الأوجاع الخمسة برحيل مي سكاف
لم يترك موت سوري، منذ مطلع الثورة عام 2011، من ألم ووجع كما فقدان المعارضة مي سكاف، اليوم الإثنين، بل وقلما اتفقت المعارضة على شخص اتفاقها على وطنية مي ونضالها وصدقها بمسعاها للحرية ودولة المواطنة الخالية من الاستبداد والقهر والظلم، إنْ قبل أن تعتقل بأيام الثورة الأولى، أو خلال ملاحقاتها وسفرها للأردن ومن ثم باريس، لـ"تهرب" وبصمت، عن هذا العالم المصمم على قهر المظلومين والداعم لكل أشكال الاستبداد والظلم.
لماذا كل هذا الحب لمي سكاف، وماذا يمكن أن نستخلص من "حزن" كل السوريين، على خسارة مناضلة آثرت زراعة الأمل والكفاح حتى آخر يوم بحياتها.
ربما النقطة الأولى، أن مي سكاف، وكثرا مثلها، دحضوا أهم مقولات الأسد ومبرراته لقمع الثورة، وادعائه بأن الثورة إسلامية وطائفية، فمي سكاف "المسيحية" كانت تخرج من جوامع الميدان وكفرسوسة مطلع الثورة، وتهتف إلى جانب المتظاهرين: "واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد".
وربما النقطة الثانية، بما رده السوريون لمي وأمثالها، بأن حملوها على الأكتاف، ورأوا فيها شريكة أمل للوصول للحرية، فكانت نداءات الثوار بحماة "حيوا الفنان الي ما بخاف.. يا الله نحيي مي سكاف"، وكذا بدمشق وريفها، بل وباعتراف مي نفسها، الإسلاميون ليسوا إرهابيين، "بل هم من ساعدوني"، كالشيخ سارية الرفاعي ورفاقه.
وأما النقطة الثالثة، فهي أن مي سكاف، ومن قلة قليلة، لم تنطل عليها "فزاعة الإرهاب وأسلمة الثورة"، ففي حين انزوى كثيرون، بعد أن أيدوا الثورة بمطلعها وخرجوا مع السوريين بتظاهراتهم، وانكفأوا تحت تأثير "فزاعة الإسلاميين وسنية الثورة"، قالت مي سكاف: "هل من يساعد امرأة وممثلة مسيحية هم إرهابيون؟ إن كانت مساعدة الناس والوقوف بجانبهم إرهاب، فإن الإرهاب على رأسي".
والنقطة الرابعة والأهم ربما، بما تملكه سكاف وترك وجعاً مضاعفاً بقلوب السوريين، أنها أيضاً من قلة نادرة لم يطاولها اليأس ولم تعترف بهزيمة الثورة، بواقع الانحياز الدولي لنظام الأسد والسكوت عن جرائمه، بل وبتغير مواقف الدول الإقليمية، بعد أن ادعت نصرة الثورة والوقوف إلى جانب السوريين.
ولعل آخر منشور لها على "الفيسبوك" قبل موتها بيوم، دليل على تصميم مي على النضال حتى الوصول للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والرفض لما يتم تحضيره من إعادة إنتاج بشار الأسد وعودة سرقة سورية وشخصنتها: "لن أفقد الأمل.. لن أفقد الأمل.. إنها سورية العظيمة وليست سورية الأسد".
ولعل ببعض مواقف أنصار بشار الأسد ورد فعلهم على وفاة مي سكاف، هو الوجع الخامس، ففي حين نشر بعض المؤيدين للأسد نبأ وفاتها، انهالت الشتائم وتهم التخوين والإساءة بكلمات، على الأقل، لا تليق بمناضلة كمي سكاف، فماذا بعد أن تفارق الحياة.
ويشي هذا الوجع ضمن ما يدلل، على مدى الحقد الذي تراكم لدى ضفة الأسد، ومدى صعوبة التفكير، حتى بالتعايش مع هؤلاء، ففي حين يؤكد موروث السوريين أنه لا تجوز على الميت إلا الرحمة، رأينا هؤلاء يسيئون ويتهمون، بل ويعلنون الفرح بوفاة مي.
نهاية القول: ربما من وجع سادس يضاف لموت مي سكاف المفاجئ بباريس، إذ وحتى كتابة هذه السطور، لم يتم الكشف عن سبب الوفاة، هل قلب مي تعب ولم يعد قادراً على النبض وبث الأمل والحب، بواقع تسوده الكراهية ومساندة الظالمين، فرحلت بهدوء وصمت، أم ثمة أسباب للوفاة وربما هناك من يقف وراءها..
بمجمل الأحوال، كسر موت مي سكاف قلوب وخواطر السوريين، ولعل ما كتبه عامة السوريين بنعيها، يدلل ويختصر الكثير من الآهات والوجع والكلام: "حينما يسألني أولادي عن الثورة السورية، لن أقول هي داعش والنصرة والفصائل وثوار الفنادق، سأقول ثورة شعب ومطالب حرية، يمكن اختصارها بمي سكاف".