أثبتت الخبرات السابقة في التعامل مع الجماعات الجهادية سواء ذات الطابع العالمي أو الإقليمي أو المحلي، أن الاختراق الأمني أكثر وسيلة ناجحة لتصفية تلك المجموعات. والخبرة المصرية في هذا التعامل مع الجماعات الجهادية في القرن المنصرم، تشير إلى زرع عناصر تابعة للأجهزة الأمنية وسط هذه المجموعات في محاولة اختراقها والحصول على معلومات ومن ثم القضاء عليها.
وتعمد أجهزة الاستخبارات إلى محاولة زرع عناصرها لنقل تحركات أي مجموعة جهادية، ولكن هذه المرة وفي حالة "ولاية سيناء"، بدا أن الأمر في غاية الصعوبة، إذ تمكّن التنظيم من ضبط "جاسوس" من الأجهزة الأمنية، كما قال.
ويواجه الجيش والأجهزة الأمنية والاستخباراتية أزمة كبيرة في الحصول على معلومات عن تنظيم "ولاية سيناء"، ولذلك لجأت الأجهزة الأمنية إلى محاولة زرع عناصرها داخل التنظيم.
ويشير مراقبون، إلى أن أهم عامل في مواجهة الجماعات الجهادية، هو الحصول على المعلومات، وهو أمر غائب في مواجهة الجيش للتنظيم في سيناء. كما يرفض أهالي سيناء إعطاء الأجهزة الأمنية معلومات عن عناصر التنظيم وتحركاتها، وبعضهم يتخوّف مما قد يتعرضون له من التنظيم المسلح في حال كشف تعاونهم مع الجيش. وأقدم التنظيم على قتل عدد من أهالي سيناء لتعاونهم مع الجيش أو "الموساد" الإسرائيلي، على حد زعمه.
وتسبّبت استراتيجية الجيش في التعامل مع أهالي سيناء، والتي غلب عليها الطابع العقابي، في وجود فجوة كبيرة بين الجيش والقبائل والأهالي، على خلفية قتل المدنيين وحملات الاعتقالات وهدم المنازل.
وتتعدد الطرق التي تتبعها الاستخبارات المصرية وتتطور بهدف "الوصول إلى تجنيد عملاء لها على الأرض في سيناء"، لكنها باتت تصطدم بتنظيمات لها قوة أمنية على الأرض في سيناء، وباتت تشكّل ما يُشبه درعاً واقياً ونجاحاً أمنيّاً بالنسبة لهذه التنظيمات، ويضاف، أيضاً، إلى رصيد "صراع الأدمغة".
اقرأ أيضاً: حرب سيناء: فشل جديد للسيسي
وفي إصدار جديد بثّه تنظيم "ولاية سيناء"، بدأ ببثّ صور قتلى من الجيش المصري وانضمام مسلحين جدد له، وتدريبات عسكرية في مناطق جبلية، ولكن سرعان ما تحوّل الإصدار إلى كشف مزيد من المعلومات المهمة.
وأظهر الإصدار أحد الأشخاص ويدعى عاطف إبراهيم سلامة من مناطق جنوب رفح، وهو مزارع، وروى الآتي: "وأنا ذاهب إلى العريش، مررت بكمين للجيش المصري، وكان في حوزتي 39.5 ألف جنيه، وهذا المال لم يكن مالي الخاص، بل كان إيراداً، وأجور عمال ومزارعين، فأخذ منّي الضابط النقود، واقتادني إلى الكتيبة 101 في العريش، ووضعني في السجن، وقام الجنود بالاعتداء عليّ بالضرب، وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً اقتادوني إلى غرفة التحقيق، وقال أحد الجواسيس الذين يعملون معهم، ادفع 15 ألف جنيه، وأنا أخرجك من السجن، فقلت له بدفعهم لك، فكنت أعتقد أنه يتحدث جدياً ولكن هو يكذب".
ويضيف عاطف: "قال لي الضابط، غداً، ستذهب بسيارة محملة بالغذاء إلى كمين كرم القواديس، فقلت له، يا باشا أنا ورائي أطفال وخائف، فقال لي سوف ستذهب إلى الكمين وإلا فإنك لن تخرج من السجن أبداً، فوافقت حتى أخرج، ومع أذان عصر اليوم الثاني أتى إلي الضابط، وقال لي بطلّع معك حماية على السيارة، فأخذت السيارة، وكانت تحرس السيارة المحملة بالغذاء مدرعتان من الجيش، وعند كمين الخروبة توقفت المدرعات، وقال لي الضابط اذهب إلى كمين القواديس، وإذا أطلق الكمين عليك رصاصتين عُد مرة أخرى، وإذا قابلك أحد من المسلحين أعطِ لهم السيارة، وبالفعل قابلني المسلحون، وقالوا لي انزل من السيارة، وحين جرى تفتيش السيارة وجدوا فيها كمية كبيرة جداً من المتفجرات، فتعاملوا معها وأخذوني إلى مكان آخر، وبعدها اكتشفت أن الجيش يريد تفجيري أنا والمسلحين، وأنا لا ذنب لي".
كما كشف الإصدار الجديد عن تصفية شاب من إحدى محافظات الدلتا، بعدما اعترف بالضغط عليه أنه أتى للتجسس على المسلحين، وقد روى أنه تم تدريبه في الأجهزة الأمنية في محافظة كفر الشيخ.
اقرأ أيضاً: معاناة أهالي سيناء مستمرة: تجويع ومحاولات استغلال