الأنشطة السرية تستنزف خزينة الدولة المغربية

22 فبراير 2016
في إحدى الأسواق في مراكش (فضل سينا/ فرانس برس)
+ الخط -
يثير تنامي أنشطة القطاع غير المهيكل (المنظم) في المغرب مخاوف الحكومة، لا سيما بعد تنامي عدد وحدات الإنتاج غير المنظمة وصعوبة تحديد حجم الخسارة التي تسببها للاقتصاد الوطني خلال العشرية الأخيرة. ومبعث هذا التخوف هو الخسائر الكبيرة التي تتكبدها خزينة الدولة على اعتبار أن العاملين بهذا القطاع لا يدفعون الضرائب، ولا تعنيهم التغطية الاجتماعية للعاملين معهم. العاملون في هذا القطاع يبررون لجوئهم إلى "الأنشطة السرية" بسبب الصعوبات الكبيرة التي يجدونها في الالتزام بما تفرضه الدولة من شروط يصفونها بالثقيلة على الراغبين في الاستثمار وإنشاء شركة، خاصة على مستوى الضرائب التي تلتهم الجزء الأكبر من المداخيل وتشكل عبئاً على المشروع، وأيضاً على مستوى الالتزامات تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولهذا لا يكون أمامهم، بحسبهم، خيارات سوى الانخراط في الدورة الاقتصادية لقطاع غير مهيكل باعتباره الخيار المتوافر والأسهل للخروج من دائرة البطالة والفقر ومواجهة تكاليف العيش. حجم أعمال ضخم بلغة الأرقام، يفيد بحث وطني أنجزته مندوبية التخطيط أن حجم الأعمال السنوي للقطاع غير المهيكل يناهز 280 مليار درهم، ويعرف هذا الرقم تطوراً بمعدل 6.7 في المائة سنوياً في المتوسط. فيما يبلغ حجم إنتاجه السنوي 107.9 مليارات درهم.

معطيات غير دقيقة

يقول أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم بمراكش، إبراهيم منصور لـ "العربي الجديد"، إن "المعطيات الرسمية المتعلقة بالقطاع غير دقيقة، إذ في وقت تتحدث الدولة عن مساهمة القطاع غير المهيكل بنسبة 15 في المائة من الناتج الخام، نجذ أن جهات أخرى مهتمة، تتحدث عن نسب تفوق ذلك بكثير لتصل إلى 40 في المائة، ولهذا ففي رأيي أن مساهمة القطاع غير المنظم لا تنحصر فقط في الاقتصاد، بل تتعداه إلى المستوى الاجتماعي، أي أنه عامل مهم من عوامل السلم الاجتماعي". ويتابع: "رغم المجهودات التي قامت بها الدولة، من أجل إدماج العاملين في القطاع المهيكل، فإن هناك تخوفاً من اعتماد أسلوب زجري قد يولد احتجاجات واسعة. ولا ننسى أن هناك إشكاليات ترتبط بعقلية وأسلوب تفكير فئات عريضة من هؤلاء، إذ إن العاملين في القطاع غير المهيكل يتخوفون دائماً مما هو رسمي وما هو إداري، ويتخوفون أيضاً من اعتماد معايير الشفافية، وهذه المسألة ترتبط حتى بما يجري في القطاع المنظم". ويقول منصور: "حتى في القطاع المنظم هناك شركات لا تؤدي ما بذمتها للدولة من ضرائب ورسوم، وحسب بعض الإحصائيات الرسمية فبسبب الثقل الضريبي ترتفع نسبة الشركات التي تقدم إقرارات مغلوطة إلى إدارة الضرائب إلى نسبة 60 في المائة من الشركات المغربية بمعنى أنها تسجل عجزاً مالياً من أجل التقليص من كلفة الضرائب". وبالعودة إلى المعطيات الرسمية نجد أنه حسب القطاعات يشكل القطاع التجاري أهم القطاعات غير المنظمة بحوالي النصف، بالإضافة إلى القطاع الصناعي والخدمات والبناء. ويحتل القطاع التجاري الصدارة بسبب العدد الهائل للباعة المتجولين، ووفق إحصاءات وزارة الصناعة والتجارة هناك أكثر من مليون نقطة بيع في المغرب منها أكثر من 400 ألف نقطة يمارس أصحابها نشاطهم بصفة متنقلة. نحو استراتيجيات اجتماعية - اقتصادية لكن ماذا عن الاستراتيجيات التي اعتمدتها الدولة، خاصة استراتيجية "رواج" التي استهدفت التجار، ومخطط "الإقلاع الصناعي"؟ يقول رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات السابق وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، كمال الدين فاهر لـ "العربي الجديد": "من خلال اشتغالنا على المشاريع التي أطلقتها الدولة في محاولة منها للحد من توسع القطاع غير المهيكل. اتضح لنا أن الاقتصار على التصور الاقتصادي الصرف للملف لا يمكن بأي حال أن يؤتي بنتائج حسنة. وكان يفترض أن تقارب المعضلة اجتماعياً. وفي اعتقادي يجب الإجابة عن سؤال محوري هو: "هل يمكن إيجاد بدائل لآلاف الأشخاص الذين يعيشون من الأنشطة غير الهيكلة؟ والبديل في رأيي يشمل ضمان مداخيل ثابتة وتوفير تغطية اجتماعية وتقاعداً يضمن كرامتهم". الأمور مترابطة، حسب فاهر، "ومن الخطأ أن نفصل الأمور ونركز على حث هؤلاء على أداء ما بذمتهم للدولة من ضرائب وتهديدهم بالغرامات والمتابعات القضائية، دون أن نلتفت إلى أوضاعهم الاجتماعية". ويشرح: "لهذا أركز على ضرورة مقاربة الملف من جميع جوانبه السوسيولوجية والاقتصادية، والأساس إيجاد بديل مقبول لهؤلاء، وحينها سيكون مشروعاً أن نطالبهم بأداء الضرائب والالتزام بالقانون".
المساهمون