ شهر طقساً وحيداً تكرّسه "السمفونية الوطنية العراقية" لهم، علماً أن المايسترو كريم وصفي لا يرى الأمور بورديّة حالمة. وفي هذا السياق يقول لـ"العربي الجديد": "الاستمرار في إحياء حفلات الفرقة السمفونية الوطنية مهمة ليست سهلة ولا هي ممكنة دائماً، لكن الاستمرار ليس مستحيلاً".

عكف الموسيقيون على تقديم ما لا يقل عن ثلاث سمفونيات كلاسيكية بماهرات أدائية عالية، وتطعيمها بوصلات موسيقية أخرى، مُقترحةً أيضاً، وفي كلّ مرة، مقطوعات جديدة تستخدم فيها الوتريات الشرقية بهدف تبلية رغبات الجمهور في الإصغاء إلى الطرب والمقامات العراقية.

مع الأسف، لم تستطع الفرقة أن تكون بمستوى التحدّي، فعام 2013، توقّفت من جديد أمسياتها وتضاءلت حتى باتت تقدِّم حفلة واحدة كل شهرين أو ثلاثة. وكذلك الأمر جمهورها الذي سرعان ما هجر فعالياتها وانتقدها بعضُه لتقديمها ألحاناً تستحضر الألحان والإيقاعات التي علقت في ذهن العراقيين أيام حروب النظام السابق، علماً أن الموسيقار محمد عزت أمين، في حينه، نفى هذا الأمر، مؤكداً أن الألحان جديدة.

لا نعرف ما يحصل خلف الكواليس أو لماذا تتوقّف الفرقة من حين إلى آخر عن العزف، ولماذا يتغير المسؤولون عنها بانتظام؟ لعل هذا يعكس "غياب الشخص المناسب في المكان المناسب"، ليس فقط على رأس الفرقة، بل في البلاد عموماً. والآن يستعد المايسترو كريم وصفي، مرة آخرى، لقيادة المركب في بحر العراق الهائج وتقديم حفلة جديدة على خشبة "المسرح الوطني" لم يحدد موعدها.. إلى حين استعادة طقس الكلاسيكيات وأيام الإصغاء العميق.

المساهمون