يصعب ضمن هذا العرض لأوضاع سكان المنطقة العربية تجاهل مسألة الأميّة. التوقف عندها مردّه الأساس تعذّر، لا بل استحالة، التنمية العامة أو المحلية في ظل الأمية المستشرية في معظم الدول العربية.
بعيداً عن الخوض في أشكال وأنواع الأميات (أميّة قلمية، أميّة كتابية، أميّة لغات، أميّة سياسية وثقافية وأدبية، أمية تكنولوجية، وغيرها) يمكن الإشارة إلى تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) أفاد بأنّ نسبة الأميين من سكان المنطقة العربية تصل إلى 40 في المائة. وهو ما يعني أنّ نحو 100 مليون عربي كانوا يعانون من الأميّة عند إعداد التقرير. والأميّة التي تتحدث عنها اليونيسكو هي الأميّة البسيطة، بمعنى إجادة الكتابة والقراءة وتدبير الأمور الحياتية الصغيرة. وتأتي إحصاءات "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" لترفع العدد مع احتساب الزيادات إلى 120 مليون نسمة. من جهتها، رفعت منظمات المجتمع المدني العربية الرقم الأخير إلى 150 مليون أميّ، أي ما نسبته 45 في المائة من عدد السكان.
بالتأكيد، الصورة ليست متوازنة في نسب ومعدّلات الأمية بين المدن والأرياف، بين هذه الدولة الفقيرة وتلك الغنية، بين الشريحة الأشد فقراً وعوزاً والفئات الميسورة... وهكذا. لكنّه يجب الانطلاق من معطى شبه جوهري ومتفق عليه يلحظ ارتفاع نسبة الأميّة بين النساء إلى ضعفَي ما هي بين الرجال. مع ذلك، فإنّ تقارير "مؤسسة الفكر العربي" كانت قد حذّرت من أنّ أجيالاً جديدة من الأطفال، من دون أن تميّز بين ذكور وإناث، باتت تضاف إلى جموع الأميّين، ما يعني أنّ عدد الأميّين إلى تصاعد.
ما يهمّ ويجب التوقف عنده هو أنّ هذا الوضع الكارثي يعبّر عن خلل فادح وفشل في السياسات والبرامج التعليمية وفي أنظمة التعليم ويؤشّر إلى تدنّي نسبة ما يصرف على هذا القطاع في الموازنات العامة. في الوقت نفسه، يعبّر عن عجز وقصور في مشاريع وبرامج محو الأميّة التي نُفّذت في غضون العقود المنصرمة.
اليوم، يصعب القول إنّ أطفال سورية والعراق واليمن وليبيا في غالبيتهم يحصلون على التعليم، وعليه فإنّ الأعداد مرشّحة للزيادة، إذ إنّ معظم الأرقام السابقة جرى التداول بها قبل لحظات الانفجار المتمادية. ولعلّ خطورة إضافة أعداد جديدة إلى قائمة الأميّين هي في أنّها ترسخ الأفكار الغيبية والخرافية عن الحياة وتكرّس التخلف والتبعيّة وترى أنّ موقع المرأة هو المنزل. كلّ ذلك يساعد على تأبيد الأميّة من جهة والتوجّه نحو ممارسة الإرهاب تحت وطأة الأفكار المتطرّفة من جهة ثانية. ولهذا كله مضاعفات بالغة الخطورة على استقرار المنطقة العربية في المقبل من الأيام، بالتأكيد.
*أستاذ جامعي
اقــرأ أيضاً
بعيداً عن الخوض في أشكال وأنواع الأميات (أميّة قلمية، أميّة كتابية، أميّة لغات، أميّة سياسية وثقافية وأدبية، أمية تكنولوجية، وغيرها) يمكن الإشارة إلى تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) أفاد بأنّ نسبة الأميين من سكان المنطقة العربية تصل إلى 40 في المائة. وهو ما يعني أنّ نحو 100 مليون عربي كانوا يعانون من الأميّة عند إعداد التقرير. والأميّة التي تتحدث عنها اليونيسكو هي الأميّة البسيطة، بمعنى إجادة الكتابة والقراءة وتدبير الأمور الحياتية الصغيرة. وتأتي إحصاءات "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" لترفع العدد مع احتساب الزيادات إلى 120 مليون نسمة. من جهتها، رفعت منظمات المجتمع المدني العربية الرقم الأخير إلى 150 مليون أميّ، أي ما نسبته 45 في المائة من عدد السكان.
بالتأكيد، الصورة ليست متوازنة في نسب ومعدّلات الأمية بين المدن والأرياف، بين هذه الدولة الفقيرة وتلك الغنية، بين الشريحة الأشد فقراً وعوزاً والفئات الميسورة... وهكذا. لكنّه يجب الانطلاق من معطى شبه جوهري ومتفق عليه يلحظ ارتفاع نسبة الأميّة بين النساء إلى ضعفَي ما هي بين الرجال. مع ذلك، فإنّ تقارير "مؤسسة الفكر العربي" كانت قد حذّرت من أنّ أجيالاً جديدة من الأطفال، من دون أن تميّز بين ذكور وإناث، باتت تضاف إلى جموع الأميّين، ما يعني أنّ عدد الأميّين إلى تصاعد.
ما يهمّ ويجب التوقف عنده هو أنّ هذا الوضع الكارثي يعبّر عن خلل فادح وفشل في السياسات والبرامج التعليمية وفي أنظمة التعليم ويؤشّر إلى تدنّي نسبة ما يصرف على هذا القطاع في الموازنات العامة. في الوقت نفسه، يعبّر عن عجز وقصور في مشاريع وبرامج محو الأميّة التي نُفّذت في غضون العقود المنصرمة.
اليوم، يصعب القول إنّ أطفال سورية والعراق واليمن وليبيا في غالبيتهم يحصلون على التعليم، وعليه فإنّ الأعداد مرشّحة للزيادة، إذ إنّ معظم الأرقام السابقة جرى التداول بها قبل لحظات الانفجار المتمادية. ولعلّ خطورة إضافة أعداد جديدة إلى قائمة الأميّين هي في أنّها ترسخ الأفكار الغيبية والخرافية عن الحياة وتكرّس التخلف والتبعيّة وترى أنّ موقع المرأة هو المنزل. كلّ ذلك يساعد على تأبيد الأميّة من جهة والتوجّه نحو ممارسة الإرهاب تحت وطأة الأفكار المتطرّفة من جهة ثانية. ولهذا كله مضاعفات بالغة الخطورة على استقرار المنطقة العربية في المقبل من الأيام، بالتأكيد.
*أستاذ جامعي